إرهاصات لانتفاضة جديدة من الحكومة اليمنية ضد مليشيات الإمارات

15 اغسطس 2018
تضم "الحزام الأمني" 15 ألف عنصر (كريم صهيب/فرانس برس)
+ الخط -
تعيق أبوظبي عمل الحكومة اليمنية الشرعية وتضع أمامها العقبات والصعوبات في المحافظات الجنوبية المحررة، بما يتناقض مع أهداف تدخل دول التحالف العربي عسكرياً في اليمن، وأبرزها إعادة حكومة الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، التي تمثل الرمز الرسمي للشرعية في اليمن، بعد الانقلاب الذي نفذته قوات جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائها وأدى إلى إخراجها من العاصمة صنعاء في عام 2015.

وتحاول الإمارات جاهدة إفشال جهود الحكومة الشرعية في إدارة المناطق المحررة. وبات المجتمع الدولي يعتبر أن الحكومة الشرعية عاجزة عن إدارة المناطق المحررة، بعد أن دعمت أبو ظبي في المحافظات الجنوبية المحررة مليشيات خارج نطاق المؤسسة العسكرية الشرعية تشكلت بأسماء متعددة. وبات الصراع حول السيطرة والنفوذ في عدن والمحافظات الجنوبية بين "المجلس الانتقالي الجنوبي" والمليشيات، المدعومة من الإمارات، من جهة، وبين الحكومة الشرعية وهادي من جهة أخرى هو السائد، إضافة إلى أن هذا الصراع أرهق الحكومة الشرعية.

ورغم التقارب بين الحكومة الشرعية مع أبوظبي، الذي جاء عقب زيارة وزير الداخلية اليمني، أحمد الميسري، إلى الإمارات، ونتجت منه عودة هادي إلى العاصمة المؤقتة عدن، فإن هادي لم يتمكن من ممارسة سلطاته الفعلية، واستمرت الإمارات تدعم الابتزاز السياسي الذي يمارسه "المجلس الانتقالي" والتمرد العسكري للمليشيات المسلحة. وفي مؤتمر "التعريف بمرجعيات الحل السياسي للأزمة اليمنية"، الذي نظمته الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، في العاصمة السعودية الرياض، أطلق رئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر، تصريحات جريئة، مطالباً بأن يكون السلاح واستخدامه حصراً بيد الدولة ورمزها الشرعية. وأكد "ضرورة القيام بتوحيد الوحدات العسكرية والأمنية المناطقية التي نشأت أخيراً تحت سلطة واحدة، هي سلطة الشرعية والرئيس المنتخب، وفرض القانون في العاصمة المؤقتة عدن. ويشمل ذلك نزع السلاح بشكل شامل وإخلاء المدينة من الوجود العسكري غير المبرر، وتعزيز دور الأمن العام وأجهزة البحث والتحري وتعزيز دور القضاء وفرض أحكامه". وقال "لا يمكن أن ندين ونرفض ونجرم استخدام السلاح من قبل جماعة الحوثيين الانقلابية ثم نقبله من آخرين"، في إشارة إلى "قوات الحزام الأمني" و"النخبة الشبوانية" و"الحضرمية".

وقال الناشط عبد السلام العريقي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "حديث بن دغر عن السلاح خارج إطار الدولة يعد بمثابة دق ناقوس خطر حقيقي، وهو يمتلك أهميته كونه جاء من رئيس الحكومة، وهو بمثابة اعتراف، ولو متأخراً، بأن الحكومة الشرعية مسلوبة القرار، وأن الوطن مسلوب السيادة لصالح التحالف العربي الذي يريد أن يصنع له أيادي داخل اليمن، بحيث يبقى مسيطراً على القرار السياسي على المدى الطويل، وبالتالي يتحول اليمن إلى دولة هشة وضعيفة فاقدة للسيادة وللقرار المستقل، ويبقى تابعاً إلى دول الخليج". وتزامنت تصريحات رئيس الوزراء اليمني مع زيارة هادي للعاصمة المصرية القاهرة، التي قالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" إن هذه الزيارة جاءت بعد طلب هادي من القاهرة التدخل وإنهاء التوترات بين الشرعية وأبوظبي. وذكرت المصادر أن القاهرة عرضت على الإماراتيين رغبتها القيام بهذا الدور. وتأتي زيارة هادي في هذا الإطار، على الرغم من أن ظاهرها هو تعزيز العلاقة بين البلدين. ولم تسمح الإمارات والمليشيات التابعة لها للحكومة الشرعية بإدارة شؤون البلاد وإدارة ملف إعادة الإعمار، بعد عامين ونصف العام من تحرير عدن، فيما تصاعد استياء الحكومة اليمنية من دعم الإمارات للجماعات والمليشيات التي تم تشكيلها خارج إطار الدولة، بعد تزايد نفوذ هذه الجماعات في مناطق الشرعية وتقويضها لسلطة الدولة، حيث تسيطر "قوات الحزام الأمني"، المدعومة إماراتياً والتابعة إلى "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يطالب بالانفصال، على عدن وعدد من المحافظات المحررة جنوبي البلاد، فيما تسيطر "النخبة الشبوانية" على محافظة شبوة، و"النخبة الحضرمية" على محافظة حضرموت، وهما المحافظتان الغنيتان بالنفط والغاز.

وعملت القوات الإماراتية على توسيع نفوذها على حساب الحكومة الشرعية، مستخدمة مليشيات، بمسميات متعددة، تدعمها بالمال والسلاح، وبشكل لا ينسجم مع أهداف تدخل دول التحالف العربي في اليمن. وعلى الرغم من تواجد قوات عسكرية تابعة للحكومة الشرعية في المحافظات الجنوبية المحررة الثماني، وهي أبين، وعدن، والضالع، ولحج، وشبوة، وحضرموت، وسقطرى، إلا أن الإمارات عملت على تهميش فاعلية هذه القوات، ودعمت "الحزام الأمني" و"النخبة الحضرمية" و"الشبوانية" و"السقطرية"، ما أضعف قدرات الحكومة الشرعية الأمنية والاستخباراتية في فرض سلطتها. وتدعم الإمارات توسع المليشيات والقوات التي ترتبط بها في المحافظات الجنوبية، وهي في المقام الأول "الحزام الأمني" في أبين وعدن ولحج، و"النخبة الحضرمية" و"الشبوانية"، التي تدريبها على يد مدربين أجانب. وشكلت أبو ظبي "قوات الحزام الأمني" في مارس/آذار 2016 وتتبع شكلياً وزارة الداخلية، بينما تتلقى في الواقع الدعم والتدريب والتسليح والمال والأمر العسكري من الإمارات، وتعمل خارج سيطرة المؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للشرعية. ويصل تعداد "قوات الحزام الأمني" إلى 15 ألف عنصر موزعين في أبين وعدن ولحج، وهي تعمل على تقويض الأمن والاستقرار وتمنع الحكومة الشرعية من ممارسة سلطاتها في المناطق المحررة. وتضم "الحزام الأمني" في صفوفها ضباطاً وعسكريين يمنيين ونشطاء من "الحراك الجنوبي" وبعض المحسوبين على "التيار السلفي"، وتعرف بتبعيتها إلى "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يطالب بالانفصال والعودة إلى دولة الجنوب وإلى ما قبل الوحدة اليمنية التي تحققت في مايو/أيار 1990، ويقوده عيدروس الزبيدي.

وبعد فرض الإمارات سيطرتها، عبر أدواتها، على عدن، بات على القادم إلى اليمن أخذ الموافقة من "قوات الحزام الأمني"، التي تسيطر على المطار والميناء، كما تسيطر على عدن بالكامل، إذ تنتشر النقاط العسكرية التابعة لها في شوارع المدينة، وهي ترفع علم الانفصال على الثكنات العسكرية والمؤسسات الحكومية والوزارات، وتمنع رفع العلم الوطني، كما أنها ترفع صوراً عملاقة في شوارع المدينة لقيادة "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يقوده الزبيدي والشيخ السلفي هاني بن بريك، فيما أصبح من النادر رؤية صور هادي في شوارع عدن. كما تقوم بطرد وترحيل المواطنين الذين ينتمون إلى المحافظات الشمالية. وتملك "قوات الحزام الأمني" سجوناً سرية تشرف عليها الإمارات، وتورطت بانتهاكات لحقوق الإنسان، مثل التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والحرمان من المساعدات الطبية. وأبرز هذه السجون هي تلك الواقعة في منطقة بئر أحمد غرب عدن، وهي المنطقة التي يقع فيها مقر التحالف ويخضع لإجراءات أمنية مشددة، وتقوم "الحزام الأمني" باعتقال معارضيها وإخفائهم في هذه السجون السرية.

وفي مطلع عام 2016 مولت الإمارات تشكيل "قوات النخبة الحضرمية"، تحت إشراف خبراء ومدربين أجانب، على غرار "الحزام الأمني"، بذريعة تحرير مدينة المكلا. وتعمل هذه القوات خارج هيكل قيادة المؤسسة العسكرية التابعة للحكومة الشرعية. وفي أواخر العام نفسه مولت وشكلت الإمارات أيضاً "النخبة الشبوانية" بنفس نموذج "النخبة الحضرمية" و"الحزام الأمني". ويقدر عدد قوات "النخبة الشبوانية" بأربعة آلاف عنصر يتلقون الأوامر من القيادة الإماراتية، ويعملون خارج المؤسسة العسكرية التابعة للحكومة الشرعية. كما تسيطر الإمارات، من خلال "النخبة الشبوانية" و"النخبة الحضرمية"، على كافة مفاصل محافظات حضرموت وشبوة النفطية، وعلى مطاري عتق والمكلا. وتتسابق الإمارات مع السعودية على المناطق النفطية في حضرموت والمهرة وشبوة بعدما سيطرت السعودية على المهرة ومدت نفوذها حتى وادي حضرموت.

ويتكرر الخلاف بين المليشيات الجنوبية المتحالفة مع الإمارات من جهة وحكومة هادي من جهة أخرى، حول السيطرة والنفوذ في عدن والمحافظات الجنوبية في كل مرة تحاول فيها الحكومة بسط نفوذها في المناطق المحررة. وفي يناير/كانون الثاني 2018 اندلعت اشتباكات بين مليشيات تابعة إلى الإمارات وقوات تابعة للحكومة الشرعية، استمرت لمدة ثلاثة أيام، قبل أن تتدخل السعودية لفرض وقف إطلاق النار. وفي سقطرى حاولت أبو ظبي فرض تواجد عسكري مكثف، بعد أن كانت تتواجد فيها بشكل رمزي، ودفعت بأكثر من مائة جندي وأربع مدرعات، تم إنزالها على متن أربع طائرات نقل عسكرية في مطار سقطرى، وانتشرت في المطار، وسرحت أفراد حراسته، قبل أن تجبر الإمارات على المغادرة تحت ضغوط الحكومة اليمنية. وطبقاً لتقرير لجنة الخبراء المعني باليمن، والصادر في يناير/كانون الثاني 2018، فإن القوات المقاتلة بالوكالة والتي تسلحها دول التحالف تشكل تهديداً للسلام والأمن والاستقرار في اليمن، وما لم تعد هذه القوات للانضواء تحت سيطرة الحكومة الشرعية فإنها ستعمل على تمزيق اليمن.

المساهمون