إسبانيا في مفترق طرق

20 ابريل 2016

إخفاق تنصيب بيدرو سانشيث رئيسا للحكومة الإسبانية (1 مارس/2016/Getty)

+ الخط -
يطرح إخفاق الطبقة السياسية في إسبانيا في التوصل إلى اتفاقٍ بشأن تشكيل الحكومة قضايا كثيرة، تصب، في مجملها، في انتشار ذلك الشعور العام داخل الرأي العام الإسباني بأن النخب التقليدية التي قادت عملية التحول الديمقراطي الكبرى، مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، انتهت صلاحيتها السياسية أو تكاد، ولم تعد، بالتالي، قادرةً على بلورة (وصياغة) خطاب سياسي جديد، يواكب المتغيرات الحاصلة، ويقطع مع الصورة النمطية التي علقت بالذهنية الجماعية الإسبانية عن هاته النخب التي لم تأل جهداً في ربط العمل السياسي بالوجاهة والنفوذ والانتهازية السياسية.
ضمن هذا السياق، يتجاوز إخفاق تنصيب زعيم الحزب الاشتراكي العمالي، بيدرو سانشيث، مرتين دلالاته الدستورية والمؤسسية الآنية نحو طرح أسئلة كبرى وحارقة، تخص مستقبل الديمقراطية الإسبانية برمتها، فبروز قوى سياسية جديدة (بوديموس وثيوددانوس) بتطلعات سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة، بات يطرح بحدة سؤال دوران النخب في إسبانيا وعلاقته بالمتغيرات المجتمعية الكبرى، على ضوء بروز خطاب سياسي واجتماعي موازٍ لذلك الذي عبر عنه، سنواتٍ طوالا، الاشتراكي العمالي والحزب الشعبي.
ويمكن القول إننا إزاء حالة استقطاب غير مسبوقة في الساحة الإسبانية، يمكن أن تتطور إلى حالة خلط أوراق كبرى، يصعب التنبؤ بشأن مآلاتها، وهو ما يعكسه، إلى حدٍّ ما، ما أصبح يعرف بالاستشارات الداخلية التي تنظمها الأحزاب الجديدة لمعرفة توجهات قواعدها إزاء وضعيات سياسية معينة. وإذا كان بعضهم يرى في هذه الاستشارات دليل عافية ديمقراطيةٍ داخل هذه الأحزاب، فإن إسباناً كثيرين يحمّلون الأخيرة مسؤولية الجمود السياسي الحاصل منذ ديسمبر/كانون أول الماضي. آخر هذه الاستشارات، كانت تلك التي نظمها حزب بوديموس قبل أيام، والتي أظهرت أن 88.23 % من قواعده لا تؤيد انضمامه إلى الاتفاق الذي سبق أن وقعه الحزب الاشتراكي العمالي مع ثيوددانوس قبل فترة، وهو الاتفاق الذي كان يهدف، بالدرجة الأولى، إلى قطع الطريق على الحزب الشعبي اليميني، الذي يرى محللون كثيرون أنه قد يكون المستفيد الأكبر من تعثر المشاورات الحالية، خصوصاً بعد أن أصبح تشكيل حكومة ائتلافية يشارك فيها، إلى جانب حزبي الاشتراكي العمالي وثيودادونس، في حكم المستحيل. حالة خلط الأوراق هاته تعزّزها استطلاعات الرأي التي أجريت، أخيراً، والتي رجحت أن تفرز الانتخابات (في حالة إعادتها) النتائج نفسها تقريبا (فوز الشعبي متبوعا بالعمالي الاشتراكي، ثم بوديموس ثالثا).
هو وضع يبدو مقلقاً في بلد تنعت ديمقراطيته بأنها فتية، إذا ما قورنت بنظيراتها العريقة الأخرى في الغرب، إذ يبدو أن نظام الثنائية الحزبية وصل إلى سقفه، ولم يعد قادراً على إعادة إنتاج آليات استمراره واستيعاب متغيرات المشهد الحزبي والسياسي والاجتماعي والثقافي، والتي تتجلى، بشكل كبير، في بروز فئات اجتماعية كثيرة (المتضرّرون من قروض السكن بشكل أساسي!) أجهزت الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، على أحلامها وتطلعاتها نحو إسبانيا جديدة، أكثر عدلاً ورحمة بالطبقة الوسطى التي شكلت الحاضنة الدائمة للاستقرار السياسي والاجتماعي الذي عرفته البلاد، طوال الأعوام المنصرمة. كما أن التوتر الهوياتي الذي تعرفه بعض المناطق، ويصل إلى حد المطالبة بالانفصال التام عن الحكومة المركزية في مدريد، من شأنه أن يدفع في اتجاه مزيدٍ من التصدع في البناء الاجتماعي والسياسي الإسباني، لاسيما في ظل ما أبانته الطبقة السياسية، بمكوناتها المعروفة، من انقسامٍ وعجز مهول عن تدبير خلافاتها وتجاوزها، بما يسمح لها بمرورٍ سلس نحو نظام تعددية حزبية، يبدو أنها غير مستعدة له حاليا.
وفي حالة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه إلى غاية 2 مايو/أيار، من دون أن تنجح هذه الطبقة في التوافق على مرشح يحظى بثقة الملك، فإن الأخير سيكون مضطرا، بنص الدستور، إلى حل البرلمان بغرفتيه والدعوة إلى انتخابات جديدة في 26 يونيو/حزيران المقبل؛ سيناريو، إن حدث، ستكون له تداعيات عميقة، لا سيما على الجانب الاقتصادي، حيث ستتعرض علاقة الرأسمال الإسباني بهذه الطبقة، حسب ما يرى بعضهم، إلى هزّةٍ دالة من الصعب التنبؤ بتطوراتها لاحقاً داخل بنية التوازنات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى في إسبانيا.