عند التاسعة صباحاً من يوم أمس، دخل عشرة مسلحين، بحسب شهود عيان، جامعة باتشاه خان الباكستانيّة، وبدأوا بإطلاق النار عشوائياً بعدما تحصّنوا داخل المبنى. الهجوم تبنّته حركة طالبان - باكستان، وقد أدّى إلى مقتل نحو 35 شخصاً بحسب مصادر غير رسمية.
صباح أمس الأربعاء، توجّه البروفسور حامد رشيد إلى جامعة باتشاه خان في شمال غرب باكستان، أسوة بمئات الطلاب والأساتذة، للمشاركة في ندوة شعرية نظمها النادي الأدبي في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الزعيم البشتوني خان عبد الغفار خان ومؤسس حزب عوامي القومي البشتوني. ورشيد أستاذ مادة الكيمياء في الجامعة نفسها، لم يكن يدري لحظة خروجه من منزله أنه لن يعود إليه حياً، وأنه سيلقى حتفه على يد مسلحين لسبب لا يعرفه هو وربما لا يعرفه منفذو الهجوم أنفسهم.
البروفسور رشيد كان أول الذين سقطوا قتلى، إثر إصابته برصاصات عدّة في ظهره. أما محمد، فكان أكثر حظاً. هو كان يجلس مع بعض من زملائه الطلاب في فناء الجامعة، قبل أن يسمعوا إطلاق نار مركّز ويروا المسلحين وهم يهرعون إلى داخل الحرم الجامعي ويتحصنون به. حاول هو وزملاؤه الفرار، لكن رصاصة أصابته في رجله. بمساعدة أحد الحراس، خرج من الجامعة.
من المستشفى العسكري في مدينة تشارسده حيث يتلقى علاجه، يروي محمد: "هجم المسلحون علينا على حين غرة. راح الحارس القريب منا يتبادل معهم إطلاق النار، وقد تحوّلت الجامعة ساحة معركة مع الدخان وإطلاق النار والقنابل اليدوية".
من جهته، يسأل محمد فاروق وهو موظف في الجامعة حوصر في سكن الطلاب، عن "الإجرام وعن الهدف من وراء استهداف الطلاب العزّل الذين أتوا في الصباح كي يدرسوا ويخدموا هذا المجتمع". ويخبر: "بعد دقيقتين على دخول الجامعة، وقعت الطامة. حوصرنا، وراح مسلّح يطلق النار علينا من الأعلى. اختبأت في ظل جدار، لكن طالبين سقطا على مقربة مني. ورحت أحاول جرّهما، لإبعادهما عن مرمى المسلحين".
مشاهد مؤلمة كثيرة سجّلتها هواتف البعض أثناء الهجوم. مصور خان واحد من الذين حوصروا في سكن الطلاب. هو مسؤول في البلدية، قصد الجامعة لحضور الندوة الشعرية. خلال احتجازه، تواصل مع الخارج، وراح يقول بنبرة ذعر واضحة: "نحن في حالة لا يمكن وصفها. أرى قتلى وجرحى، وأعتقد أن عدد القتلى قد فاق الثلاثين، جلهم من الطلاب والطالبات". وطلب من الناس في الخارج الدعاء له ولكل المحاصرين، قائلاً: "لا أعرف إن كنت سأخرج من الجامعة حياً أم لا، فالمعارك متواصلة".
اقرأ أيضاً: حملة حكومية على "المدارس الدينية" في باكستان
قاسية هي اللحظات التي عرفها الطلاب وكلّ من وُجد في حرم الجامعة عند وقوع الهجوم. يروي فيضان وهو واحد من هؤلاء: "كنا خمسة طلاب داخل فصل. بعدما سمعنا دويّ انفجار وإطلاق نار، أغلقنا الباب. راح مسلح يدقّ على الباب تارة ويطلق عليه النار تارة أخرى. كان يسأل إن كان ثمّة أحد في الداخل. لم نجب. حينها ألقى قنبلة يدوية وابتعد". وبعد دخول الجنود إلى المبنى، خرج فيضان وبدأ يبحث بقلق عن أحد زملائه المفقودين.
في خارج الحرم الجامعي، احتشد عشرات الأهالي الذين لا يدرون ما حلّ بأولادهم في الداخل. قليلون فقط يتحدّثون إلى وسائل الإعلام، في حين أن أكثرهم كانوا يتأوهون ويبكون، لا سيما الأمهات. يخبر أحد الآباء باكياً، "تحدثت قبل قليل مع ابنتي. كانت تصرخ وتقول: يا أبتي نسمع أصوات قنابل. أنا أغلقت باب الحمام عليّ، ولا أعرف ما الذي يدور في الجامعة". لكن ما كان يقلق الوالد هو أن هاتف ابنته انطفأ بعد المكالمة.
أمام مدخل الجامعة، راح كثيرون يفكّرون في التوجه إلى الداخل. لكن قوات الأمن منعتهم، إذ إن مواجهات عنيفة تدور داخل الحرم مع المهاجمين الذين قدّرت الرواية الحكومية عددهم بما بين ثلاثة وخمسة مسلحين، فيما يؤكد شهود عيان أنهم عشرة وأنهم دخلوا من الجهة الخلفيّة مستغلين الضباب. وهو ما تسبب في عرقلة العملية التي شاركت فيها مروحيات قتالية.
آباء وأمهات توجهوا إلى المستشفيات بعدما بدأ نقل القتلى والجرحى إليها، للبحث عن أولادهم، خصوصاً أولئك الذين لم يتمكنوا من الاطمئنان على أحوال أولادهم عبر الهاتف. من هؤلاء فيروز المحامي الذي توجه إلى المستشفى العسكري للبحث عن ولده بين الجرحى.
تجدر الإشارة إلى أن نحو 600 أديب وسياسي وشاعر كانوا يحضرون الندوة التي تُقام في ذكرى مؤسس حزب عوامي القومي البشتوتي خان عبد الغفار خان. وذلك إلى جانب نحو ثلاثة آلاف طالب وطالبة ونحو 200 أستاذ، كلهم كانوا في حرم الجامعة عند وقوع الهجوم.
وعن حصيلة الهجوم الذي تبنّته حركة طالبان - باكستان، تتحدّث الرواية الحكومية عن مقتل 19 شخصاً، بينهم طلاب وطالبات. أما رواية شهود العيان التي يؤكدها القيادي في حزب عوامي القومي سردار بابك، فتقول إن الهجوم أسفر عن مقتل 35 شخصاً وإصابة العشرات، جلّهم من الطلاب والطالبات.
ويسيطر القلق على باكستان من جرّاء استهداف طلاب الجامعة الأبرياء، وثمّة من يلقي باللائمة على الحكومة ويتهمها بالاستخفاف بالتهديدات الأمنية الموجهة إلى المراكز التعليمية. ويقول وزير الإعلام السابق في الحكومة المحلية في إقليم خيبر بختونخوا، ميان افتخار، "نعلم جميعاً أن أجهزة الأمن تتحدث منذ أسبوع عن احتمال تعرّض بعض المراكز التعليمية لعمليات إرهابية". ويسأل عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المركزية وتلك المحلية إزاء هذه التهديدات، ويتهمهما معاً "بالفشل الذريع".
وقد دفع حجم الهجوم رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى الإشراف مباشرة على سير العملية. كذلك توجّه زعيم حزب حركة الإنصاف عمران خان الذي يقود الحكومة المحلية في الإقليم، إلى مدينة بشاور للإشراف ومراقبة المجريات.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يستهدف فيها مسلحون المراكز التعليمية، إذ سبق واستهدفت حركة طالبان - باكستان بهجوم دموي مماثل مدرسة لأبناء العسكريين في مدينة بشاور في ديسمبر/ كانون الأول 2014، ما أدّى إلى مقتل 150 من التلاميذ والموظفين. يُذكر أن السلطات الباكستانية أعلنت السبت الماضي، إغلاق مدارس الأطفال في مناطق محددة في بشاور بعد تلقيها معلومات استخباراتية تؤكد أن انتحاريّين دخلوا المدينة وينوون استهداف تلك المدارس.
اقرأ أيضاً: شلل في باكستان