بات من الواضح أن المعركة في درعا مرتبطة إلى حد بعيد بالجهود المبذولة لرسم خرائط "مناطق تخفيض التصعيد"، إذ دفع النظام منذ بداية الشهر الحالي، مدعوماً بالمليشيات الإيرانية وبالطيران الروسي، بقوات كبيرة إلى الجنوب السوري في محاولة لخلق وقائع جديدة تتيح له توسيع نطاق سيطرته وتثبيت هذا التوسع في الخرائط التي ستناقش وستبت ربما في أستانة. ويسعى النظام بشكل خاص إلى إنهاء وجود المعارضة المسلحة في مدينة درعا والوصول إلى الحدود مع الأردن للسيطرة على معبر نصيب، وقطع التواصل بين مناطق المعارضة في الريفين الشرقي والغربي.
غير أن جهود النظام العسكرية باءت بالفشل حتى الآن، ولم يستطع التقدم "شبراً واحداً"، كما تؤكد المعارضة المسلحة في الجنوب، بل على العكس تكبد خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، ما دفعه، مع حليفه الروسي، إلى التعويل على المفاوضات لتحقيق ما عجز عنه في ساحات المعارك.
ورأى عضو القيادة العسكرية لـ"الجيش السوري الحر" في الجبهة الجنوبية، أيمن العاسمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التفاهمات في عمان تمثلت في الاتفاق على بقاء قوات النظام في درعا على أن تنسحب المليشيات التي تدعمها إيران إلى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود الأردنية. وأوضح العاسمي أن الأردن طالب خلال المفاوضات بضم المنطقة الشرقية في درعا والتي تصل إلى حدود منطقة التنف، إلى منطقة "خفض التصعيد" في الجنوب، مقابل أن تضغط عمان على فصائل المعارضة من أجل السماح للنظام بالوصول إلى معبر نصيب الحدودي. إلا أن العاسمي أضاف أنه "ليس بالضرورة أن يكون هذا الوصول عسكرياً، وإنما يتم الاكتفاء بالسماح بمرور الشاحنات الآتية من مناطق النظام وعبورها إلى الأردن"، على أن يكون للنظام وجود "ما" في المعبر الذي يظل عسكرياً تحت سيطرة قوات المعارضة، وفق تعبير القيادي نفسه.
لكنّ لفصائل المعارضة التي تسيطر على المعبر، رأياً آخر، وهي تصر على عدم السماح للنظام بالوصول إلى المعبر، وعدم تحقيق هذا المطلب له من خلال المفاوضات بعدما عجز عن الحصول عليه بالقوة العسكرية. وساد اعتقاد لدى أوساط النظام في بداية الحملة العسكرية بأن الوصول إلى المعبر بات مسألة وقت ليس أكثر، ما دفع وزير حماية المستهلك لدى النظام، عبدلله الغربي، إلى القول إنه سيتم افتتاح المعبر خلال أيام.
ولتوضيح الصورة، لا بد من القول إن فصائل المعارضة في درعا لا تتبع كلها بالولاء لغرفة "الموك" الموجودة في الأردن، والتي يشرف عليها عسكريون أميركيون وأردنيون ومن دول غربية أخرى. وأهم الفصائل التي تنشط حالياً في قتال قوات النظام منضوية ضمن "غرفة عمليات البنيان المرصوص" التي تضم فصائل مختلفة، بعضها يتلقى دعماً من "الموك" وأخرى لا تتلقى أي دعم منها، علماً أن فصائل هذه الغرفة هي التي تقاتل النظام في مدينة درعا البلد، وهي التي تسيطر على معبر نصيب الحدودي. وقال الناطق باسم "غرفة عمليات البنيان المرصوص"، أبو شيماء، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الغرفة ليس لديها أي تواصل حالياً مع المفاوضات الجارية في عمان بشأن درعا، أو مع التحضيرات الجارية لاجتماع أستانة في الرابع من الشهر المقبل. وأوضح أنه كان هناك تواصل قبل هجوم قوات النظام على قاعدة الدفاع الجوي قرب درعا قبل عشرة أيام، لكن الاتصالات انقطعت بعد ذلك. وأضاف أن بعض القادة العسكريين في الجبهة الجنوبية تلقوا دعوات لحضور اجتماع أستانة المقبل، لكنهم رفضوا تلك الدعوات. وأكد أن النظام يحاول جاهداً فتح معبر بري مع الأردن، لكنه "لم ولن يستطيع"، بحسب تعبيره. وأوضح أن "غرفة عمليات البنيان المرصوص" لا تنسق مع الأردن أو غرفة "الموك"، لكن الأخيرة تدعم بعض فصائل الجبهة الجنوبية المنضوية تحت لواء "البنيان المرصوص"، من دون أن تدعم الغرفة بشكل مباشر.
من جهته، اعتبر القيادي في "الجيش الحر"، العاسمي، أن رفض حضور اجتماع أستانة من جانب بعض فصائل الجبهة الجنوبية، هو مجرد مناورة "لأن القرار في النتيجة ليس بيدهم، وأن ما يتم التوافق عليه خارج أستانة سيتم التوقيع عليه في أستانة من جانب الدول الفاعلة في المشهد السوري، سواء حضر ممثلو المعارضة والنظام أم لم يحضروا"، وفق قوله.
وكانت مصادر عدة أشارت إلى أن مفاوضات عمان، ومجمل المفاوضات المرتبطة بمسألة ترسيم حدود "مناطق خفض التصعيد" في المناطق الثلاث الأخرى المشمولة بالاتفاق، وهي إدلب والغوطة وريف حمص الشمالي، تصطدم حتى الآن بثلاث عقبات رئيسية: رسم حدود هذه المناطق، وهوية الجهات التي ستقوم بمراقبة تنفيذ الاتفاق وإدارة هذه المناطق، وتلك التي سوف تسيطر على المعابر بين هذه المناطق وتلك التي تقع خارجها.
ميدانياً، تواصل الضغط العسكري لقوات النظام السوري والطائرات الروسية على فصائل المعارضة والمدنيين في درعا، حيث ألقت مروحيات تابعة للنظام براميل متفجرة على منطقة غرز بريف درعا الشرقي، فيما سقطت عدة صواريخ من نوع "فيل" على درعا البلد. كما ألقت مروحيات عسكرية تابع للنظام ألغاماً بحرية على منطقة الجمرك القديم على الحدود مع الأردن. وكان ستة مدنيين من عائلة واحدة قد قتلوا، وأصيب 13 آخرون جراء استهداف قوات النظام لبلدة الحارة، شمال درعا، بالمدفعية الثقيلة.
من جهتها، استهدفت فصائل المعارضة مقر عمليات قوات النظام والمليشيات الموالية لها في الملعب البلدي براجمات الصواريخ والمدفعية بالتزامن مع استهداف مواقع قوات النظام على طريق دمشق ـ درعا الدولي. وفي مدينة القنيطرة المجاورة التي أعلنت فصائل المعارضة فيها قبل أيام عن معركة بغية تخفيف الضغط على درعا، شن الطيران الحربي عدة غارات على مدن وبلدات محافظة القنيطرة شملت بشكل خاص منطقتي مسحرة ونبع الصخر. وقال ناشطون إن ثلاثة مدنيين، بينهم طفلتان، قتلوا وأُصيب آخرون في القصف على بلدة مسحرة، بينما تسبب القصف على نبع الصخر في دمار ممتلكات المدنيين. وكانت فصائل المعارضة في القنيطرة شكلت أخيراً، "غرفة عمليات جيش محمد" وشنت هجوماً على مدينة البعث بالقنيطرة. ونفى المكتب الإعلامي لغرفة "جيش محمد" أن يكون للمعركة في القنيطرة أي هدف سياسي أو خارجي، سوى تحرير الأراضي التي يسيطر عليها النظام السوري والمليشيات المساندة له، إضافة لتخفيف الضغط عن فصائل المعارضة في معاركها بمدينة درعا.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن المنطقة المحاذية للأراضي السورية في الجزء المحتل من مرتفعات الجولان "منطقة عسكرية مغلقة". وعزا جيش الاحتلال، في بيان له، قراره "إلى استمرار الصراع الداخلي في الجانب السوري من الحدود، ومن أجل حماية أمن المواطنين"، موضحاً أن القرار يعني "منع المدنيين الإسرائيليين من الدخول إلى المنطقة ويسمح بالدخول للمزارعين فقط".