أصدرت الحكومة العراقية تعليمات صارمة لدوائر التسجيل العقاري، للحد من تزوير أوراق أملاك المواطنين المسيحيين لبيعها، في إجراءات جديدة لتدارك ما تبقى من تلك الأملاك قبل أن تسيطر عليها جهات متنفذة أو مليشيات، إلا أن مصير آلاف العقارات التي كانت مملوكة لمسيحيين، والتي تم بيعها أكثر من مرة، أو هدّم بعضها وشيدت مكانها مبان جديدة لا يزال مجهولا.
وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة أصدرت تعليماتها إلى وزارة العدل ودائرة التسجيل العقاري، بوقف أي بيع أو شراء للعقارات في بغداد وكركوك ونينوى والبصرة، وعدم الترويج لأي معاملة تخصّ عقارات المكوّن المسيحي في البلاد"، مبينا أنّ "هذا الإجراء يأتي للحفاظ على تلك العقارات من محاولات الاستيلاء عليها من جهات متنفذة".
وأضاف المصدر الذي طلب إخفاء هويته، أن "دائرة التسجيل العقاري بدأت تطبيق إجراءات صارمة لمتابعة العقارات المملوكة للمسيحيين بعد قيام بعض الجهات بالاستيلاء عليها"، مشيرا إلى أنّ "الدائرة نجحت العام الحالي، في إحباط أكثر من 50 حالة لتحويل ملكية عقارات لمسيحيين مهاجرين أو نازحين داخل البلاد إلى غيرهم، بدعم من متنفذين وموظفين فاسدين".
من جهته، قال المواطن العراقي يعقوب أوانيس لـ"العربي الجديد"، إنّ "عمليات الاستيلاء على منازل وعقارات المسيحيين ما زالت مستمرة في بغداد، وباقي المحافظات، وخاصة نينوى والبصرة وكركوك. وقعت شخصيا ضحية عمليات الاستيلاء على عقاراتنا، واكتشفت فقدان بيتي عندما عدت إلى العراق بعد رحلة النزوح. باع المؤجر المنزل إلى شخص ثالث بأوراق مزورة سجلت بالدائرة العقارية، وتم هدم المنزل وتحول إلى عمارة سكنية".
وأكد أنه "منذ عدت حتى اليوم، أراجع دوائر الشرطة والعقارات، لكني لم أحصل على شيء، إذ إن الشخص الذي سلب منزلي تابع لإحدى الجهات الحزبية المتنفذة"، محملا الحكومة مسؤولية ذلك لأنها لم تتدخل لحماية أملاك المسيحيين.
وقال الناشط المدني في بغداد آدم لويس كوركيس لـ"العربي الجديد"، إن "أكثر من 1450 عقارا تابعا لمسيحيين، تم الاستيلاء عليها من جهات متنفذة بمساعدة موظفين فاسدين في دوائر التسجيل العقاري التابعة لوزارة العدل، وكثير من العاملين في هذه الدوائر فاسدون ويعرقلون سير المعاملة لإجبار المراجع على دفع مبالغ مالية".
وأوضح أنّ "المسيحيين خسروا عقارات بملايين الدولارات في عدد من المحافظات، وخاصة المحافظات التي هجر منها أهلها عقب سيطرة تنظيم "داعش" عليها، وحين عاد هؤلاء إلى مدنهم ومناطقهم اكتشفوا أن أملاكهم لم تعد ملكهم، أو لم تعد موجودة أصلا على أرض الواقع".
ولم يعرف مسؤول محلي في محافظة الموصل إن كانت الإجراءات الحكومية الجديدة ستشمل العقارات التي سلبت من المسيحيين فعليا، وذكر لـ"العربي الجديد"، أن "نينوى شهدت العدد الأعلى في جريمة الاستيلاء على منازل المسيحيين، واكتشفنا حتى الآن 350 عقارا حاولت جهات تحويلها لأسماء جديدة، وهي تابعة للمكون المسيحي"، مبينا أنّ "نحو 100 عقار تم تحويلها لأشخاص بأسماء مزورة، وهناك عشرات الأملاك في مدن أخرى جرى الاستيلاء عليها من جهات متنفذة، ولم تتم إعادتها لأصحابها".
وسجل العراق منذ 2003، أسوأ موجة نزوح وهجرة جماعية للمكوّن المسيحي في البلاد، واشتدت هذه الموجة بعد اجتياح "داعش" لعدد من المحافظات عام 2014، ما منح الجهات الحزبية والمتنفذة والمليشيات الفرصة للسيطرة على أملاك المسيحيين وبيع أغلبها.