يصف السفير إبراهيم يسري، مساعد وزير خارجية مصر الأسبق، عزم بلاده استيراد الغاز من حقل تمار الموجود في المياه الاقتصادية اللبنانية، وتسيطر عليه إسرائيل، بأنه مساعدة لكيان محتل ينهب ثروات العرب، مشيرا إلى أن الاتفاقيات الخاصة بترسيم الحدود البحرية مع قبرص التي وقعتها مصر خلال فترة الرئيس المؤقت، عدلي منصور، ضيّعت على مصر 3 حقول غاز.
*القطاع الخاص المصري يتجه بقوة إلى استيراد نحو خمسة مليارات متر مكعب من الغاز من حقل تمار، كيف ترى هذه الخطوة؟
بداية. حقل تمار الذي ينوي القطاع الخاص المصري شراء الغاز الطبيعي منه، يقع في المياه الإقليمية لدولة لبنان العربية الشقيقة، واستولت عليه إسرائيل جورا، شراء الغاز من هذا الحقل يعد مساعدة ومساندة لكيان يغتصب الحقوق العربية كل يوم. هناك دعاوى لبنانية وشكاوى أمام هيئات ومنظمات دولية مختلفة بهذا الشأن.
*لكن مصر تمر بأزمة طاقة خانقة، حاليا، دعتها لتقليص دعم المواد البترولية في موازنتها للعام الجاري فما الحل؟
ليس الحل في استيراد الغاز من إسرائيل. ثمة منتجون آخرون يمكن الاعتماد عليهم. فضلا عن ثروات الغاز الطائلة التي تضيعها مصر لصالح جيرانها في حوض البحر المتوسط. من الضرورة التراجع عن الاتفاقيات الثنائية الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص التي تم توقيعها خلال فترة الرئيس المؤقت عدلي منصور، إذ إن قانون البحار الدولي لا يجيز هذه الاتفاقيات الثنائية بين الدول المتلاصقة أو المطلة على بحر ما. يجب أن تكون هذه الاتفاقية جماعية وليست ثنائية.
*وبم تفسر عقد مثل هذه الاتفاقيات والتحالف الثلاثي الذي شكّلته مصر مع اليونان وقبرص يوم السبت؟
للأسف مصر تسير بالطريق الخاطئ، وتتبنى حلفا مع قبرص واليونان على حساب مصالحها الاقتصادية والسياسية أيضا نكاية بالأتراك. في السياسة لا يوجد حب وكره، لكنّ القائمين على أمور الدولة في الوقت الحالي لا يفهمون ذلك، عليهم إدراك أن السياسة تقوم على مبدأ واحد هو المصلحة، ومصلحة مصر هي الحصول على حقوقها الاقتصادية من حقول الغاز في مياه المتوسط والتي تفرط فيها بإرادتها. فبمَ نفسر زيارة عدلي منصور الأخيرة لليونان دون أية أسباب، واليونان تعاني أزمات اقتصادية طاحنة؟ فضلا عن الحلف الثلاثي الذي دعت إليه مصر مع قبرص واليونان.
*ذكرتم أن مصر وقعت الاتفاقية مع قبرص فهل من الممكن قانونيا التراجع عنها؟
نعم. من حق مصر التراجع عن هذه الاتفاقية ورفع الأمر إلى محكمة البحار في جاميكا، والعدل الدولية في لاهاي بهولندا، نظرا لأن الاتفاقية تهدر مساحات كبيرة من المناطق الواقعة في الجرف القاري والمياه الاقتصادية، استنادا إلى أن المادة 74 من قانون البحار الدولي لا تُجيز الاتفاقيات الثنائية بين الدول المطلة أو المتلاصقة في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية.
لك أن تعرف أن أحد الحقول التي تستخرج إسرائيل منها الغاز حاليا، يبعد عن ميناء دمياط 190 كيلو مترا شمالا، في حين يبعد عن إحدى المدن الإسرائيلية أكثر من 270 كيلو مترا، نحن نفرط في حقوقنا، وأتساءل لمصلحة من هذا التفريط في ثروات أولادنا وأحفادنا.
إن الاجابة عن السؤال لا تخرج عن أن هناك محاولات كبيرة " لتقزيم مصر"؛ سواء عبر الدور الإثيوبي في الجنوب ومياه نهر النيل أو عبر التفريط في حقوقنا الاقتصادية والسيادية في مياه البحر المتوسط.
*هل حصلت قبرص على مزايا من هذه الاتفاقية؟
نعم، هذه الاتفاقية منحت قبرص مناطق كبيرة من المياه الاقتصادية المصرية، فضلا عن أن هناك مساحة تقع ضمن المياه الاقتصادية المصرية، وبها احتمالات كبيرة لوجود غاز مُنح لقبرص حق البحث في القسم المصري من دون أن يكون لمصر حق التنقيب في الجانب القبرصي. لا أفهم كيف يرضي من وقّع هذه الاتفاقية على نفسه ذلك.
*وكيف ترى الأسعار المعلنة التي ستشتري بها مصر الغاز من حقل تمار الذي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي؟
الأسعار المعلنة حتى الوقت الحالي، تشير إلى أن المصريين سيشترون الغاز من حقل تمار بسعر يصل إلى 7.5 دولار للمليون وحدة حرارية. بينما باعت مصر، الغاز عبر شركة شرق المتوسط، التي أسسها رجل الأعمال الهارب، حسين سالم، قريب الصلة بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، بنحو 75 سنتا للمليون وحدة حرارية، قبل أن يتم تعديل السعر إلى 3.5 دولار.
*لكن بعض مسؤولي وزارة البترول المصرية ذكروا أن الاستيراد مشروط بإضافة موارد مالية للخزانة العامة للدولة، وتلميحات بضرورة تخلي إسرائيل عن دعوة التحكيم الدولي بشأن توقف ضخ الغاز المصري إليها، كيف ترى عملية المساومة؟
القطاع الخاص لا يستطيع استيراد الغاز من إسرائيل دون موافقة حكومية من وزارة البترول والشركة القابضة للغازات أو الهيئة العامة للبترول، إذ إن عمليات توزيعه من الصعب أن يؤديها القطاع الخاص.
أما في ما يتعلق بالموارد المالية، فإن إلغاء الاتفاقيات الثنائية مع قبرص والإطارية مع اليونان التي وقعها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بناء على نصيحة وزير البترول الحالي شريف إسماعيل، ستدخل عوائد مالية فقط من ثلاثة حقول تخلت عنها مصر بأكثر من 200 مليار دولار. هذا المبلغ كفيل بالقضاء على أزمة الفقر التي يقع 60% من المصريين في براثنها وتحولنا إلى دولة خليجية مطلة على المتوسط.
وفي ما يتعلق بعملية المساومة بتخلي إسرائيل عن دعوة التحكيم الدولي، علينا أن نعرف أن شركة شرق المتوسط شركة مصرية تم تأسيسها وتسجيلها في الهيئة العامة للاستثمار، ووفقا لذلك فإن منازعات الشركة تخضع للقانون ولولاية القضاء المصري.
*هناك تلميحات في كلامكم أن هناك جهلا متعمدا بالإضرار بالمصالح الاقتصادية المصرية في غاز المتوسط، فهل تقصد ذلك؟
نعم هناك جهل يصل إلى حد التعمد بالإضرار بالمصالح الاقتصادية لمصر، وعلينا أن نعترف أن شركات البترول أقوى من الحكومة المصرية ذاتها، فمثلا شركة رويال داتش شل ثاني أكبر شركة للطاقة على مستوى العالم، حصلت على حق امتياز تنقيب عن الغاز في منطقة نيميد، الشركة ذكرت أنها وجدت كميات ضخمة من الغاز، إلا أنهم فجأة انسحبوا دون إبداء أية أسباب، ودون محاسبة من وزارة البترول للشركة عن الإخلال بالتعاقد والأضرار التي وقعت على مصر. هذه الوقائع تؤكد أن هناك ضغوطا قوية مورست على الشركة لإثنائها عن استكمال البحث والتنقيب في منطقة الامتياز، ومسؤولونا غضوا الطرف عن ذلك. هم لا يريدون مصر قوية، هم يريدونها ضعيفة في إطار تنفيذ مخططهم بتقسيم المنطقة.
*ماذا عن قضية برتش بتروليوم التي أثرتها مع المهندس حاتم عزام رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشعب الماضي؟
سامح فهمي وزير البترول الأسبق ومهندس بيع البترول إلى الكيان الصهيوني، وقّع اتفاقية مع شركة برتش بتروليوم تبيح حصول الشركة على كامل الكميات المكتشفة من الغاز، على أن يكون لمصر حق الأولوية في عمليات الشراء. وخلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي، ذهب وزير البترول، أسامة كمال، إلى رئيس الوزراء هشام قنديل مرافقا لوفد من الشركة في محاولة لإبرام الاتفاقية، وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلت مرسي يقيل أسامة كمال من وزارة البترول.
*ولماذا لم يعمل مرسي على ترسيم الحدود البحرية مع هذه الدول؟
مرسي لم يكن لديه مستشارون، على دراية كافية بالموضوع وهذه حقيقة لا يجب التغاضي عنها.
*بشأن إسرائيل وتنقيبها عن الغاز في المياه الاقتصادية الفلسطينية ماذا عن غزة؟
إسرائيل لا تريد أن تُظهر في وسائل الإعلام أنها تنقب عن الغاز في بحر غزة، حتى لا يقال إنها تنهب ثروات الغير ويسبب ذلك لها حرجا لدى المجتمع الدولي.
*هل أنت راض عن حملة لا لبيع الغاز للكيان الصهيوني التي أسستها أنت لمنع تصدير الغاز المصري لإسرائيل، قبل ثمانية أعوام؟
نعم. كل الأوضاع التي نراها اليوم تثبت أن حملة لا لبيع الغاز لإسرائيل، التي خضناها ضد نظام قمعي فرط في حقوق المصريين، كانت صحيحة، وقت أن قمنا برفع القضية في 2008، وتم رفع قضايا كيدية ضدي تحت دعوى نشر أخبار كاذبة تضر الاقتصاد المصري كانت عقوبتها تصل إلى 9 سنوات.
لقد أخبرنا الحكومة أن الاحتياطي الموجود بالكاد سيكفي حتى 2020، والآن هم يعرفون ذلك جراء الأزمة الحالية.