إسدال الستار على "مسرحية" رئاسيات مصر

29 مارس 2018
فشل النظام في إدارة المشهد الانتخابي (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد ثلاثة أيام من الترهيب والتخويف والتخوين، أسدل الستار على مسرحية الانتخابات الرئاسية في مصر، مساء أمس الأربعاء، وسط استمرار عزوف المواطنين عن التصويت، على الرغم من المحاولات المستميتة من أجهزة نظام عبد الفتاح السيسي والموالين له من أصحاب المصالح، في دفع الناخبين للمشاركة بكافة السبل، في اليوم الانتخابي الأخير.
وشهدت الساعات الأخيرة للتصويت حشداً منظّماً في العديد من المحافظات، من خلال نقل الموظفين الحكوميين ممن لم يُدلوا بأصواتهم في "باصات" تابعة للدولة، بالإضافة إلى العمال والموظفين في مصانع وشركات القطاع الخاص، الذين أُجبروا على الذهاب للانتخاب على غير إرادتهم، في وقت حصل فيه عدد غير قليل من المواطنين على إجازات اعتيادية و"عارضة" في القطاعين الحكومي والخاص "هرباً من التصويت الإلزامي".

وتسبّبت درجات الحرارة المرتفعة، التي وصلت في العاصمة القاهرة إلى 34 درجة مئوية، وتراوحت في محافظات شمال وجنوب الصعيد ما بين 37 إلى 40 درجة مئوية، في عزوف المواطنين عن التصويت نهاراً، تجنّباً لأشعة الشمس الحارقة، على الرغم من المحاولات المتواصلة من أعضاء البرلمان ورجال الأعمال من الموالين للنظام، لدفع المواطنين إلى النزول في مقابل منحهم مبالغ مالية (رشاوى انتخابية).

من جهتها، أعلنت وزارة الصحة المصرية، حصر 37 حالة مرضية داخل اللجان الانتخابية وخارجها في يوم التصويت الأخير، بإجمالي 301 حالة مرضية، على مدار الأيام الثلاثة، غالبيتهم من كبار السن، ووقوع حالة وفاة واحدة لناخبة في الأربعينيات، في منطقة حلوان، جنوبي القاهرة، منوهة إلى توافر المستلزمات الطبية والأطباء المتخصصين، في مختلف المستشفيات.

ومع استمرار غياب مشاهد الإقبال على لجان الانتخابات في مختلف المحافظات، اضطرت الأذرع الإعلامية الموالية للسيسي إلى بث صور ومقاطع فيديو من اليوم الأول للانتخاب، داعية المواطنين إلى النزول ليلاً، والترويج بأن اللجان الانتخابية ستظل مفتوحة أمام المواطنين، حتى بعد مواعيد إغلاق أبوابها الرسمية المقررة عند التاسعة مساءً بالتوقيت المحلي.
واكتفت وسائل الإعلام المحلية بتصدير مشاهد "كبار السن" وهم يُدلون بأصواتهم، وإعلان تأييدهم للسيسي، والاحتفاء بحمل رجل جيش أو شرطة "سيدة مسنة" أو "كهلا عجوزا" إلى داخل لجنة الانتخاب، مع غض الطرف بشأن عزوف الشباب الواضح عن التصويت، أو التطرق إلى أسبابه، باعتبار أنها ظاهرة تكررت في انتخابات الرئاسة عامي 2014 و2018.

ويرى مراقبون أن غياب جيل الشباب عن الانتخابات الرئاسية في مصر "يعود إلى شعور هذا الجيل بالإحباط واليأس"، نتيجة تحطم آماله في التداول السلمي للسلطة، أو تغيير السلطة الحاكمة من خلال صندوق الانتخابات، بالنظر إلى ما يراه من إجراءات قمعية بحق المعارضين، وانتهاكات حقوقية، ومنع تام لممارسة العمل السياسي على مختلف الأصعدة.

في موازاة ذلك، قالت مصادر قريبة الصلة بعدد من أعضاء مجلس النواب، لـ"العربي الجديد"، إنهم كثفوا تحركاتهم بشكل واضح في دوائرهم، خلال الساعات الأخيرة قبل إغلاق باب التصويت، في محاولة منهم لدفع الناخبين إلى النزول والتصويت بأي طريقة، إنقاذاً لماء وجه السيسي، خصوصاً مع انتشار أخبار ومشاهد اللجان الانتخابية الخاوية في وسائل الإعلام خارج مصر.
وكشفت المصادر عن نشر عضو ائتلاف الغالبية النيابية المسماة "دعم مصر"، أمين مسعود، العشرات من السيارات في منطقتي الزاوية الحمراء والشرابية، شمالي القاهرة، لحث المواطنين على النزول، من خلال مكبرات الصوت، في حين اتفق تابعون له مع سائقي سيارات الأجرة (الميكروباص) على دفع مبلغ خمسمائة جنيه لهم، مقابل إقناع عشرة ناخبين من معارفهم على التصويت، ونقلهم إلى مقار انتخابهم.

كذلك، استغل النائب محمد شعبان، والذي كان يعمل سكرتيراً لرئيس مجلس الشعب السابق، فتحي سرور، وحل برلمانياً مكانه عن دائرة السيدة زينب وسط القاهرة، حاجة العوز لدى الفقراء بدائرته، ووظف العديد من "مقاولي الانتخابات" لإحضار ونقل البسطاء منهم، وكبار السن، مقابل 100 جنيه عن الصوت الواحد، بحيث يوزع المبلغ بالتساوي بين الوسيط والناخب.


في السياق ذاته، قالت مصادر سياسية مطلعة لـ"العربي الجديد" إن حالة من الغضب المكتوم انتابت دوائر قريبة من السلطة الحاكمة، اعتراضاً على طريقة إدارة المشهد الانتخابي، وتغطية وسائل الإعلام لها في الخارج، عازية خروج المشهد بهذه الصورة "غير الإيجابية" إلى رفض السيسي أي رؤية تخالف المطروحة من دائرته المقربة التي يقودها مدير مكتبه، والرئيس المؤقت لجهاز الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل.
وانتقدت المصادر عدم استجابة دائرة السيسي إلى "بعض النصائح" بشأن السماح بخوض منافسين "شكليين" للرئاسيات، سواء من داخل النظام، على غرار رئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق، أو من المعارضين له كالمحامي الحقوقي خالد علي، خصوصاً مع انعدام فرصتهما عملياً على أرض الواقع، بدلاً من إغلاق كافة المنافذ في وجه المنافسين المحتملين، وإظهار الانتخابات أمام العالم على أنها مجرد "استفتاء" على السيسي.
كذلك، استنكرت المصادر، طريقة أداء المنافس الأوحد للسيسي، رئيس حزب "الغد"، موسى مصطفى موسى، وآلية اختياره من قبل دوائر النظام في الأصل، في ضوء تصريحاته "المفضوحة" عن تأييد منافسه، والإشادة بشخصه وبـ"إنجازاته" في كل مؤتمراته الدعائية، في أمر غير مسبوق لأي انتخابات "من المفترض أن تظهر أمام الجميع كتنافسية".

ويسعى السيسي للفوز بولاية رئاسية ثانية بأغلبية ساحقة، إيذاناً ببدء البرلمان في إجراءات تعديل الدستور، وتمديد فترة رئاسته، بعد تغييب جميع منافسيه، ولعل أبرزهم رئيس أركان الجيش الأسبق الفريق سامي عنان، الذي اعتقل بواسطة الجيش، وأودع في السجن الحربي، لمجرد إعلان ترشحه للرئاسة، فضلاً عن وضع شفيق قيد الإقامة الجبرية في منزله.

في موازاة ذلك، أفادت مصادر إعلامية مصرية بأن عدداً من المذيعين الموالين سجلوا استياءهم في جلسات خاصة، من عدم نجاح الدولة (النظام) في دفع المواطنين للنزول والانتخاب، خصوصاً بين شريحة الشباب، إضافة إلى فرض خطاب إعلامي واحد عن الحضور الكثيف للناخبين خلال أيام الانتخاب الثلاثة، بخلاف ما يراه المصريون في الشارع، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانصراف عن قنواتهم، وتشكيك الجمهور في مصداقيتهم.
غير أن هذه المصادر استدركت بقولها إنه "لا يمكن بأي حال الإعلان من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات عن نسبة حضور تقل عن انتخابات الولاية الأولى للسيسي، أو انتخابات الرئاسة التعددية السابقة لها في عام 2012، لأسباب تتعلق بشرعية السيسي في الداخل"، موضحة أن الخطاب الإعلامي المستمر عن الحشد الكثيف للمواطنين "يمهد إلى إعلان تصويت أكثر من 25 مليوناً عند الإعلان الرسمي للنتائج (الإثنين المقبل)".

وأعادت وكالة "أنباء الشرق الأوسط" الرسمية في مصر، بث خبر فرض غرامة مالية قيمتها خمسمائة جنيه على المتخلفين عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، لتخويف المواطنين البسطاء، في ظل استمرار عزوف الناخبين عن التصويت، بدعوى تفعيل نص المادة 43 من قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية رقم 22 الصادر في عام 2014.
ونقلت وكالة الأنباء عن الهيئة الوطنية للانتخابات، قولها إنها "ستعمل على تطبيق أحكام القانون في شأن توقيع الغرامة المالية على الناخبين المتخلفين عن الإدلاء بأصواتهم"، معربة في الوقت ذاته عن تقديرها البالغ و"خالص شكرها" للناخبين الذين شاركوا في العملية الانتخابية، إعمالاً لحقهم الدستوري والقانوني و"تلبية لنداء الوطن"، علاوة على "صناعة مستقبل مصر، وتقرير مصيرها في المرحلة المقبلة".

وأفادت هيئة الانتخابات، في بيان لها، بأن القانون فرض الغرامة المحددة على كل من كان اسمه مقيداً في قاعدة بيانات الناخبين، وتخلّف "بغير عذر" عن الإدلاء بصوته في انتخاب رئيس الجمهورية، زاعمة أن فرض غرامات مالية على الناخب المتخلف عن الإدلاء بصوته في الاستحقاقات الانتخابية "أمر معمول به، ويتم تطبيقه، في عدد من دول العالم، وليس قاصراً على مصر وحدها". ودعت الهيئة، كافة المواطنين ممن لهم حق التصويت في الانتخابات، ولم يدلوا بأصواتهم حتى مساء اليوم الأخير للانتخاب، إلى النزول والمشاركة، لاستكمال "العرس الديمقراطي" الذي تشهده البلاد، وهي تعبيرات سياسية متداولة على ألسنة أذرع النظام الإعلامية والحزبية، تخرج "الهيئة القضائية" عن حيادها "المزعوم".

ولم توضح هيئة الانتخابات، في بيانها، آليات تحصيل الغرامة المالية، أو حصر الأسماء المتغيبة عن التصويت، علماً منها باستحالة تطبيق هذه الغرامة، التي لجأت إليها انحيازاً إلى السلطة بغرض تخويف المواطنين، ودفعهم للنزول إلى الانتخابات قسراً، خصوصاً من العاملين في جهاز الدولة الإداري، وأصحاب المعاشات، بدعوى أن الغرامة قد تقتطع من رواتبهم أو معاشاتهم التي تتحكم فيها الحكومة.
وجددت الهيئة نفيها لما يتردد على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تمديد فترة التصويت "يوماً رابعاً" حتى مساء اليوم الخميس (لمواجهة ضعف الإقبال)، مؤكدة أن عملية التصويت تقتصر على ثلاثة أيام كما أعلنت الهيئة في جدولها الزمني في يناير/كانون الثاني الماضي، تنتهي في التاسعة من مساء (أمس) الأربعاء، مع السماح للناخبين المتواجدين في المحيط الانتخابي للجنة بالإدلاء بأصواتهم بعد الموعد المقرر.