أيوب آيت غوت: ملابس في مواجهة صباحات العالم

31 أكتوبر 2018
أخيط أحياناً ثم أمزق. هذا مبدأ الخلق (العربي الجديد)
+ الخط -
تنطوي حياة مصمم الأزياء التونسي أيوب مومن آيت غوت على حكايات كثيرة ومآزق، حوّلته إلى شخص شرس يدافع بلغة بصرية عن الموضة كتصور وجودي للعالم. وفي جعبة هذا الشاب، الآتي من منافي متوارثة، خيوط أحلام يتعامل معها بضراوة في العاصمة باريس، إحدى المحطات الأصعب عالمياً في مجال صناعة الأزياء وعوالمها. هناك، يحاول تجاوز العقبات بالفوز والقفز، بعد أن أسس شركته الخاصة التي تحمل اسم R.E.W PARIS، وهي اختصار لـ"refuge engaged wear paris". وليس حصوله على المركز الثالث في جائزة "E fashion awards" لعام 2018 إلا تأكيداً صريحاً أن لهذا الشاب موهبة فذة، تجد طريقها إلى العالمية. 


خيارات صباحية
يعيش أيوب، ابن السابعة والعشرين عاماً، أمزجة مختلفة تتبدل مع الطقس الباريسي ومعها تتبدل ثيابه التي ينتقيها للخروج بين الأزقة الباريسية ومحطات المترو وأماكن السهر. وعلى هذا الأساس، يستعير فلسفته الخاصة حول الأزياء القائمة على طقوس الفرد، في خياراته الصباحية لأزيائه، كتعبير جوّاني عن أحواله: "حين نختار ألبستنا في الصباح نكون قد توجهنا للتعبير عن مزاجنا اليومي"، يقول وهو يرشف قهوته في إحدى مقاهي "شاتليه"، حيث التقت به "العربي الجديد"، مضيفاً: "لا يمكن فصل ما نختاره كل يوم عن جوانيتنا. الأزياء مثل البوح. وفتح الخزانة كل يوم واختيار ما نريده منها أشبه بمحاكاة لشعورنا الداخلي".
وربما، من هنا، انطلقت معظم أعمال أيوب، لتحاكي شيئاً جوانياً أو مشاعر غير مرغوب بها، متروكة ومنهوبة للآخرين: "معظم أعمالي تروي قصة مختلفة. والتصميم هو ككتابة الروايات والقصة والشعر. يعتمد على الحبكة والبناء. وفيه حكاية عليك الاستدلال إليها والخروج منها لتحاكي الآخر"، مشيراً إلى أن الأزياء التي يبتدعها تبني لغتها على أسلوب احتجاجي ورافض، ويمكن اختصارها بصفعة: "أكره عالم الأزياء التجاري. أحاربه وأحاول قدر المستطاع عبر اشتغالي الفني الاحتكام إلى إعادة التدوير. تدوير الثياب المستعملة واختلاق جديد منها أو البناء عليها ثم شطبها. أخيط أحياناً ثم أمزق. هذا مبدأ الخلق. التدمير الذاتي للأشياء وإحالتها إلى صناعة أخرى"، موضحاً: "أزيائي تعتمد على الاكتفاء بما لدينا من صناعة للألبسة والتحول إلى اختراع بما هو متاح، لا سيما أن عالم الأزياء هو الثاني بعد البترول في تلويث البيئة".


يوميات باريسية
من هنا، يخترع أيوب مسلكه؛ أي بالتعارض والاكتمال بما يحمله من نظرة أعمق إلى عالم لا ينفصل الفني فيه عن الاستهلاكي: "الممسكون بهذا العالم يحاربون المصممين الشباب الذين يغيرون في النمط الاستهلاكي. أولئك الذين انتمي إليهم، ونحن في تزايد. ننظر بوعي تام إلى فكرة اللباس كفلسفة مناصرة للبيئة وليست فقط استهلاكاً همه مضاعفة المال لشركات التصنيع"، التي تتورط أيضاً، وفق المصمم الشاب، في "تشغيل صغار السن في البلاد النامية وتضع مقاييس صارمة لعارضي الأزياء، الذين ينتحر بعضهم بسبب هذه المعايير، إضافة إلى استخدام هذه الماركات المواد الصناعية المضرة بالصحة عامة والبيئة التي حولنا وتدمرها".
هذا ما يتعلق بعالم الأزياء، أما اللغة الخاصة بأعمال المصمم "الفرانكفوني" فهي تحتمل الكثير من الرمزية. ترفض أولاً "الأبوية البطركية" و"منطق الهويات" وتعاكس كلياً فكرة الجمالية المطلقة في عالم اللباس. يقول: "عالمي هو تجريبي. شغلي يطاول الهوية. لا سيما أني ضد أي هوية جنسية في اللباس"، مضيفاً: "هذا ما يكرسه عالم صناعة الأزياء التجاري، لزيادة الربح ولتحويل الزي إلى مكون ثانوي يحتوي على الفصل الجنسي وتكريس كل ما هو ذكوري وسلطوي من خلال تحويل واجهات المحال إلى استعراض جندري قائم على التمييز والتسليع وتقديم المرأة على أنها مجرد "مانوكان". أحاول دوما اختيار عارضي أزياء من الشارع لم يكن لديهم أي تجربة. عارضون لديهم ملامحهم وصوتهم الخاص"، موضحاً: "أحب كسر كل القواعد الجندرية. وهذا ايضاً يتطابق مع ما تحتويه أزيائي من مطاولة مواضيع سياسية في رفض السلطة بشكل عام وقمعها للهويات المهمشة والأقليات وتحرير الفرد من قمعه".
وفي يوميات الشاب الباريسية الكثير من الدهشة والخيبات في آن؛ فباريس المكان الحالم لا يخلو من قسوة وعزلة: "باريس قاسية. وتطحن"، يقول أيوب، وهو يشير بتحسر إلى أن "عالم الأزياء ليس هيناً في عاصمة يتطور كل شيء فيها باللحظة والثانية، وكل الوقت هناك جديد في عالم اللباس وماركات مدعومة ببروباغندا وبيوت أزياء معاصرة. هذا لم يمنعني منذ وصولي إلى باريس، قبل ثلاث سنوات، عن الدفاع عن حقي في إيصال صوتي ولغتي اللباسية التي تعارض فعلياً الإقصاء والتدمير والتحطيم".



إلهام العالم السفلي
ما يلهم المصمم الشاب، الذي يلوذ أيضاً إلى عوالم الإخراج والتصوير الفوتوغرافي، العالم السفلي في باريس: "عالم السهر الأندرغراوند. الموسيقى والسينما البديلة. هذا هو العالم الذي يحاكيني أيضاً وسيحاكي المستقبل. كل شيء يتحول ويصبح رافضاً لما يريدون هم وضعنا فيه. القوالب انتهت. وعالم الأزياء أيضاً يتحرر كل يوم من قوالبه. وربما لهذا فزت أيضاً بجائزة تعد مهمة لأي شاب يكرس طريقه في عالم الأزياء. استطعت في ثلاث سنوات تحقيق ما لم تستطع أسماء لها في المجال عشر سنوات الوصول إليه. الفضل دوماً يعود إلى هذا الإصرار. لأني همشت مراراً صار الشغف لدي اقوى. هذا ما ساعدني وسيساعدني لاحقاً". يبتسم الشاب وهو يؤكد أن الرسامة فريدا كاهلو ألهمته مراراً في عوالمها وحياتها الشخصية، كما ألهمه السينمائي الفرنسي جان لوك غودار، والمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفادر.

يتحدث أيوب بلهجة تونسية لا تخلو من الجمل الفرنسية، هو الذي نشأ في بيت فرانكفوني وأغراه منذ طفولته عالم الأقمشة، منذ بدئه باكراً خوض عالم المسرح: "كانت زوجة أبي خياطة وكنت أشاهدها وهي تعمل على قطعها. ثم زاد الشغف في المسرح حين أحببت الأقمشة والأزياء هناك وتفتح وعيي على رغباتي ومعرفتي الجنسانية وأيضاً ولعي بالقماش كمادة خام"، مؤكداً أن أمه ألهمته كثيراً مثل كل نساء عائلته: "معظمهن نساء قويات. صنعن تغييراً في حياتي الشخصية. عملن بجد وتحدين المجتمع والنظرة الذكورية فيه"، مشدداً على أن المرأة لها قدرة "ساحرة" في تحرير الفرد. "النساء في محيطي أضفن عنصراً مختلفاً ومميزاً في نظرتي إلى العالم والأزياء وضاعفن من حساسيتي حول الظلم والتقليل من شأن الفرد وتميزه عن محيطه". لكن ما ساعده في بدايته هو المسرح: "هذا المكان أهلني لاحقاً لأكون بعيداً عنهم.
أسرني في عزلة خاصة. حرر جسمي ودفعني إلى فهم ما أريده. كان تمهيداً. درست المسرح لثلاث سنوات ثم انتقلت إلى كلية الفنون الجميلة لعام وبعدها عرفت أن لا مهرب من عالم الأزياء ودخلت في معهد "إيسمود" العالمي وبدأت انطلاقتي بالتزامن مع شغلي على أول نادي للتصوير الفوتوغرافي في تونس".
في أرشيف الشاب ثلاث مجموعات مختلفة من أعماله، تتوزع فيها الثيمات وتتنوع: "لكنها في النهاية تعبّر عني وعن شريحة تمهّد لعالم بديل في صناعة الموضة الباريسية"، يقول مختتماً بابتسامة.
المساهمون