إريتريا والخليج.. تعزيز التعاون

09 مايو 2017
+ الخط -
دولة لا يذكرها الناس إلا نادراً، تتميّز بموقعٍ استراتيجي ضمن ما تعرف بمنطقة (القرن الإفريقي)، إذ تضم مينائي عصب ومصوع، أهم الموانئ في القارة الأفريقية، لتحكّمهما في جزءٍ كبير من أنشطة النقل البحري وصادرات النفط، بجانب الدور الأمني المهم الذي يلعبه ميناء عصب، في أيّة نزاعات أو حروب، مثل عملية عاصفة الحزم التي تشنها السعودية وحلفاؤها ضد الحوثيين والرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، حيث تحدّثت تقارير أميركية عن استخدام دولة الإمارات ميناء عصب الإريتري منصة انطلاق للقوات التي أسهمت في تحرير عدن من قبضة الحوثيين.
تشكل إريتريا عُمقاً استراتيجياً مهماً لكلّ الدول المطلة على البحر الأحمر، باعتبارها البوابة المشرفة على مضيق باب المندب، وتضم أرخبيل دهلك، تجمُّع الجزر التي يزيد عددها عن 100 جزيرة، أكبرها دهلك الكبرى ونورا وحرمل، فضلاً عن أنّ إريتريا تعتبر منذ قديم الزمان حلقة اتصال تجاري وحضاري بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، لكن كلّ ذلك لم يجعلها ذات قوة سياسية أو اقتصادية مؤثرة في محيطها الأفريقي.
يمكن القول إنّ السياسة الخارجية الإريترية مثيرة للجدل، فقد سهَّل رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ميلس زيناوي، مهمة استقلال إريتريا عن إثيوبيا، عندما اتفق مع الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، على ذلك في مقابل دعم زيناوي في خطته إطاحة منغستو هايلي مريام، لكن أفورقي سرعان ما انقلب على صديقه السابق، لتندلع الحرب الشاملة بين البلدين عام 1998. وفرض مجلس الأمن عقوبات على أسمرا لاتهامها بدعم حركة الشباب المجاهدين المسلّحة في الصومال، ومن ثمَّ يصنفها مجلس الأمن دولة مارقة، وعلى الرغم من هذا تتمتع إريتريا بعلاقاتٍ جيّدة مع إسرائيل، تعود إلى ما قبل الاستقلال.
القبضة الأمنية التي تعيشها إريتريا أثَّرت سلبياً على سمعتها حتى أصبح بعضهم يطلق عليها "كوريا الشمالية الأفريقية"، فمنذ نالت استقلالها في مايو/أيار 1993 لم تجرِ فيها أيّة انتخابات، ولو صورية، وفي البلاد حزب واحد، يمتلك صحيفة واحدة وقناة واحدة، ولا تسمع في البلد إلا صوتًا واحدًا!. وتضم سجونها آلاف المعتقلين، لا يُعرف عددهم بالتحديد، ولا تهتم بهم المنظمات الحقوقية.
تفيد تقارير بأنّ نحو خمسة آلاف مواطن إريتري يهجرون بلدهم كلّ شهر، أغلبهم يهرب من الخدمة العامة في الجيش. لدى الحكومة الإريترية نظام تجنيد ينص على أنّ الأفراد بين 18 -40 عامًا يجنّدون ثمانية عشر شهرًا، إلا أنّ الواقع يخالف الورق، بعضهم يقضي في الخدمة العسكرية عشر سنوات أو يزيد، ليس هناك من سقفٍ زمني لخدمة البلاد قسرًا وبلا مقابل، حتى إنّ الحكومة قد تُجنّد أفرادًا تجاوز عمرهم الخمسين، بل والسبعين أيضًا.
عملت السعودية، أخيراً، على استقطاب إريتريا الدولة ذات الأغلبية المسلمة إلى صفها، بعد أن درست جيدًا أهميتها، فبعد أن كانت أسمرة داعمة بشكل كبير لجيش صالح وجماعة الحوثي، وهو ما اتضح في الدعم العسكري الإيراني للحوثيين في مدهم بالسلاح وتدريبهم في معسكراتٍ في الأراضي الإريترية، غير أنّ المملكة استطاعت، خلال العامين الماضيين، باستخدام نفوذها المالي والاقتصادي أن تسحب إريتريا إلى صفوفها، وأن تبني تحالفًا معها.
تجلَّى ذلك في زياراتٍ قام بها الرئيس آسياس أفورقي إلى الرياض، التقى خلالها العاهل السعودي، وتعزّزت علاقات أفورقي مع أبوظبي التي زارها مرات. ويتحدث موقع سترافور الاستخباراتي عن بناء الإمارات قاعدة عسكرية في ميناء عصب الإريتري للاستفادة من موقعه الاستراتيجي. وهذا غير مستبعد، طالما لم يصدر نفي، خصوصاً أنّ صندوق أبوظبي للتنمية أبرم اتفاقاً لتمويل مشاريع تنموية وحيوية، تخدم اقتصاد أسمرة. وراجت أنباء قبل مدة بسيطة، عن إقامة مصر قاعدة عسكرية قوامها 30 ألف جندي في إريتريا، لكن القاهرة وأسمرة نفتا تلك الأخبار.
حكومة أسياس أفورقي مطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، فضلاً عن ضرورة وضع خطط للتحوّل الديمقراطي وإشاعة الحريات، حتى لو كانت على الطريقة الأفريقية، يمكن أن يتفهم الناس الإجراءات القمعية في الفترة الأولى من عُمْر النظام، لأجل تثبيت الحكم، لكنَّ استمرارها ما يزيد عن عقدين غير مبرّر، كما أنّ أفورقي معني بالانفتاح نحو العالم، والكف عن الدخول في صراعاتٍ مع الجيران الذين كانت مواقفهم مشرفة مع إريتريا حكومة وشعباَ، فهل سيفعل ذلك، ويوّجه خطاباً تصالحياً في ذكرى استقلال بلاده الذي يصادف مايو/ أيار الجاري؟!
في المقابل، على دول الجوار محاولة التقرب من أسمرة، وانتهاج سياسة مغايرة لإحتوائها، بجانب العمل على معالجة أسباب الخلاف، ودفع المنظمات الدولية وأصدقاء النظام الإريتري لإجباره على اتخاذ مواقف لتغيير سياسته الحالية نحو الديمقراطية والسلام.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع