إرهاب "فتية التلال" برعاية حاخامات وسياسيي الصهيونية الدينية

08 يناير 2019
خلال تشييع الشهيدة عائشة رابي في أكتوبر الماضي(فرانس برس)
+ الخط -
لا يخلو يوم في حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، من صدامات ومواجهات واعتداءات ينفذها مستوطنون تحت سمع جنود جيش الاحتلال وبصرهم، خلال ساعات النهار والمساء، وأحياناً وسط حراسة وتأمين "الفلتان الأمني" لهؤلاء المستوطنين، من جهة، وغضّ الطرف بشكل بارز من قبل حكومة الاحتلال بشكل رسمي من جهة أخرى، إلى جانب إبداء "التفهّم" لـ"ضائقة" المستوطنين وفتيتهم، من قبل قادة أحزاب اليمين الإسرائيلي عموماً، وحزب "البيت اليهودي" وقادته ومرجعياته الدينية من حاخامات المستوطنين، خصوصاً.

لكن تطورات التحقيقات في قضية قتل الشهيدة الفلسطينية عائشة محمد رابي، من قرية بيدا، والتي استشهدت بعد رشق سيارة زوجها بالحجارة في أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام الماضي، أظهرت أنّ الاعتداءات الإرهابية التي ينفذها المستوطنون يقوم بها على ما يبدو تنظيم إرهابي يهودي جديد، إضافة للتنظيم الذي كان الاحتلال قد اعترف قبل عامين، مع جريمة إحراق عائلة الدوابشة، بوجوده ونشاطه في تنفيذ اعتداءات مختلفة على الممتلكات والمساجد الخاصة بالفلسطينيين، والتي بلغت ذروتها عام 2015، مع جريمة إحراق كنيسة الطابغة الأثرية في طبريا، شمال الأراضي المحتلة.

واضطر الاحتلال الإسرائيلي، في اليومين الماضيين، للاعتراف بوجود عمليات إرهابية يهودية، كاشفاً عن اعتقاله لمجموعة من شبان المستوطنين الذين يطلق عليهم الإعلام الإسرائيلي تسمية "فتية التلال"، في محاولة للتخفيف من خطر نشاطهم الإرهابي من جهة، وتبرير عدم اتخاذ خطوات جادة لوقف اعتداءاتهم على الفلسطينيين، من جهة أخرى.

وبيّنت التحقيقات والتطورات الأخيرة، التي أعلن عنها الأحد، بعد اعتقال خمسة من شبان المستوطنين قبل نحو عشرة أيام، أنّ هؤلاء متهمون بأنهم هم الذين قاموا برشق سيارة زوج الشهيدة عائشة رابي بالحجارة. كما تبيّن أنّ جهاز الاستخبارات الإسرائيلية بدأ يتعرّض أخيراً وبشكل علني، لضغوط من قبل قادة المستوطنين، لرفع يده عن التحقيقات مع هؤلاء المتهمين ونقلهم للتحقيق معهم من قبل الشرطة، وسط ادعاءات بتعرضهم للتعذيب. وقد أقرّت المحكمة الإسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي برفض اعترافات أحد المتهمين في القضية، بحجة انتزاعها تحت التعذيب. لكن نشر الرقابة العسكرية الإسرائيلية، أمس الاثنين، حقيقة التهم الموجهة لهؤلاء، أبرزت وجود تنظيم إرهابي في أوساط المستوطنين يحظى بتأييد واحتضان قادة المدارس الدينية في المستوطنات الإسرائيلية، وعلى رأسها المدرسة الدينية "بري هآرتس" في مستوطنة رحاليم، فضلاً عن تعاون وحماية من قبل مستوطني يتسهار، إحدى أشد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة المحتلة تطرفاً.

ووفقاً لتقارير ومعلومات أفرجت عنها الجهات الأمنية الإسرائيلية، اتضّح أنّ مجموعة من مستوطني يتسهار، وحتى قبل أن يصل جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الشابك" إلى أي معلومات أولية عن هوية منفذي عملية قتل الشهيدة عائشة رابي، كانوا قد توجهوا بسياراتهم غداة العملية الإرهابية، مع أنه صودف يوم سبت، إذ يمنع على المتدينين بحسب الشريعة اليهودية قيادة السيارات فيه، إلى المدرسة الدينية "بري هآرتس"، وقام عناصرها بإرشاد طلاب المدرسة وتلقينهم كيفية التعامل مع تحقيقات "الشاباك"، في حال جرى اعتقال أي منهم في سياق التحقيق في العملية الإرهابية. وهو ما يؤكد ضلوع قيادات في مستوطنة يتسهار بالاعتداءات، ومعرفتهم بحقيقة نشاط هذه المجموعات، خلافاً لادعاءات المستوطنين وقادة في اليمين الإسرائيلي بأنّ الحديث هو عن "فتية في ضائقة" تركوا عائلاتهم ويعيشون بدون أي رقابة أو رعاية.


واتضح أمس أنّ عدد هؤلاء الأعضاء في عصابات "فتية التلال"، الذين كان تقرير لصحيفة "هآرتس" قد أشار قبل عام إلى أن أعدادهم لا تتجاوز العشرات، يصل بحسب تقديرات "الشاباك" الإسرائيلي، إلى نحو 300 شخص، تظهر صورهم مراراً في تقارير صحافية مختلفة وثقت عمليات اعتداءاتهم على أملاك الفلسطينيين.

وقد أعلن أمس أنّ عدداً من قادة الحاخامات، أبرزهم الحاخام حاييم دروكمان، أحد أبرز المرجعيات الدينية والروحية لحزب "البيت اليهودي"، والحاخام دوف ليئور، قد أجازوا لمستوطني يتسهار انتهاك حرمة السبت والوصول إلى مستوطنة رحاليم لإرشاد راشقي الحجارة.

وبالرغم من محاولات قادة المستوطنين ووزراء الحكومة التخفيف من حجم ظاهرة "فتية التلال"، إلا أنّ تقريراً نشرته صحيفة "هآرتس"، بيّن أنّ العام 2018 شهد ارتفاعاً في عدد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين وأملاكهم من قبلهم، وصل إلى نحو 482 اعتداء حتى منتصف ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي. كما اتضّح أنّ هؤلاء يتبعون لتنظيم مشابه لتنظيم "التمرّد" الذي يقوده حفيد الفاشي اليهودي مئير كهانا، ويدعى مئير إيتينجر، وسبق أن اعتقل في إسرائيل مرات عدة لفترات قصيرة وأبعد عن الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ولغاية الآن، يحظى أفراد مجموعات "فتية التلال" ببيئة اجتماعية حاضنة ومؤيدة في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، كما يحظون بدعم قضائي وقانوني من جمعية "حنانو" القانونية، وأبرز الناشطين فيها المحامي إيتمار غفير، من حركة "كهانا"، الداعية إلى طرد الفلسطينيين من وطنهم. كذلك، يحظى منفذو العمليات الإرهابية بتفهّم كامل لعملياتهم، إن لم يكن التشجيع من عامة المستوطنين وقادتهم، ناهيك عن دعم مواقع ووسائل إعلام يمينية متطرفة.

وكانت الصحف الإسرائيلية قد كشفت، يوم الجمعة الماضي، عن تدخّل وزيرة القضاء أيليت شاكيد، لدى النائب العام الإسرائيلي، بشأن أحد المعتقلين من المجموعة الإرهابية الجديدة. وقد وثّق تسجيل مكالمة هاتفية بين شاكيد ووالدة المعتقل اعترافها بأنها سعت لدى النائب العام لفحص ظروف التحقيق مع المتهمين و"نقل صرخة العائلات"، حسب تعبيرها، على ظروف اعتقال أعضاء الخلية.

إلى ذلك، اضطر جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، في سياق الدفاع عن نفسه أمام لوبي المدافعين عن هؤلاء المعتقلين، الأحد، إلى الكشف عن معلومات حول نشاط هذه المجموعة الإرهابية، بما في ذلك نشره صوراً لعلم إسرائيل خط عليه أفراد الخلية شعار النازية. وقد لفتت الصحف الإسرائيلية في هذا السياق، إلى صمت وزراء بارزين في حكومة الاحتلال، ممن كان يفترض بهم الدفاع عن جهاز "الشاباك"، بدءاً من وزير الأمن ووزير الأمن الداخلي ووزيرة العدل، وانتهاءً برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، المسؤول من الناحية القانونية عن جهاز "الشاباك".

ويبدو أنّ تفجّر القضية في أوج معركة انتخابية يزيد من حرج حكومة الاحتلال والأحزاب اليمينية، ما يجعلها تتجنّب إدانة النشاط الإرهابي لهذه المجموعات، والأهم من ذلك تتجنّب دعم جهاز "الشاباك" والأمن الإسرائيلي، خوفاً من خسارة تأييد المستوطنين لها في الانتخابات المقرر إجراؤها في التاسع من إبريل/ نيسان المقبل.

المساهمون