15 نوفمبر 2024
إحياء الإنسانية على الطريقة الاستبدادية
لا أدري مع توارد الأخبار عن جعل عبد الفتاح السيسي شعار مؤتمره الشبابي الزائف في شرم الشيخ "إحياء الإنسانية"، وكذلك الأنباء والصور لزيارات ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، مصابين في الحرب في اليمن، في محاولةٍ منه لإثبات الأبعاد الإنسانية في شخصيته وسلوكياته، لا أدري لماذا ذكّرتني هذه وتلك بقصة "النّمرود"، حينما قال، من فرط طغيانه ونشوته بتحكّمه وقوته "أنا أٌحيي وأٌميت"، ذلك أن "النمرود" الفاجر أراد أن يثبت قوته بأنه يملك الإحياء، كما يمتلك الإماتة، وأن كونه أن يترك الإنسان حيا هو نوع من إحيائه. هكذا هي رؤية المستبد للنفس الإنسانية، النفس مستباحة، والأصل فيها الإماتة، فيتصرف فيها كيفما شاء، فإن تركها فذلك منّا منه، وإحياء لنفسٍ كان قادرا على أن يميتها أو يقتلها، إنه حال المستبد الفاجر المتجبّر المتكبّر، حينما يجعل من النفس الإنسانية لعبته، وقد كرّمه الله سبحانه وتعالى في كل الكتب السماوية إلا بحق ومستحق، "من قتل نفسا بغير نفسٍ، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
هكذا يحاول المستبد إعلانا لكبره وطغيانه أن يقوم بكل ما من شأنه الاستهانة والاستخفاف بحرمة النفس الإنسانية، فها هو بن سلمان يأمر بأن تُجلب له رأس صحافي، يعبر عن رأيه، لا يملك إلا قلمه، لم يتحمّل كلمته، ومن ثم وجّه فريقا من عصاباته، يبدو أنها لم تكن المرة الأولى للقيام بمهام مشابهة، لكنها ربما المرة الأولى التي ينكشف فيها المستور، لتأتي التسريباتُ
تتحدّث عن خنق وتقطيع أوصال وتمزيق أعضاء، والنشر بالمنشار، وربما تذويب الجثة بالأسيد، وذلك كله يعبر عن مؤشراتٍ في غايةٍ الخطورة، في النظر إلى النفس الإنسانية التي كرّمها الله سبحانه وتعالى، نظرا فيه إهانةً ومهانةً، وفيه استخفاف واستهانة. يعبر هذا الأمر عن مكنون نفسية المستبد، بممارسته المتكرّرة لطغيانه الفاجر الذي يرى أن من حقه أن يفعل ما شاء بمن شاء. ومن هنا، فإن هذا المشهد المصطنع بأنه يواسي هؤلاء الجرحى الذين أصيبوا في حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل لا يعد إنسانيةً، إلا إن كان الإبقاء على حياة هؤلاء من أنواع الإنسانية الكاذب الذي يتحدّثون عنه بكل الفجر والفخر منتهى الإنسانية.
وها هو السيسي يفعل ما يفعله بن سلمان، مع سبق إصرار وترصد، فقام بالمجازر وقتل آلاف وليس المئات، ونستمع، في كل يوم، خبر تصفية بعض من هؤلاء خارج إطار القانون بالتصفية الجسدية، من غير أدنى تعقيب، في محاولةٍ منه لإشاعة الخوف والترويع والتفزيع. وأطلق، في الوقت نفسه، العنان لجهاز قضائي، أصبحت مهمته الجور والاعتساف، لا الحكم بالعدل والإنصاف، ليصدر هؤلاء أحكاما بالجملة بإعدام من فلتوا من مجازره. وبعد ذلك، يقوم في مشهد هزلي تمثيلي بافتتاح مؤتمره في صورةٍ تهدف إلى إحياء الإنسانية. ومن المؤسف حقا أنه افتتح هذا المؤتمر، تزامنا مع استهداف بعض المسيحيين، في عمليةٍ تعبّر عن تقصير فيما يشبه التعمد، مع تكرار ذلك الحدث بالطريقة نفسها، في غيابٍ مشبوهٍ من الأمن المصري، ثم مبادرته بقتل ما يقترب من العشرين، باتهامهم بأنهم المسؤولون عن قتل المسيحيين، في مشهد عبثي متكرّر، فبدت الصورة قتلا هنا وقتلا هناك، ودماء تسيل، بينما هو يستمتع، في مؤتمره الزائف، بإحياء الإنسانية. لا نعرف لماذا قتل هؤلاء الأقباط في البداية، ولا نعرف لماذا قتل أولئك تلفيقا فيما ليس له نهاية، إنها متوالية الاستخفاف، تأتي هنا بدعوى أن هذا الرجل دعا من الشباب من كل مكان، وكلف مؤتمره وأنفق عليه ما أنفق، وجمع هؤلاء من شرقٍ وغرب، بدعوى إحياء الإنسانية، فإذا كان هذا هو محيي الإنسانية، فمن إذاً قاتلها.
هذا الأمر الذي يتعلق بتفكير المستبدين في الإحياء والإماتة، على طريقة النمرود، إنما تشكل حالة تفكير طغياني، حينما يجعل هذا المستبد الفاجر الجميع مشروع مقتول، ربما لم يأت دوره بعد، لكنه ربما ينتظر في طابور المقتولين، ومن أسفٍ أن تجد من هؤلاء الذين يتواطأون، والذين يصمتون، والذين يبرّرون، والذين يمرّرون، والذين يزيفون الحقائق ويزورون. ما بال هؤلاء وها هم في حكم المقتولين يحرّضون القاتل على قتله، ويدعمونه في التمثيل بجثث إخوانٍ لهم، لا يأمن أن يكون هو أحد المقتولين في المستقبل. ومع ذلك، فإنه ينافح عن المستبد القاتل،
ويحاول أن يبرّر جريمته. ما بال هؤلاء من علماء دين، وما هم بالعلماء، إنما هم علماء سلاطين، باعوا دينهم بثمنٍ قليل، وباعوا ضمائرهم بكل رخيص، بل لم يقفوا عند هذا الحد، فمارسوا وصلاتٍ من النفاق المقيت. وبدأ هؤلاء يطعنون الدين في مقتل، هؤلاء علماء المستبدين، ألا إنهم اللصوص المتغلبة، ومن قاطعي الطريق، يقومون بكل ما من شأنه التبرير لصاحب السلطة الذي من حقه أن يقتل، فإن قتل تمتموا وتحدثوا عن إنسانيته. أيُّ إنسانيةٍ تلك، وهم في حقيقة الأمر مشروع مقتول، حتى لو أمن هؤلاء بعض الوقت، فإنهم، في حقيقة الواقع، ليسوا إلا دمىً منافقة، تنافق المستبد، حينما يمارس لعبته الأثيرة في إزهاق النفس الإنسانية التي كرّمها الله.
هكذا يمكننا أن نتصور هذه الطريقة التي تتعلق بإحياء الإنسانية بين قتلٍ بمنشار ومجازر يرتكبها جزار. يدلُّ ذلك كله على أن الاستبداد قد توحش، وأن المستبد وصل إلى حالةٍ دمويةٍ، يقوم فيها بالقتل بلا حساب، طالما أمن العقاب، وهلل له المهللون، ولهجوا بذكر إنسانيته. وهنا وجب أن نؤكد أن إحياء الإنسانية على مقتضاها، وفي حقيقتها، مهمة تضامنية جماعية. وأول الأمر أن نواجه هؤلاء الذين يزيفون إحياء الإنسانية، فيقتلونها ويدّعون إحياءها، وجب أن نكشف زيفهم ونفضح سترهم، ونؤكد للعالمين أن هذه النفس المحرّمة التي كرّمها الله، حتى ولو نفسا واحدة لا بد من أن تنتفض الجماعة الإنسانية كمسؤولية تضامنية عن قتلها بغير حق، وأن يؤكّدوا أن ذلك قتل لهم، هذه فرصتهم الكبرى أن يُنقذوا رقابهم من فعل مستبدٍّ، استباح كل شيء، وجعل من حقه الإماتة والإحياء، وإنه القادر على كل شيء. ولكن شاء الله أن يفضح سترهم، وأن يكشف سرهم، وجنّد من سعى إلى كشف إثمهم، وإماطة اللثام عن جرائمهم. آن الأوان أن نكتب لوائح اتهام لكل هؤلاء الذين قتلوا نفوسا بغير حق، وقتلوا المئات، وتسبّبوا في موت آلافٍ من غير حق استهانة بالنفوس واستباحة بالأرواح. هؤلاء الذين يتبجحون بإحياء الإنسانية، وهم قاتلوها، لا بد من النيل منهم، والقصاص لكل من قتلوه بدمٍ بارد، ومثّلوا بجثته، وحرقوه وخنقوه. وجب علينا أن نواجه كل هؤلاء المستبدّين من كل لون، وفي كل مكان، الذين يستبيحون كل نفسٍ من غير أي إحساسٍ بمسؤولية أو توقع حساب، إنها قضية الإنسانية أن تحافظ عن معنى الإنسانية فيها، وأن لا تسمح للمستبيح لها أو قاتليها بالقول إنهم يحيون الإنسانية.
هكذا يحاول المستبد إعلانا لكبره وطغيانه أن يقوم بكل ما من شأنه الاستهانة والاستخفاف بحرمة النفس الإنسانية، فها هو بن سلمان يأمر بأن تُجلب له رأس صحافي، يعبر عن رأيه، لا يملك إلا قلمه، لم يتحمّل كلمته، ومن ثم وجّه فريقا من عصاباته، يبدو أنها لم تكن المرة الأولى للقيام بمهام مشابهة، لكنها ربما المرة الأولى التي ينكشف فيها المستور، لتأتي التسريباتُ
وها هو السيسي يفعل ما يفعله بن سلمان، مع سبق إصرار وترصد، فقام بالمجازر وقتل آلاف وليس المئات، ونستمع، في كل يوم، خبر تصفية بعض من هؤلاء خارج إطار القانون بالتصفية الجسدية، من غير أدنى تعقيب، في محاولةٍ منه لإشاعة الخوف والترويع والتفزيع. وأطلق، في الوقت نفسه، العنان لجهاز قضائي، أصبحت مهمته الجور والاعتساف، لا الحكم بالعدل والإنصاف، ليصدر هؤلاء أحكاما بالجملة بإعدام من فلتوا من مجازره. وبعد ذلك، يقوم في مشهد هزلي تمثيلي بافتتاح مؤتمره في صورةٍ تهدف إلى إحياء الإنسانية. ومن المؤسف حقا أنه افتتح هذا المؤتمر، تزامنا مع استهداف بعض المسيحيين، في عمليةٍ تعبّر عن تقصير فيما يشبه التعمد، مع تكرار ذلك الحدث بالطريقة نفسها، في غيابٍ مشبوهٍ من الأمن المصري، ثم مبادرته بقتل ما يقترب من العشرين، باتهامهم بأنهم المسؤولون عن قتل المسيحيين، في مشهد عبثي متكرّر، فبدت الصورة قتلا هنا وقتلا هناك، ودماء تسيل، بينما هو يستمتع، في مؤتمره الزائف، بإحياء الإنسانية. لا نعرف لماذا قتل هؤلاء الأقباط في البداية، ولا نعرف لماذا قتل أولئك تلفيقا فيما ليس له نهاية، إنها متوالية الاستخفاف، تأتي هنا بدعوى أن هذا الرجل دعا من الشباب من كل مكان، وكلف مؤتمره وأنفق عليه ما أنفق، وجمع هؤلاء من شرقٍ وغرب، بدعوى إحياء الإنسانية، فإذا كان هذا هو محيي الإنسانية، فمن إذاً قاتلها.
هذا الأمر الذي يتعلق بتفكير المستبدين في الإحياء والإماتة، على طريقة النمرود، إنما تشكل حالة تفكير طغياني، حينما يجعل هذا المستبد الفاجر الجميع مشروع مقتول، ربما لم يأت دوره بعد، لكنه ربما ينتظر في طابور المقتولين، ومن أسفٍ أن تجد من هؤلاء الذين يتواطأون، والذين يصمتون، والذين يبرّرون، والذين يمرّرون، والذين يزيفون الحقائق ويزورون. ما بال هؤلاء وها هم في حكم المقتولين يحرّضون القاتل على قتله، ويدعمونه في التمثيل بجثث إخوانٍ لهم، لا يأمن أن يكون هو أحد المقتولين في المستقبل. ومع ذلك، فإنه ينافح عن المستبد القاتل،
هكذا يمكننا أن نتصور هذه الطريقة التي تتعلق بإحياء الإنسانية بين قتلٍ بمنشار ومجازر يرتكبها جزار. يدلُّ ذلك كله على أن الاستبداد قد توحش، وأن المستبد وصل إلى حالةٍ دمويةٍ، يقوم فيها بالقتل بلا حساب، طالما أمن العقاب، وهلل له المهللون، ولهجوا بذكر إنسانيته. وهنا وجب أن نؤكد أن إحياء الإنسانية على مقتضاها، وفي حقيقتها، مهمة تضامنية جماعية. وأول الأمر أن نواجه هؤلاء الذين يزيفون إحياء الإنسانية، فيقتلونها ويدّعون إحياءها، وجب أن نكشف زيفهم ونفضح سترهم، ونؤكد للعالمين أن هذه النفس المحرّمة التي كرّمها الله، حتى ولو نفسا واحدة لا بد من أن تنتفض الجماعة الإنسانية كمسؤولية تضامنية عن قتلها بغير حق، وأن يؤكّدوا أن ذلك قتل لهم، هذه فرصتهم الكبرى أن يُنقذوا رقابهم من فعل مستبدٍّ، استباح كل شيء، وجعل من حقه الإماتة والإحياء، وإنه القادر على كل شيء. ولكن شاء الله أن يفضح سترهم، وأن يكشف سرهم، وجنّد من سعى إلى كشف إثمهم، وإماطة اللثام عن جرائمهم. آن الأوان أن نكتب لوائح اتهام لكل هؤلاء الذين قتلوا نفوسا بغير حق، وقتلوا المئات، وتسبّبوا في موت آلافٍ من غير حق استهانة بالنفوس واستباحة بالأرواح. هؤلاء الذين يتبجحون بإحياء الإنسانية، وهم قاتلوها، لا بد من النيل منهم، والقصاص لكل من قتلوه بدمٍ بارد، ومثّلوا بجثته، وحرقوه وخنقوه. وجب علينا أن نواجه كل هؤلاء المستبدّين من كل لون، وفي كل مكان، الذين يستبيحون كل نفسٍ من غير أي إحساسٍ بمسؤولية أو توقع حساب، إنها قضية الإنسانية أن تحافظ عن معنى الإنسانية فيها، وأن لا تسمح للمستبيح لها أو قاتليها بالقول إنهم يحيون الإنسانية.