أيديولوجيا الهرولة في الفراغ

03 نوفمبر 2014
+ الخط -

دخل شاب عربي مسلم على المفكّر والداعية الإسلامي، أبو الأعلى المودودي، في مكة المكرّمة، وقدّم له كتاب "معالم في الطريق" لمؤلِّفه سيد قطب. قرأه المودودي في ليلة واحدة، وفي الصباح قال: كأني أنا الذي أَلَّفْتُ هذا الكتاب، وأبدى دهشته من التقارب الفكري بينه وبين سيد قطب، ثم استدرك قائلاً: لا عَجَب؛ فمصدر أفكاره وأفكاري واحد، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم!

إذا انطلقنا من مدرسة أبو الأعلى المودودي، في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، حيث أنشأ "الجماعة الإسلامية للدعوة لله وإقامة المجتمع الإسلامي"، وتابعناها في فكر سيد قطب، الذي يُعَدّ من أوائل منظّري السلفية الجهادية، ومن أكثر الشخصيات تأثيرًا في الحركات الإسلامية التي وُجِدت في بداية الخمسينيات من القرن الماضي إلى يومنا، مروراً بـ "كتائب المجاهدين" التي أسسها "الإخوان" بعد هزيمة 1967، وامتداد آثار الفكر الجهادي إلى أفغانستان بقيادة عبد الله عزام صاحب القول: "إن الذين يظنون أن دين الله يمكن أن ينتصر من دون جهاد وقتال ودماء وأشلاء، هؤلاء واهمون لا يدركون طبيعة هذا الدين". وبالوقوف على هذه الدعوة، وما تلاها من تجاذبات بين التنظيمات الجهادية، آنذاك، حول الخطوة التالية بعد هزيمة السوفييت في أفغانستان، حيث سطع نجم تنظيم القاعدة قوة جهادية منتصرة، لها استراتيجية وأيديولوجيا واضحة.

لتتعدّاها فيما بعد وتعبر الحدود، وصولاً إلى ساحة العمليات على أرض العراق، إبّان الغزو الأميركي 2003. وانتهاءً بالمسرح الدموي المفتوح على كلّ الاحتمالات في سورية، حيث وصلت مسيرة التنظيم إلى الانشقاق العَلني عن القاعدة، وظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش. ومن ثم إعلان الخلافة الإسلامية، حينها وقف المجتمع الدولي أمام السـلاح الخطير الذي يمتلكه تنظيم الدولة، أي الأيديولوجيا وتبريراتها.

فهل يُعقل أن تكون الحاكمية في الإسلام، كما تناولها العلماء الأفاضل، وما تمخّض عنها من فتاوى لتحكيم شرع الله تنمّ عن جهلٍ بالكتاب والسنّة وتخالف حقيقة هذا الدين؟ وإذا سَـلّـمنا بصحيح القراءات السابقة، ورأينا عُسـر تطبيقها في حاضر مجتمعاتنا، فضلاً عن حالة الاستهجان واستعداء العالم من حولنا، فهل تُؤخذ الدعوة إلى إعادة النظر بها على مأخذ الجد، باسم التباين الحاصل على مستوى تطور المجتمعات والتراكم المعرفي الهائل الذي يفصلنا عن القراءة الأولى، وبدعوى انفصام التراث عن الواقع الراهن، وانتهاء الصلاحية؟

كيف لنا أن نفهم الرسالة المحمدية بوصفها شرعة تخفيف ورحمة "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" في ضوء فتاوى الإكراه والتحريم؟ أو ليست رسالة ذات خطاب عالمي للناس أجمعين "وأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها".

وعليه، فقد صدق وصف الرسالة المحمدية بأنها شرعة (الرحمة العالمية الخاتمة)، لا شرعة الأغلال. حيث تتسع فيها دائرة الحاكمية (التصرف البشري)، بالقدر الذي تتسع به مدارك الإنسان ومفاهيمه، وتتغير استنباطاته بالقدر الذي تتغير به الأزمنة والأمكنة، وصولاً إلى تأصيل (منهج الهدى ودين الحق) الذي يخوّلها قيادة عجلة المدنية والحضارة، ونشر مبادىء التوحيد والعدالة والحرية والمساواة، امتثالاً وإحقاقاً لهذا التشريع العظيم. فللمخلوقات في شَـرعِ الله حقٌّ مكفولٌ في الحياة الكريمة إلى أن تستوفي رِزقها وأجَلها وإلى يومِ يُبعَثون، من دون سلطة ظلم وقهر لأحد، أو لمستغل لعباءة الدين، هنا أو هناك.

avata
avata
ضرار عثمان الحسيني (فلسطين)
ضرار عثمان الحسيني (فلسطين)