أي سينما في دمشق الآن؟

14 أكتوبر 2014
"سينما دمشق" قبل أن تتحول إلى "سينما سيتي" (2006)
+ الخط -

في الوقت الذي أنعشتْ فيه الثورةُ السورية، السينما في شقها المعارض، عبر أعمال كثيرة يغلب عليها الوثائقي والتسجيلي؛ توقّفت عجلة السينما الحكومية في سوريا، تقريباً، عن الدوران، بعد أن صدمتها رياح التغيير.

بدأ الأمر مع توقّف "مهرجان دمشق السينمائي الدولي" عند دورة عام 2010، الذي تلاه إحجام "المؤسسة العامة للسينما" عن تنظيم أي تظاهرة سينمائية حقيقية تذكر طيلة أربع سنوات.

البديل لهذا التوقف شبه الكلي، كان في تركيز المؤسسة، ممثلة النظام سينمائياً، على إنتاج عدد من الأشرطة لـ"المقربّين" من المخرجين الذين يتبنون رواية النظام السوري حول ما يجري في البلد من ناحية، وعلى فتح باب منح إنتاجية للشباب.

منح تتصف بتكاليفها الاقتصادية المنخفضة، وبفعاليتها لإعادة إنتاج خطاب نظام الأسد بصرياً، خصوصاً وأن الشباب المستفيدين من التمويل الحكومي وجدوا في ظرف مثل هذا عصراً ذهبياً للظهور ودخول عالم الفن السابع.. من باب مؤسسات الدكتاتور.

في عام 2012، بدأت المؤسسة مشروعها هذا، ساعية إلى تحريك عجلة الفن السابع، من أجل تفعيل مقولة النظام: "سوريا بخير". هكذا، أنتجت لمخرجها الأثير، عبد اللطيف عبد الحميد، فيلم "العاشق" (2011)، الذي أتبعته بشريطين للمخرج الشاب جود سعيد ("صديقي الأخير – 2012، "انتظار خريف" – 2013)، الذي عاد هذا العام وحصل على تمويل من المؤسسة ليبدأ، قبل أسابيع، عمليات تصوير شريطه الجديد "مطر حمص" في أحياء المدينة المدمرة، بحماية خاصة من جيش النظام.

حال الأنشطة والفعاليات السينمائية التي شهدتها العاصمة دمشق لم تختلف كثيراً، لناحية المضمون والأهداف، عن حال الإنتاجات. تظاهرة "أفلام حديثة من الشركات العالمية"، التي أخذت مكاناً لها في "دار الأوبرا" الدمشقية، في آذار/ مارس الماضي، كانت أولى هذه الفعاليات العام الجاري.

التظاهرة التي ضمت 75 فيلماً، رفعت شعار "أعمال تعرض للمرة الأولى في سوريا"، في دلالة على استمرار دمشق في استقدام آخر الإنتاجات الأجنبية، وعلى جدّة الأشرطة المشاركة وتنوعها.

وإن كان الشرط الأول قد تحقق، باعتبار أن غالبية الأفلام التي استقطبتها التظاهرة يعود إنتاجها إلى الأعوام الثلاث الأخيرة، إلا أن سمة التنوّع كانت شبه غائبة عن الحدث، مع طغيان أشرطة الأكشن والخيال العلمي والتحريك الأميركية، على غالبية عناوين البرنامج.

وبدا واضحاً، في هذا البرنامج، الذي كررته المؤسسة في نسخة ثانية في أيلول/ سبتمبر الماضي، الاهتمام بالكمّ، على حساب النوع، ما يصب، كما جرت العادة منذ بداية الثورة، في مسعى "سوريا بخير".

بين الجزئين الأول والثاني من هذه التظاهرة، أنتجت المؤسسة عدداً من الأفلام الشبابية القصيرة، وجمعتها في مهرجان "أفلام سينما الشباب الأول"، الذي أقيم في حزيران/ يونيو الماضي في "أوبرا" دمشق.

إنتاجات هذا المشروع لم تكتف بمحاباة مقولات النظام السوري ومسايرتها، كما فعلت إنتاجات فنية أخرى (العروض المسرحية، مثلاً)، بل تبنّتها بكليّتها، ما أحالها إلى مجرد أعمال دعائية، هابطة المستوى، تتماهى مع بروباغندا النظام و"فكره"، وهي أبعد ما يكون عما قد يمثل "الشباب" المنتفض ضد السلطة.

من بين هذه الأفلام، يمكن ذكر شريط "جوليا"، الذي يعرض فيه مخرجه ومؤلفه، سيمون صفية، قصة فتاة تعثر عليها إحدى مجموعات جيش النظام في بناء مهدّم، بعد أن تعرّضت للاغتصاب مراراً وتكراراً من قبل عناصر من "الجيش السوري الحر". الذل الذي تعرضت له جوليا من قبل هؤلاء "المسلحين"، سيقودها، كما يريد المخرج إقناعنا، إلى الانتحار.. في ما يشبه تحويراً كاملاً لحقيقة يفترض أن أقل الناس اطلاعاً على الحال السوري يعرفونها.

لم تتجاوز هذه الأفلام الشبابية، في غالبيتها، سنّ المراهقة الفني، حيث عجزت كاميرات الشباب عن التقاط حساسيات واقع زاخر بالتفاصيل السينمائية، وفشلت في الوصول إلى بناء فيلمي متماسك، ومقاربة التطورات في الرؤية والخطاب البصري التي وصل إليها الشق الآخر من السينما السورية، الوثائقي/ المعارض، الذي لم يكن في حاجة لتمويل حكومي ولا لموافقات أمنية كي تدور كاميراته في المناطق البعيدة عن سيطرة النظام.

هذه العروض والبرامج، رافقها قصة إنتاج وعرض فيلم نجدت أنزور، "ملك الرمال"، الذي أدار إعلام النظام السوري بروباغندا وبلبلة صاخبين حوله، كونه "يتناول تاريخ آل سعود بشكل تفصيلي". بيد أن هذه الجلبة الإعلامية سرعان ما أفلت بعد عرض وحيد للشريط، اقتصر على دعوات خاصة للوزراء واللفيف الفني حول النظام.

تضاف إلى هذه السلسلة الطويلة من اشتغالات مؤسسة السينما السورية على مقولة "البلد بخير"، وعلى مهاجمة "الآخرين" المعادين لسياسة النظام؛ إعادة افتتاح "سينما سيتي" (سينما دمشق سابقاً)، التي كانت أقفلت أبوابها قبل عام ونيف.

في آب/ أغسطس الماضي، أعادت الصالة افتتاح أبوابها بعروض أفلام حديثة، في ظروف لا تختلف كثيراً عن الظروف التي دفعتها إلى الإغلاق. افتتاح يعيد إلى الواجهة طبيعة هذه الصالة التي مثلّت، منذ انطلاقتها، سينما الطبقة البرجوازية، إذ كانت أسعار تذاكرها المرتفعة صعبة المنال على العامة.

اليوم، تعود السينما بالصبغة المخملية ذاتها، حيث يصل سعر تذكرتها إلى 950 ليرة (ما يعادل 6 دولارات أميركية)، وهو سعر مرتفع بالنسبة إلى غالبية قاطني دمشق. في المقابل، يستحيل أن تحصّل الصالة، في ظل الحضور القليل، المردودَ المالي الذي تطلب تشغيلها، ما يوحي بأن إعادة الافتتاح ليست سوى جزء من عملية تبييض أموال لشخصيات من النظام الحاكم.

يمكن القول إن السينما السورية التي عادت إلى النشاط بإيعازٍ سياسيٍّ من النظام، لم تفلح في إعادة إحياء الفن السابع في دمشق، بل اكتفت بتقديم مستوى متدنّ، إن كان للناحية الفنية، أو لناحية المضمون، المنفصل تماماً عما يعيشه البلد منذ ثلاث سنوات.

المساهمون