أين يذهب "ولاية سيناء" بجثث القتلى؟

08 يونيو 2018
سعى الأهالي لاستصدار شهادات وفاة (الأناضول)
+ الخط -

ما زالت عائلة المواطن "ع. ب" تبحث عن جثة معيلها الذي قُتل على يد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي في شهر يونيو/ حزيران 2017، بعدما تم اختطافه لمدة أسبوع كامل، وذبحه في أحد ميادين مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، دون نجاح أجهزة الأمن المصرية في الوصول إلى الفاعلين أو لمكان الجثة.

والعائلة ليست الوحيدة الباحثة عن جثة أحد أفرادها المفقودة، فنهاك الكثيرون الذين تم اختطافهم أو قتلهم على يد التنظيم خلال السنوات الأربع الماضية، ذلك لأنه وفق المعلومات، فإن "ولاية سيناء" أخفى ما لا يقل عن 90 جثة لمواطنين قُتلوا على يد مجموعاته العسكرية في مناطق متفرقة من سيناء، بالإضافة إلى جثث العشرات من أفراده الذين قتلوا خلال المواجهات مع الأمن المصري.

وفي مشهد آخر للقضية، فإن السيدة "س. ج" التي انضم ابنها للتنظيم وقُتل في مواجهة عسكرية مع حملة أمنية للجيش المصري جنوب مدينة رفح قبل عامين، ما زالت تطمح لمعرفة مكان جثة ابنها البالغ من العمر حين قتل 22 عاماً، على أمل زيارة قبره، إن وجد، بعد أن انقطع عنها قبيل مقتله بأشهر طويلة، لانشغاله بالقتال في صفوف التنظيم.

ولا تلقى هذه القضية أي اهتمام حكومي أو حتى من المؤسسات الأهلية والحقوقية في مصر، رغم أنها أصبحت شبه ظاهرة في سيناء، وفقاً لتأكيدات عدد من المتابعين للشأن السيناوي، ما يستلزم موقفاً حكومياً عاجلاً لمعرفة أماكن جثث المواطنين الذين قتلوا على يد التنظيم، والبحث الجدّي لنقلهم إلى المقابر المعروفة في محافظة شمال سيناء.

وفي التفاصيل، ذكر أحد وجهاء سيناء، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التنظيم أعدم أكثر من 100 مواطن على مدار السنوات الأربع الماضية، بدعاوى مختلفة، أبرزها التعاون مع الجيش المصري، أو التجسس لصالح أجهزة الأمن الإسرائيلية، أو مراقبة تحركات التنظيم لصالح أطراف في سيناء، أو التجارة بالمخدرات وتهريب السجائر، وكذلك إعدام مواطنين لاعتناقهم أفكاراً صوفية يعتبرها التنظيم كفراً يجب إزاحته من سيناء".

وحول قضية اختفاء الجثث، أضاف الشيخ القبلي أن "التنظيم يتعمّد إخفاء جثث المواطنين الذين يقتلهم، حتى لا يقوم أهاليهم بدفنهم في مقابر المسلمين، وذلك لأن التنظيم يتهم هؤلاء القتلى بأنهم متعاونون مع الأمن المصري، وبالتالي هم في حكم المرتدين من وجهة نظره، فلا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين، فيتجه للتصرف بجثثهم من خلال وضعهم في حفر بالصحراء، أو قد يرميهم في الصحراء من دون دفن". وبيّن أن "التنظيم لا يرغب أيضاً في تسليم جثث المقتولين على يديه لأهاليهم حرصاً على عدم خروج جنازات تشييع كبيرة لهم، تمثل رسالة رفضٍ للتنظيم، قد تؤدي إلى نتائج سلبية في صفوف أفراده، على سبيل أنه لا يمكن أن يخرج آلاف المواطنين في جنازة مواطن بهذا الشكل المهيب، كما جرى في بعض الحالات في مدينة العريش، إلا إذا كان مظلوماً، وليس كما يتهمه التنظيم".



وكشف الشيخ أنه "خلال السنوات الأربع الماضية جرت محاولات عدة لإقناع التنظيم بتسليم جثث مواطنين، خصوصاً من المكون البدوي قتلوا على يد مجموعاته العسكرية، ووفقاً للشروط التي يضعها التنظيم، والتي كان في مقدمتها عدم إقامة جنازات كبيرة لهم، ولا مشاركة واسعة من الأهالي، وعدم إقامة بيوت عزاء لهم، وهذا ما تم فعلاً، ولكن في حالات قليلة جداً، وتم دفنهم في مقابر قبائلهم ومدنهم".

بدورها، لا تقوم وزارة الصحة المصرية باستخراج شهادة وفاة لأي مواطن لم تحضر جثته إلى مستشفى حكومي رسمي، وهو ما يضاعف المصيبة لدى عائلات القتلى، إذ لا يمكنهم الحصول على أي تعويضات أو الانضمام إلى كشوفات وزارة التضامن الاجتماعي أو الاستفادة في أي مصلحة أخرى، في ظل عدم وجود إثبات بمقتل معيل الأسرة، أو أحد أفرادها.

من جهته، اعتبر أحد مسؤولي مستشفى العريش العام، أن "التعليمات الموجهة لكافة العاملين في المستشفى في هذا الشأن تقضي بعدم إصدار شهادة وفاة لأي حالة مهما كانت قضيتها معروفة، كالذين قُتلوا أمام عشرات المواطنين في ميادين العريش، أو نشرت مقاطع مصورة تؤكد مقتلهم، إلا في حال إحضار جثة القتيل. وهذا لم يحدث إلا نادراً إذا استطاعت بعض العائلات الحصول على جثث أبنائها، وغالباً ما ترفض الطلبات المقدمة للحصول على شهادات وفاة".

وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "وفقاً للوائح العمل في الوزارة، لا يمكن إصدار شهادة وفاة إلا بعد دخول الجثة مرافق وزارة الصحة، وتشريحها في حالة تعرضها للقتل بالرصاص أو الذبح، كما الحال مع المقتولين على يد التنظيم. ولا يمكن تجاوز هذا الشرط، وإلا سندخل في مشكلة قانونية، وقد ينتج عن هذا التجاوز تلاعب من قبل عائلات أخرى بادعاء مقتل أبنائها، والمطالبة بالحصول على شهادة وفاة دون إحضار الجثة، وبذلك نصبح في مشكلة أكبر من التي فيها أهالي المقتولين الآن".



وبيّن أن "لدى المستشفى أكثر من 60 طلباً للحصول على شهادات وفاة من عائلات قتلى مختفية جثثهم على يد التنظيم أو غيره"، مؤكداً أن "إدارة المستشفى أبلغت الوزارة بالقاهرة بما يجري منذ ازدياد الطلبات في عام 2016، إلا أنه لم نحصل على رد بخصوص ذلك، ما أبقى الملف حبيس الأدراج إلى حين الحصول على قرار حكومي يقضي بإصدار شهادات وفاة للمقتولين المختفية جثثهم في سيناء".

هذه المشكلة الكبيرة التي واجهت عائلات المقتولين المفقودة جثثهم، شملت عائلات القتلى الذين كانوا يتعاونون بشكل معلن مع الأمن المصري، من خلال النشاط في المجموعة المشهورة باسم 103 في مدينة الشيخ زويد، أو من خلال التحرك مع الحملات العسكرية في مدينتي رفح والشيخ زويد، أو بعضهم من كان ينقل المواد التموينية إلى معسكرات الجيش، في ظل أن التنظيم كان يستهدف أرتال الدعم والإسناد التي كانت تتنقل بين الأكمنة والمعسكرات، ورغم ذلك لم يشفع لهم تعاونهم مع الأمن في تسهيل الإجراءات على عائلاتهم.

وبعد المناشدات التي أطلقتها عائلات المواطنين المفقودة جثثهم حول مصير الجثث، لم يحصلوا على أي نتيجة من كافة الجهات الحكومية والأمنية في سيناء، فاقتصرت مطالبتهم على الحصول على شهادة وفاة من قبل وزارة الصحة، وعليه حاول بعض نواب سيناء التواصل مع الحكومة المصرية بهدف استصدار قرار حكومي يقضي بإصدار شهادات وفاة، ولكن لفئة واحدة من القتلى المفقودة جثثهم، وهم المتعاونون مع الأمن المصري.
وفي كتاب موجه من النائب عن الدائرة الثانية في محافظة شمال سيناء في مجلس النواب المصري إبراهيم أبو شعيرة إلى رئيس مجلس الوزراء المصري، رجاه الموافقة على إدراج أسماء القتلى الذين تمت تصفيتهم على يد الجماعات المسلحة، وذلك لتعاونهم مع القوات المسلحة واختفاء جثثهم وعدم مقدرة أهاليهم على استخراج شهادة الوفاة.

وفي ما يلي نص الكتاب من النائب أبو شعيرة لرئيس الوزراء المصري: "أرجو من سيادتكم الموافقة على إدراج أسماء الشهداء الذين تمت تصفيتهم من قبل الجماعات الإرهابية، وذلك لتعاونهم الكامل مع القوات المسلحة واختفاء جثثهم ولم يستطِع أهالي الشهداء استخراج شهادة وفاة لذويهم، مما أدى لعدم إدراجهم ضمن التعويضات، وعدم قبول أبنائهم بالمدارس الحكومية، لذا أرجو من سيادتكم النظر بعين الاعتبار بالموافقة، وذلك بما تم إقراره بالقانون الخاص بتعويضات أسر الشهداء والمصابين، مرفق لسيادتكم كشف بأسماء الشهداء".



وشمل الكشف المرفق لكتاب أبو شعيرة أسماء 23 مواطناً مفقودة جثثهم، وغالبيتهم معيلو أسر متوسط عددها خمسة أفراد، ورغم أنهم يمثلون جزءاً من عدد كبير للمفقودة جثثهم بعد قتلهم على يد التنظيم أو أي جهة أخرى، إلا أن النائب لم يحصل على رد بخصوص الكتاب الموجه للحكومة حتى هذه اللحظة، رغم مرور أكثر من شهر على وصوله لمكتب رئيس مجلس الوزراء.

ويتضح من ذلك أن الاهتمام الذي بدأ يتنامى بخصوص هذه القضية الحساسة لعشرات العائلات، كان مقتصراً على الذين كانوا يتعاونون مع الأمن المصري، بينما الذين قتلوا على يد التنظيم وبالتهمة نفسها دون أن يكونوا فعلاً متعاونين، ليس لهم أي حق أو اهتمام من قبل كافة الأطراف المعنية بهذا الشأن.

وتعقيباً على ذلك، رأى الباحث مهند صبري أن "تنظيم ولاية سيناء يتعمّد عدم تسليم جثث القتلى الذين يتهمهم بالتعاون مع الجيش المصري لأهاليهم؛ إمعاناً في الانتقام من القتلى وعائلاتهم، على فرض أنهم أقدموا على فعل مشين من وجهة نظر التنظيم، وهذا الفعل يشابه ما كان يقوم به تنظيم داعش الأم في سورية والعراق على مدار السنوات الماضية".

وأشار صبري في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التنظيم رفض تسليم عدد من جثث المواطنين الذين يحظون بشعبية واسعة في سيناء، كما حصل مع الشيخ سليمان أبو حراز، الذي قتله التنظيم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 بصفته أحد أكبر شيوخ الطريقة الصوفية بمحافظة سيناء المصرية. ونشر التنظيم فيديو يُظهر إعدامه ذبحاً، حرصاً على عدم مشاركة آلاف المواطنين في جنازته، وإقامة مقام له في مدينة الشيخ زويد أو جنوب رفح، بعد دفنه، وكذلك ما حصل مع عدد من المعدومين على يد التنظيم خلال السنوات الأربع الماضية".

وبما يتعرض له أهالي المتعاونين من إهمال بعد مقتلهم، يبيّن الباحث المصري أن "عدم وجود إطار قانوني ينظم عمل المتعاونين مع الجيش، يضيّع حقوقهم، وهم على قيد الحياة، فكيف الحال إن قتلوا واختفت جثثهم؟"، مؤكداً أن "ديدن الأمن المصري يؤكد التخلي عن المتعاونين بعد مقتلهم، وإهمال عائلاتهم، رغم الخدمات التي قدموها على مدار سنوات تعاونهم، وهذا يمثل رسالة تحذير لمن بقي متعاوناً مع الأمن". وأشار إلى أن "أهالي المتعاونين لا يستطيعون إعلاء الصوت أمام الأمن بالمطالبة بحقوقهم، خوفاً من التنكيل بهم سواء من الأمن أو التنظيم على حد سواء".



المساهمون