وفي تفاصيل الموقف، أفادت مصادر قبلية وشهود عيان، لـ"العربي الجديد"، بأن الأمن المصري أخلى كمين "مغسلة أبو رياض" خلف حي الصفا على الطريق الدائري، جنوب مدينة العريش، بالإضافة إلى إخلاء كمين الساحة الرياضية في حي الزهور، المسماة "حديقة الزهور"، من قبل قوات الجيش المصري التي كانت تسيطر عليها طيلة السنوات الماضية، ونقلهما إلى مكان آخر، بالتزامن مع بدء إجراءات تسليم الساحة لمجلس مدينة العريش. وأشارت إلى أن الإخلاء جاء بشكل مفاجئ، ومن دون إبداء أي تفاصيل من قبل القوات الأمنية، أو حتى مجلس المدينة. ويجري الحديث عن نية قوات الجيش والشرطة إخلاء المزيد من الكمائن والارتكازات الأمنية في مدينة العريش ومحيطها خلال الأيام المقبلة، كما حصل قبل أكثر من عام بإخلاء قوات الأمن ميادين وشوارع رئيسية في المدينة، في ظل خطة لإعادة الانتشار، بعد تحسن الوضع الأمني في المدينة.
وأوضحت المصادر أن حالة من القلق والترقب تسود أوساط المواطنين، من نتائج الانسحاب الأمني من بعض الارتكازات والكمائن في الوقت الحالي، في ظل استمرار هجمات تنظيم "ولاية سيناء" على قوات الجيش والشرطة، في كافة مدن محافظة شمال سيناء، كان آخرها تفجير دبابة واستهداف قوة راجلة تابعة للجيش في جنوب المدينة، قبل أيام، عدا عن هجمات متقطعة داخل المدينة. ويحاول البعض، في المقابل، نشر بعض التفاؤل في أعقاب الانسحاب الأمني بأن ثمة انفراجة أمنية باتت تلوح في الأفق بالمحافظة، وعلى وجه الخصوص في مدينة العريش، التي عاشت ظروفاً أمنية صعبة لا تختلف كثيراً عن بقية مدن محافظة شمال سيناء، كالشيخ زويد ورفح، وكذلك بئر العبد التي بدأت تطاولها هجمات التنظيم، ورد فعل الأمن المصري، وهذا ما ظهر خلال الأسبوعين الماضيين.
يشار إلى أن قوات الجيش والشرطة تنتشر في أكثر من 35 نقطة أمنية، تتوزع بين كمين وحاجز وارتكاز داخل مدينة العريش ومحيطها، عدا عن الدوريات المتحركة، والحواجز المفاجئة التي تقيمها قوات الأمن في المدينة، منذ العام 2015، بعد وصول هجمات التنظيم إلى داخل مدينة العريش. وأدت هذه التشديدات الأمنية إلى صعوبة التنقل والحركة للمواطنين والبضائع على حد سواء. ومن أشهر هذه الكمائن والحواجز "الريسة والمطافئ والصفا والزهور والمحكمة" وغيرها من كمائن الطريق الدائري لمدينة العريش. وعلى الرغم من كل هذه الحواجز والكمائن، إلا أن هجمات "ولاية سيناء" لا تلبث أن تعود بعد أن تتوقف لفترة، لتزيد من الخسائر البشرية والمادية لقوات الأمن والمواطنين في المحافظة، فيما سيطرت قوات الأمن على مراكز حيوية في المدينة لإنشاء الكمائن، كالنوادي الرياضية والمدارس والمحاكم والعيادات الصحية وغيرها.
وتعقيباً على ذلك، رأى باحث في شؤون سيناء، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الظروف الأمنية في محافظة شمال سيناء لم تتغير عما كانت عليه مسبقاً، في ظل استمرار هجمات "ولاية سيناء" في كافة مناطق المحافظة، من رفح مروراً بالشيخ زويد وحتى العريش وبئر العبد، بالإضافة إلى وسط سيناء، ما يشير إلى أن الوضع العسكري للتنظيم ما زال يتمتع بالقوة الكافية للاستمرار في الهجمات، وهذا يحتم على قوات الأمن زيادة نشاطها الأمني في متابعة مجموعات التنظيم، وحماية المواطنين من خلال الانتشار الأمني الصحيح داخل المدن وفي محيطها. وأضاف "في إطار ذلك لا بد أن تكون إزالة الحواجز من باب إعادة الانتشار الأمني، وليس الانسحاب من المناطق المذكورة أعلاه، لما في ذلك من أضرار حقيقية عبر فتح ثغرة أمام تحرك مجموعات التنظيم بأريحية داخل المدينة خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل الحديث عن الانسحاب من المزيد من الكمائن العسكرية في المدينة ومحيطها".
وأضاف الباحث، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن قوات الأمن يبدو أنها تبحث من خلال الانسحاب الأمني من بعض الكمائن عن تغيير في نمط الانتشار وطبيعة التعامل والتصدي لهجمات التنظيم، إلا أنه، وفي كل مرة، يعود "ولاية سيناء" ليستهدف قوات الأمن، موقعاً خسائر مادية وبشرية في صفوفها، في ظل اعتماد التنظيم أسلوب حرب العصابات في الفر والكر داخل المدينة ومحيطها، فيما يستمر الأمن المصري في اتباع أسلوب الحرب النظامية، من خلال الانتشار في نقاط أمنية دائمة، ومعروفة للتنظيم. وأشار إلى أن التنظيم استطاع القضاء على كمائن وحواجز بأكملها خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم من ذلك يعيد الأمن انتشاره في النقاط الأمنية نفسها، من دون البحث عن تغيير جذري في استراتيجيات التعامل مع التنظيم، الذي عاد ليضرب في كافة مناطق سيناء، من دون أي تراجع ملحوظ على أدائه خلال الفترة الأخيرة، في إشارة إلى فشل الخطوات الأمنية التي اتبعها الأمن المصري منذ بدء العملية العسكرية الشاملة في فبراير/ شباط 2018.