تمرّ محافظة ديالى العراقية بأسوأ أيامها في الفترة الأخيرة، بعد تفشّي العنف فيها في الأسبوع الأخير. ووفقاً للسلطات الصحية في المحافظة، فقد بلغت حصيلة العنف جرّاء الاعتداءات الدامية للمليشيات حتى أمس السبت، 169 قتيلاً وعشرات الجرحى والمفقودين، فضلاً عن إحراق وتفجير عشرات المنازل والمحال التجارية ودور العبادة.
ولم تفلح تحركات رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، السياسية والأمنية ومناشدات المرجعية الدينية في النجف وكربلاء، في إيقاف سلسلة الهجمات التي تنفّذها المليشيات. وتطوّر العنف ليشمل قصف قذائف الهاون على القرى والبلدات الصغيرة، المحاذية لنهر ديالى، أو للحدود مع إيران، وسط هجرة جماعية للعائلات، أسفرت عن فرار نحو 4 آلاف أسرة إلى إقليم كردستان والعاصمة بغداد، كما فرّ قسم قليل إلى مناطق داخلية في المحافظة المضطربة.
كما يكشف بعض السكان من ديالى، أن "مغادرة المنازل ممنوعة، وفتح المحال والأسواق ومزاولة الأعمال ممنوعة أيضاً. المليشيات تمنع أي مزاولة للحياة الطبيعية، ليس في المقدادية فقط بل في أقضية أخرى من المحافظة". ومن القصص المأساوية في ديالى، حكاية الحاج حسين، الرجل الستيني الذي سقط برصاصة في رأسه على يد المليشيات، أثناء توزيع بضائع متجره على السكان، في منطقة المقدادية، التابعة لديالى.
في هذا الصدد، يشير أحد أبناء ديالى، محمد العزاوي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحاج حسين أبلغ جيرانه بالحضور إلى محله ليأخذ كل واحد منهم نصيباً ممّا عنده، فلا الأسواق ولا المحلات تستطيع مخالفة قوانين المليشيات وتبيع للناس، لكن دورية للمليشيات حضرت فجأة وشاهد عناصرها الحاج حسين، فعالجوه بطلقاتٍ نارية قضت عليه فوراً". لم يكن الحاج حسين الضحية الوحيدة بين أصحاب المحال، كذلك سقط رجل يدعى قاسم برصاص المليشيات أمام محله.
ويشير فراس عليان، صديق قاسم، إلى أن "قاسم طلب منه مراقبة الشارع، ليؤمّن له الطريق، خوفاً من قدوم عناصر المليشيات، التي تستمر بالتجوال داخل الأحياء السكنية، مستقلّين سيارات خاصة، لمنع الناس من الخروج".
ويضيف عليان، لـ"العربي الجديد"، أن "الشارع كان خالياً، وفي حال قدوم سيارة سأعرف ذلك بالتأكيد قبل وصولها، لأننا نستطيع سماع صوت السيارة من مسافة بعيدة، ذلك لأن الشوارع خالية حتى في النهار، ما يُفسح لنا المجال بالاختباء والنجاة".
اقرأ أيضاً: حيدر العبادي المحاصَر... "داعش" ومليشيات وعشائر وإفلاس وفساد
ويكشف أنه "لسوء الحظ جاء خمسة من عناصر المليشيات في دورية راجلة، يسيرون بهدوء. كنت مختبئاً حينها خلف كومة من الأنقاض، أراقب الطريق لقاسم، ولم أستطع تحذيره لأني فوجئت بهم. وحين شاهدوه داخل محله يُخرج الأغراض، دخلوا وسحبوه إلى خارج المحل، وأردوه قتيلاً بعدد من الرصاصات".
أما عيسى عبد الرحيم، فيكشف لـ"العربي الجديد"، عن "اتصالات مستمرة بينه وبين ابنته التي تسكن في المقدادية". ويضيف عبد الرحيم الذي لم يكف عن الاتصال بوسائل الإعلام والجهات الأمنية ومسؤولين في الحكومة وشخصيات برلمانية، أنه كان يشرح للمسؤولين ما يجري، لكنه لم يسمع منهم سوى عبارات مشابهة مثل "لا تقلق القضية بسيطة"، و"الأمر سهل إن شاء الله"، و"نتابع الموضوع وسنتصرف"، و"أبلغنا الجهات الحكومية العليا".
كما نقل المحاصرون في بعقوبة وأقضيتها الكثير من القصص والأحداث، لـ"العربي الجديد"، ويؤكدون أن "المليشيات، وعبر مكبّرات الصوت، يسمعونهم أقذع الألفاظ والشتائم. كما يُداهم عناصر المليشيات البيوت، بعد أن حرص الرجال والشباب على عدم الخروج خشية القتل"، وفقاً لما يقول سالم هادي لـ"العربي الجديد". ويُضيف هادي أنه "سمع من وراء باب منزله أحد عناصر المليشيات يُكلّم رفاقه، وهم يسيرون في الشارع عن عدد من قتلهم".
ويفيد الأهالي المحاصرون أنه "أصبحنا أسرى بيد المليشيات وننتظر دورنا بالقتل"، حتى أنهم يبدون اعتقادهم بأن "التفجير الذي استهدف المقهى مساء الاثنين الماضي، كان بفعل المليشيات، لا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). والدليل أنه لم تكد تمرّ ساعة من الوقت بعد التفجير، حتى بادرت المليشيات إلى تفجير المساجد، وهذا يعني أنهم خططوا لهذا الفعل".
اقرأ أيضاً: مسؤولون عراقيون: ديالى تتعرض لإبادة جماعيّة ونسعى لتدويل قضيّتها