وكشفت مديرة الإحصاء المركزي في لبنان، مارال توتاليان، خلال إعلان نتيجة التعداد في السراي الحكومي، بحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، ورئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني، حسن منيمنة، والسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، عن أرقام صادمة لواقع حياة الفلسطينيين اجتماعياً واقتصادياً، بعيداً عن الدعاية السياسية التي تحوّلت، على مر السنوات، إلى سياسة تعاط عنصرية وطائفية معهم.
والمميز في هذا الإحصاء، إلى جانب كونه أول تعداد رسمي للاجئين، أنه جمع السلطات اللبنانية والفلسطينية عبر "لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني" (تابعة لرئاسة الحكومة اللبنانية) وإدارة الإحصاء المركزي والجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين، في إطار علمي يُمكن تحويله إلى إطار عملي لإقرار الحقوق الإنسانية والاجتماعية للاجئين في لبنان.
أظهرت الإحصاءات أن اللاجئين يتوزعون على المناطق اللبنانية، بنسبة 35 في المائة في مدينة صيدا جنوبي البلاد، و25 في المائة شمالي لبنان، و13 في المائة في العاصمة بيروت، و7 في المائة في منطقة الشوف بمحافظة جبل لبنان، و4 في المائة في محافظة البقاع شرقاً.
ويتوزّع اللاجئون على 55 ألف أسرة (متوسط عدد أفراد الأسرة 4)، تُقيم في 52 ألف وحدة سكنية، يقع 51 منها في 12 مخيما خاصا باللاجئين، و49 في المائة منهم في محيط هذه المخيمات. وقد بلغت نسبة تغطية الإحصاء للاجئين 97 في المائة، ونسبة التجاوب مع الباحثين الذين أجروا الإحصاء أكثر من 96 في المائة.
كما كشف الإحصاء خريطة التوزّع للمُقيمين داخل المخيّمات بحسب جنسيات هؤلاء. وبعكس السائد، فقد كشفت الإحصاءات أن نسب وازنة من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين النازحين من سورية يتقاسمون الإقامة في هذه المخيمات مع اللاجئين المُسجلين في لبنان. وتمّ تقديم مخيم شاتيلا في بيروت، كأكثر مثال واضح عن هذا الواقع، لأن 57 في المائة من سكّانه هم من السوريين، مقابل 29 في المائة من الفلسطينيين، ونسبة أقل من اللبنانيين.
وبرغم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة للاجئين، وتراجع التقديمات التربوية من قبل "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا)، سجلت الأميّة نسبة متدنية بلغت 7.2 في المائة فقط. بينما سجلت نسب البطالة أرقاما كبيرة، تُفسّر لجوء الفلسطينيين إلى خيار الهجرة، سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية.
وبلغ حجم القوة العاملة الفلسطينية 51 ألف فرد يتوزعون على مُختلف الفئات العمرية. وسجلت البطالة بين 15 و19 سنة 43 في المائة، و28 في المائة بين 20 و29 سنة.
وبعد أن خاضت قوى سياسية مُختلفة، أبرزها "التيار الوطني الحر"، معركة سياسية بأبعاد طائفية لمنع منح المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي الجنسية لأطفالها بحجة "الخوف على التوازن الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، في ظل الزيجات العديدة بين لبنانيات وفلسطينيين"، كشفت التعداد أن عدد هذه الزيجات يبلغ 3707 حالات فقط لا غير.
وهو ما يعني عملياً منح الجنسية لـ12 ألف ابن وابنة أُمهم لبنانية ووالدهم فلسطيني. كما سجل الباحثون الذين أجروا التعداد 1219 حالة زواج بين فلسطينية ولبناني.
"مواجهة صفقة القرن"
دعا رئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني، حسن منيمنة، إلى إقرار الحقوق الإنسانية والاجتماعية للاجئيين "بعد أن أكدت نتائج الرؤية السياسية الموحدة التي تبنتها الكتل البرلمانية الأساسية في لبنان ونتائج التعداد، أن تجاوز الخلافات الماضية ممكن، وأن التضامن الفعلي مع القضية الفلسطينية هو التضامن مع الإنسان الفلسطيني".
وحذّر منيمنة من أن "تسوية وضع القدس ضمن ما يسمى صفقة القرن التي تُكافئ المحتل، هي مقدّمة لإنهاء قضية اللجوء وإقفال وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة"، منوهاً إلى قدرة الأرقام والإحصاءات الدقيقية على تثبيت الحجم الفعلي للقضايا، داعياً إلى "تحويل هذه الإحصاءات إلى سياسة عادلة تؤمّن الحقوق للاجئين".
كما ألقى رئيس الحكومة سعد الحريري، كلمة أكد فيها أن "التضامن مع الشعب الفلسطيني واجب أخلاقي وإنساني، قبل أن يكون واجباً قومياً ووطنياً"، وأن "لبنان لن يتخلى عن التزامه القومي والإنساني بحق عودة الشعب الفلسطيني إلى دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس، وواجباتنا تجاه إخواننا الفلسطينيين المقيمين على أراضينا مسألة يجب أن تتحرر من التجاذبات، ولا تتحول إلى نقطة خلاف لا بين اللبنانيين ولا بيننا وبين الفلسطينيين".
وذكّر الحريري بأنه "ليس هناك أي التباس أو أية نافذة يمكن أن تفتح، لا على التوطين ولا على أي إجراء يناقض حق العودة أو ينزع عن اللاجئين هويتهم، هوية فلسطين". ووصف واقع المخيمات بـ"المُتفاقم، والذي لا يمكن التفرّج عليه من دون حلّ".
كما تطرق رئيس الوزراء اللبناني إلى أزمة تمويل "أونروا"، وطالب الدول المانحة بـ"أن تزيد مساهماتها ودعمها، لتمكين الأونروا من القيام بالتزاماتها، وتأمين حاجات اللاجئين، وضمان حل عادل لقضيتهم حسب قرارات الشرعية الدولية".