ظل واقع الأكراد والمسألة الكردية في سورية هامشاً على متن النصوص السردية العربية، لكن الحراك الثوري، وموجات التغيير العربية انطلاقاً من 2011، أعادت هذا الواقع إلى الواجهة. فشهدنا بذلك إحياء للإنتاج الكردي في السنوات الأخيرة.
من ذاك، رواية صدرت حديثاً في طبعة ألمانية، بعنوان "شارع الحرية" للـكاتب السوري إبراهيم اليوسف (1960)، عن "منشورات أوراق" في القاهرة، و"برينت آوت" في ألمانيا.
ففي قالب يستعين بالتأريخ والوثيقة التاريخية سردياً، تحاول الرواية تناول بدايات الثورة السورية، وتوثيق انخراط الأكراد فيها منذ أيامها الأولى. وهو ما يسحب اليوسف إلى كشف واقع المناطق الكردية في البلاد، والطريقة التي كان ينظر بها إلى الكرد قوميةً وقضيةً، سواء أكان ذلك من جهة النظام السوري، أو شركاء الثورة، أو حتى "المؤسسة" الكردية المهيمنة.
تستعيد الرواية عبر رحلة عودة مؤقتة للبطل/ الراوي، يغامر فيها بدخول البلاد مجدداً قادماً من "منفاه" الألماني، قصة مدينة القامشلي، في أقصى الشمال الشرقي لسورية، و"شارع الحرية" الذي كان يسكنه، لتعود مع كل ذلك ذكريات عمر بأكمله، ونوستالجيا قصة حب، وتخفٍ وحذر دائم من عيون المسلحين الذين يناصبونه العداء بكل أطيافهم. وهو في تناوله هذا، يعيد طرح العديد من الأسئلة الاستفزازية، حول الثورة برمتها، والقضية الكردية بشكل خاص.
وفي حديث له مع "العربي الجديد"، يقول اليوسف إن تشخيص حساسية المسألة الكردية أمر واقعي، لاستفحالها في الاتجاهات كلها، ولأنها صارت أحد التحديات بين مكونات المكان السوري، نتيجة ردود فعل زمن الحرب، وفي ظل حالة الفوضى المنظمة. وينبه إلى أنه يجب ألا يُنسى التساؤل المركزي: لمَ آلت الأمور إلى ما آلت إليه في زمن الحرب، كما في زمن ما قبلها، نتيجة دكتاتورية واستبداد النظام السوري، سبب كل بلاء السوريين؟
هذا الوضع، حسب اليوسف، خلق حالة من التنابذ التي "يقع في شراكها الكثير من المثقفين الذين ارتدّوا إلى قبائلياتهم، ونادراً ما نجد ذلك الصوت المتسامي فوق العصبيات المستشرية"، وهو ما يقول إنه يمثل وباءً أصاب المشهد النخبوي برمته.
وعن روايته، يقول إنها نتاج لمرحلة ما بعد الثورة السورية، من جهة، كما أنها من جهة أخرى تطرح أسئلة الثورة في ما يخص الظلم التاريخي الذي وقع على الكرد السوريين. بالإضافة إلى محاولة الكردي محو أخيه الكردي.
ويضيف اليوسف "كما أنني في الرواية تناولت (شارع الحرية)، وهو شارع بيتي الذي قطعت أوصاله بالحواجز الأمنية، وتعرضه لتفجير إرهابي راح ضحيته حوالي مئة شخص". فالرواية "تتعرض لما لم يتم تناوله فنياً، فقد حاولت الانطلاق من فراغ متخيل، فكانت لها أطروحاتها الخاصة، ضمن إطار توثيقي، وتاريخي، وسيرَوِي".
وعن سؤال "العربي الجديد" حول روايات ما بعد الثورات والانتفاضات العربية التي أصبحت تسقط في فخ التكرار، أو في المقولة السياسية الجاهزة المغروسة قسراً في البناء السردي، يقول اليوسف: "أرى أن عدداً غير قليل من الروايات السياسية يعاني من مثل هذا الإشكال، وقد ينطلي هذا الحكم على بعض روايات ثورات ربيع المنطقة، سواء أكان من خلال سطوة السابق على اللاحق، أو من خلال العجز عن إيجاد صيغ فنية بديلة للسمو فوق التناول السهل للواقع".
وعن سبل الخروج من هذا المأزق، يرى اليوسف أنها "تكمن في الفهم الصحيح للعبة فن الرواية، على أنها ليست مجرد نقل حرفي مشوّه للواقع، وإنما هي محاولة خلق بديل موازٍ له. إن استعراض روايات (الحرب) رفيعة التقنية، يبيّن لنا أنها لم تستسلم للتوثيق الصحافي، بل استطاعت إيجاد صيغ ودعامات لترتفع بها من مزالق (الريبورتاجية) الصّرفة، حيث إن خصوصية الكاتب الحقيقية، هي التي تقدم لنا عملاً تتوافر فيه شروط الرواية الناجحة، لا غيرها".