إستطيقا الهامش

06 مايو 2015
فيصل سمرة/ السعودية
+ الخط -

سهّلت شبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر خلق ممكنات جديدة للتعبير، ليس السياسي والمجتمعي فحسب، بل أسهمت في تشكيل فضاء فني غير تقليدي.

وقد ظهرت أولى بوادر هذا الحراك الفني إثر إذاعة بعض الفيديوهات المسجلة من أعراس وحفلات خاصة، والتي كان مضمونها كوميديّاً صرفاً. تسجيلات مهدت سريعاً إلى ظهور نجوم أمثال عبد القادر السيكتور الذي افتتح عصر الـ One Man Show  في الجزائر. ونحن اليوم إذ نشهد على تناسل عروض كثيرة تتخذ اليوتيوب منصة ومنبراً، فإن ظاهرة أخرى أقل صخباً وأشد رسوخاً شرعت في رجرجة مياه الفن الآسنة.

والحديث هنا عمّا يمكن أن ندعوه بـ"ربيع الفـوتـوغـراف"؛ إذ يشهد الفيسبوك نشاطاً غير مسبوق لمجموعة من المصورين الشباب. وبمنأى عن التقييم الفني لعمل هؤلاء المصورين اللانمطيين، والذين يوجد من بينهم مواهب نادرة وجديرة بالمتابعة، فإننا سنحاول في هذه العجالة تحسس هذه الظاهرة والكشف عن تجلياتها السوسيو ثقافية.

من جهة، يمكننا أن نعزو هذا الانتشار اللافت إلى الوفرة النوعية للمعدات التقنية من كاميرات وبرامج مُحدّثة، ومن جهة أخرى، فإن ألق النجومية غير المُكلِفة الذي تهبه شبكات التواصل لسكان الهامش؛ يمثل برأينا الحافز الأشد قوة ووضوحاً.

إن أول ما يلاحظ على هذه الصفحات هو غلبة العنصر الشبابي، إضافة إلى تمركز موضوعات الصور حول الطبيعة والبورتريه. وإن كان لحضور الطبيعة ما يسوغه، كون الجزائر بربوعها الرحبة وتنوعها البيئي الكبير؛ تتيح مناسبات مستمرة ودائمة لصور تحاكي بهاء الطبيعة. أما بالنسبة للبورتريه، فيمكن تفسيره كتعبير عن "الذات" وإثبات لحضورها من خلال منظور perspective مغاير، خصوصي وذوقي، يتحدى المنظور السائد والرسمي.

يبحث هؤلاء الشباب، بحس تمردي ورغبة أبدية في التجاوز والخلخلة، عن فضاء فني مواز وبديل، بعد أن انحسر الفضاء الرسمي وتردّى بفعل أسباب عدة؛ أهمها تبعات المأساة الوطنية التي أدت مثلاً إلى إغلاق واسع لقاعات السينما، إضافة إلى اغتيال عدد مهم من الفنانين والمثقفين؛ زمن شهد غسق الإستطيقا وأفولها، وتَقَلُّصِ الاهتمام المؤسساتي بالفن عموماً وتمركزه المطرد في العاصمة.

ضمور القنوات الفنية هذه أنشأ ما يمكن أن يسمى "فراغاً" لا تتحمله صيرورة الإستطيقا. سعى شبان ما بعد الأزمة هؤلاء، سفراء الهامش المُبعد والمَقصِيّ، إلى شغله واستغلاله مدفوعين بحماس جمهرة المعجبين. يحركهم توقٌ إلى مخاطبة العالم بلغته الأكبر؛ الفن.

وفي غياب مواكبة نقدية ورسمية توازي كثافة هذه الظاهرة، يستمر هؤلاء الشباب في تجربتهم هذه مراهنين على المراكمة والتنوع، محتجين على غيبة الجمال المتواصلة، ساعين إلى تخليص الإستطيقا من ظلِّ واقع جزائري صعب.

المساهمون