أيتام في رعاية لئام

03 أكتوبر 2018
+ الخط -
يرتفع صوت الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في تهديد لاسرائيل بصواريخه الدقيقة وغير الدقيقة، ثم يردف إن قواته ستبقى في سورية وستبقى في إدلب! بينما ترتفع سحب الدخان من احتراق مكبات النفايات العشوائية في مختلف المناطق اللبنانية، ويتلطى حزبه، حزب الله، خلف حلفائه في حفلة تعطيل تشكيل الحكومة للضغط على الرئيس المكلف تشكيلها، سعد الحريري، لتقديم مزيد من التنازلات في توزيع الحقائب الوزارية.
وتعلو أصوات زعماء الكتل النيابية، قادة الأحزاب والقوى المسيطرة من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة (في هذه الظروف الدقيقة التي يواجهها لبنان! وفي ظل الوضع الاقتصادي والمالي الدقيق، ووسط كل ما يجري في المنطقة من تطورات...)، فيما يحاول كل منهم الحصول على مزيد من الحصص الدسمة في التشكيلة الجديدة، مستظلين بالضغوط المتزايدة على الرئيس المكلف.
وبينما تتصاعد الصدامات السياسية بين قوى السلطة، الصدامات التي يراد منها رفع مستوى التحريض الطائفي والمذهبي بين أتباعها، والتي ما تلبث أن تعود للتهدئة "حرصا على مصلحة البلاد"!، تتزايد الضغوط والتهديدات على القاع الاجتماعي، اقتصاديا ومعيشيا، وخصوصا على مستوى التهديدات البيئة والصحية.
هنا يبدأ ترويج اقتراحات ضريبية جديدة مرعبة، حيث نقل عن لسان حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ربطه حل أزمة توّقف القروض السكنية بزيادة خمسة آلاف ليرة على ثمن صفيحة البنزين، واقتراح زيادة على ضريبة "التي في آي" ( الضريبة على القيمة المضافة). ويراد من هذا الترويج تهيئة المزاج العام لتقبل مثل هذه الضرائب، إن لم يكن مع التحضير لموازنة العام المالي المقبل، فربما في مراحل قريبة. وفي ظلّ أجواء التجاذب السياسي بشأن تشكيل الحكومة، يمر هذا الأمر ولا من يناقشه أو يتصدى له، فالوضع لا يسمح والانشغالات كثيرة.
ويبقى فعل "التحرّش" بحرش بيروت، وانتهاك المساحة الخضراء الوحيدة المتبقية فيها، والتي تعد بمثابة رئة بيروت التي تتنفس من خلالها. هذا التحرش الذي لم يلق من يسائل فيه أو يحاسب عليه، وهذه مسؤولية وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي. نجد أنه، بعد تجريف الأشجار والأتربة في مساحة معتبرة من الحرش، يتدخل جهاز الأمن العام، بدلا من تدخل الأمن الداخلي والنيابة العامة، لوقف ما يُعد لتلك المساحة، من دون أن نعرف من هي الجهة التي تقف وراء هذا الانتهاك، أو ما إذا كان توقيف الأعمال هناك نهائيا أم مؤقتا! ولا غرابة، فقد انتهكت المساحات العامة على الشواطئ وفي مختلف المناطق دون أن يحاسب أحد أو يستعاد أي من المساحات المنتهكة.
أما ثالثة الأثافي في الكوارث التي تحيق باللبنانيين فكان الإعلان عن تصدّر لبنان لائحة دول غرب آسيا في نسب الإصابة بمرض السرطان قياسا على عدد السكان، (242 إصابة بين كل 100000 لبناني). ورغم أنّ الارتفاع المرعب لعدد المصابين والمتوفين بهذا المرض بات ملموساً جدا لدى اللبنانيين، إلا أن الإحصاءات الصادرة عن جهات متخصّصة تدفع إلى الذعر. فقد أفاد تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، أن عدد الإصابات بمرض السرطان بين اللبنانيين في الأشهر المنصرمة من العام 2018 (أي في مدة لا تتجاوز التسعة أشهر) بلغت 17000 حالة، في حين أنّ عدد الوفيات بهذا المرض خلال المدة نفسها بلغ تسعة آلاف! ويرد المختصون هذه الزيادة المرعبة، والتي قدّرها وزير الصحة، غسان حاصباني، بـ 5.5% سنويا بين عامي 2005 و2016 إلى ارتفاع نسب التلوث في الماء والهواء نتيجة أزمة النفايات وعمليات الإحراق اليومية لها في مختلف المناطق اللبنانية، وما تطلقه في الهواء من سموم، إضافة إلى تلوث الغذاء من خضار ولحوم نتيجة لنفس الأسباب حيث تروى جميعها بمياه اصابها التلوث.
إننا نقف أمام مجزرة حقيقية، حيث يصل عدد الضحايا إلى قرابة الألف كل شهر، وهذا لم يحدث في حروبٍ كثيرة!
أمام ذلك كله، يقف اللبنانيون أيتاما من دون أن يهتم لأمرهم مسؤول أو زعيم من الذين أثقلوا أسماع الناس، وصدعوا رؤوسهم بخطاباتهم الرنانة عن الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة، وعن الشرف والكرامة والدفاع عن مصالح هذه الطائفة أو تلك.
0D763D6C-2C1E-437C-ABF7-2556ECA33B30
0D763D6C-2C1E-437C-ABF7-2556ECA33B30
أحمد عثمان (لبنان)
أحمد عثمان (لبنان)