إجراءات وقائية في المسجد الأقصى لمكافحة كورونا: "خذ سجادتك وصلّ"

13 مارس 2020
تعقيم المساجد والساحات (Getty)
+ الخط -
أعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس ومديرية المسجد الأقصى المبارك، الليلة الماضية، عن سلسلة إجراءات وقائية خلال صلاة الجمعة، لمنع انتشار فيروس كورونا، داعية المصلين والوافدين للمسجد إلى أخذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على صحتهم وعدم نقل وانتشار المرض.

وشدد مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني، في تصريحات صحافية، على خطوات متخذة للحد من انتشار هذا الفيروس، منها إحضار سجادة صلاة خاصة من قبل كل مصلّ لمن استطاع، والصلاة في الساحات والأروقة الخارجية للأقصى، إذ تبلغ مساحة المسجد 144 دونما.

ومن بين تلك الخطوات الوقائية، وفقا للكسواني، عدم الاكتظاظ داخل المساجد المسقوفة قدر الإمكان، رغم تعقيمها بشكل مستمر، كما دعا كبار السن والمرضى إلى تجنب القدوم إلى التجمعات الكبيرة داخل المسجد، والحفاظ على النظافة الشخصية في كل وقت.

وقال الكسواني: "إن ديننا الإسلامي الحنيف أمرنا بالحفاظ على النفس والبدن والعقل، وأمرنا بالأخذ بالأسباب باللطف من دون إيذاء مشاعر الآخرين، وذلك يتحقق بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا عدوى ولا طيرة، ويعحبني الفأل الصالح والكلمة الحسنة)، فالإسلام يقصد من خلال هذا الحديث أن يدفع الإنسان نحو الاطمئنان الداخلي من خلال إرجاع الأمر كله إلى الله تعالى، وأن يأخذ بالأسباب التي هي سنة من سنن الله تعالى، وبذلك يجمع بين الخيرين".

وتابع: "يجب على المريض أن يسعى جاهداً للعلاج إن كان ذلك ممكنا ويكون آثما إذا تركه، وأن يبذل كل جهده لعدم انتشار مرضه وتعديه إلى غيره من خلال عدم الاختلاط وعدم الخروج، وذلك لأن إيذاءه للآخرين محرم، ويقول عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا ضرار، فأما غير المريض فيجب عليه ألا يقترب من المريض المصاب بمرض معد ولكن بلطف ولباقة من دون إيذاء لمشاعره واتباع كل الوسائل لعدم انتقال العدوى إليه".

وأردف: "كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام جمع بين قوله (لا عدوى) وبين قوله (وفر من المجذوم كما تفر من الأسد)، للتأكيد على أمرين؛ الإيمان بقدر الله تعالى، والأخذ بالأسباب، وأن كليهما من قدر الله تعالى، وأننا نفر من قدر الله الخاص بالتوكل إلى قدر الله الخاص بالأسباب وأنه لا تناقض بينهما".

وشدد الكسواني على أنه في ظل انتشار كورونا يتوجب علينا أخذ الاحتياطات اللازمة للحد من انتشاره قدر المستطاع، إذ يجري وبشكل مستمر تعقيم المساجد المسقوفة والساحات، داعيا المصلين والوافدين إلى المسجد الأقصى إلى أخذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على صحتهم وعدم نقل ونشر المرض باتباع توصيات منظمة الصحة العالمية حول هذا الوباء.

خذ سجادتك وصلّ

وتحت شعار "خذ سجادتك وصلّ"، تدفقت جموع كبيرة من المواطنين الفلسطينيين، في القدس ومدن الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، للصلاة في المسجد الأقصى، رغم الأحوال الجوية العاصفة والتحذيرات الصارمة التي صدرت عن السلطات الفلسطينية والإسرائيلية بوجوب اتخاذ أقصى وسائل الحذر والوقاية من فيروس كورونا، الذي تسبب انتشاره بإصابة العشرات من الفلسطينيين والإسرائيليين، ووضع الآلاف في الحجر الصحي، وما رافق ذلك من قرارات بإغلاق مئات المرافق العامة والساحات وحتى الفنادق، وشمول المساجد والكنائس بهذه الإغلاقات تحت طائلة المسؤولية.

وقام العشرات من سدنة وحراس المسجد الأقصى، وبإشراف كبار المسؤولين بعد صلاتي المغرب والعشاء، وعند صلاة الفجر أيضا، وقبيل صلاة الجمعة، بتعقيم كامل مصليات المسجد الأقصى، تنفيذا لتعليمات وزارة الصحة الفلسطينية بهذا الشأن، وفقا لما أكده الكسواني في حديثه لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن عمليات التعقيم بدأت منذ يوم الجمعة الماضي، وستستمر طالما تطلب الأمر ذلك.

وبدا العديد من المصلين المتجهين للأقصى، صباح اليوم، أكثر حذرا من هذا الفيروس عما كان عليه الحال الجمعة الماضي. وأدى الآلاف منهم، الصلاة اليوم وسط تدابير احترازية ووقائية مشددة اتخذتها دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، ضمن إجراءاتها لمواجهة فيروس كورونا.

وأكد الكسواني أن 20 ألفا أدوا الصلاة اليوم، وهو ما يقارب العدد ذاته من المصلين خلال الجمعة الماضي.

وركزت خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ محمد حسين، مفتي فلسطين، على سبل الوقاية من فيروس كورونا، ودعا المصلين فيها إلى الامتثال للتعليمات الصادرة عن جهات الاختصاص فيما يتعلق بحماية أنفسهم من هذا الفيروس.

كما حذر المفتي في خطبته من استغلال البعض للمعقمات، ودعا أيضا إلى الابتعاد عن بث الشائعات الكاذبة والتي تتسبب بإثارة الخوف في صفوف المواطنين.

في حين هاجم أحد خطباء حزب التحرير، في منصتهم الأسبوعية بعد صلاة الجمعة، من أسماها بلاد الكفر وحملها مسؤولية انتشار فيروس كورونا، والذي هو عقاب من رب العالمين، وفق قوله. كما انتقد التنظيمات والأحزاب من دون أن يسميها والتي تستغل أزمة فيروس كورونا.

وكانت فرق من متطوعي الدفاع المدني في القدس المحتلة، قد قامت اليوم بتوزيع الإرشادات على المصلين، إضافة إلى المعقمات والكمامات مجانا، وفق ما أفاد لـ" العربي الجديد" جاد الغول من متطوعي الدفاع المدني.

إلى ذلك، انتشر أفراد من شرطة الاحتلال على جميع بوابات الأقصى وقد ارتدوا الكمامات الواقية من الفيروس، في حين امتثل العديد من المصلين للإجراءات، وجلب العديد منهم سجاد الصلاة الخاصة بهم عملا بتعليمات دائرة الأوقاف.

ولم تختف من ساحات الأقصى مجموعات من الغزيين من عوائل المرضى في مستشفيات القدس، إلى جانب متطوعين محليين يقومون أسبوعيا بجمع التبرعات المالية لهذه العائلات.

يذكر أن التدابير الاحترازية  لم تقتصر على الأقصى فقط، فقد امتدت أيضا إلى أماكن العبادة المسيحية، إذ أجرى نشطاء التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المُقدسة عملية تعقيم ضد فيروس كورونا لمسارات السائحين والحجاج الأجانب في البلدة القديمة من مدينة القدس، في إطار "حملة الوقاية من فيروس كورونا" والتي أطلقها التجمع قبل عدة أيام في مدينة القدس من خلال توزيع كمامات ومُعقمات على سكان المدينة وزوارها.

تباين في الالتزام بالإجراءات بالضفة

وفي الضفة الغربية، تفاوت مدى التزام المواطنين الفلسطينيين بدعوة وزارة الأوقاف الفلسطينية لهم بأداء صلاة الجمعة في بيوتهم، كإجراء احترازي لمنع تفشي فيروس كورونا.

وفي وقت لوحظ تراجع أعداد المصلين في بعض المساجد، كانت أخرى مكتظة كالمعتاد، لكن ما ربط بينها هو توحيد الخطبة التي ألقاها الخطباء وكانت عن طرق الوقاية من فيروس كورونا.

وأشار عبد السلام خلف، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه ذهب للمسجد، لكنه التزم بالتعليمات، وقال: "أخذت معي سجادة ولم أصافح أحدا، وخرجت فور انتهاء الصلاة".

أما غسان كتوت فقال: "أعتقد أن من اختاروا الصلاة في البيت شجعوا من أرادوا الصلاة بالمسجد من خلال تخفيف الاكتظاظ فيها، ووفروا لهم أجواء صحية لم تكن لولا انخفاض أعداد المصلين".

أما جواد علام فقال: "طبعا ذهبت للصلاة في المسجد. أعتقد أن هناك أماكن أخرى أشد حاجة للضبط والتنظيم، ومنها الأسواق التي كما رأيتها اليوم بيئة خصبة للفيروسات".

الناشط المجتمعي نبيل شاهين قال جوابا عن سؤال لـ"العربي الجديد": "كانت خير صلاة، معظم المصلين التزموا بإحضار سجاداتهم وعدم التسليم باليد ولم يتزاحموا على الخروج"، مستدركاً، "كانت الخطبة مختصرة مفيدة ومريحة للقلب".

بدوره، قال الشيخ ثائر أبو خرمة، أحد الأئمة في نابلس، لـ"العربي الجديد"، إن كلامي ركز بشكل كبير على سبل الوقاية من الأمراض وخاصة كورونا، ودعمته بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأقوال العلماء التي تحض على النظافة والاهتمام بصحة الأبدان.

وتابع: "نحن اليوم نعتمد في صياغة خطابنا الديني على التوجيهات الصادرة عن الجهات الرسمية، وتحديدا وزارة الصحة، ونعززها بما يتوافق معها من وجهة نظر شرعية، فحفظ الأبدان مقدم على حفظ الأديان".

وأضاف: "في هذه المرحلة الهامة والخطيرة، يجب أن يلعب الخطباء والشيوخ وطلبة العلم الشرعي دورا مؤثرا في معركتنا ضد الفيروس، الناس تلجأ إلى الله في المحن والشدائد، وينصتون باهتمام لما يخرج على لسان الدعاة والمشايخ".

أما مفيد جلغوم من جنين، فأكد لـ"العربي الجديد" أنه أدى الصلاة في بيته.، وقال:"نحن نسكن كعائلة كبيرة في بناية واحدة، ووقت الصلاة اجتمعنا في أحد المنازل وأدينا الصلاة، ثم عاد كل منا إلى شقته".

أما نادر ياسين من طولكرم فأكد لـ "العربي الجديد"، أنه يصلي في بيته منذ الأسبوع الماضي، وقال: "الأمر ليس لهوا أو كسلا، بل التزاما بالتعليمات للوقاية من أي عدوى قد تنتقل إلينا".

يشارك ياسين الرأي طبيب الأسنان مؤيد حبش من نابلس فقد صلى الجمعة في بيته، وقال: "أخذت بالأسباب التي دعانا إليها شرعنا الحنيف".

من جانبه، أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم، في تصريح مساء الخميس، أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية أهابت بالمواطنين الفلسطينيين الصلاة في منازلهم، وذلك حرصاً على سلامتهم، ومنعاً لتفشي فيروس كورونا، الذي يشكل الاختلاط إحدى الوسائل الخطيرة الناقلة له.

ووفق ملحم، فقد أشارت الوزارة إلى أنه ونظرا لحالة الطوارئ التي تمر بها الأراضي الفلسطينية لمواجهة الوباء العالمي وتقليص مساحة انتشاره، وحرصا على سلامة المواطنين من مخاطره، فإن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تهيب بالمواطنين الكرام أداء الصلاة في منازلهم، خوفا من تفشي الوباء، ومنعا للاختلاط، وحفاظا على صحة وسلامة المجتمع.

أما على صعيد العملية التعليمية في القدس المحتلة، فقد أعلن اتحاد أولياء الأمور في مدارس المدينة سلسلة من التدابير الاحترازية في مواجهة كورونا، كان من أبرزها تمديد فترة تعليق الدراسة بمدارس القدس، ابتداء من غد السبت وحتى إشعار آخر.

المساهمون