أيام العمل

01 يونيو 2019
(الشاعر)
+ الخط -

أبي يقول لي:
استغرق الأمر مني أربعين سنة لتحصيل ما تتقاضاه أنت الآن
أنا أفكّر في العام 2008 وفي الأخبار وعناوين الصحف
في ابن عمي ألبيرتو وهو منهكٌ من وضع قطع الزلّيج
كان يعمل دون توقفٍ في تغطية مئة طابق في اليوم بالزلّيج
أبي كان يقول: هذا غير معقول
استغرق الأمر مني أربعين سنة لتحصيل ما يتقاضاه هو الآن
لم ينتظر يوماً شيئاً من أبنائه (أبي)
منحنا نفاد الصبر والكلمات ومنزلاً واسعاً
في المدرسة كان الأطفال ينادون علينا بالكسالى
لأننا لم نلطّخ أيدينا أبداً بالإسمنت
أنظر اليوم إلى يدي التي لا تزال نظيفة وأنا في طريقي إلى العمل
أبي يكرّر: هذا غير معقول
استغرق الأمر مني أربعين سنة لتحصيل ما تتقاضاه أنت الآن
مع الفأل السيئ أفتح الكمبيوتر وأدخل إلى النظام
أتأسف على الساعات الثماني التي تبقت لي وأفكّر
في أن انفجار الفقاعة العقارية كان بمثابة فرج
لأولئك الذين كانوا يضعون قطع الزلّيج دون توقّفٍ


■ ■ ■


في هذا الصيف وأسبوع عطلته
الذي أعود فيه إلى أصلي وأصلنا
بحثت عنك على الإنترنت من المكان المشترك
حيث تعلّمنا معاً اسم الأشياء
حيث أنت يا ريكاردو واصلت تسميتها
أنت الذي تحتفظ بالأدوات الزراعية وبكيفية استخدامها
أنت الذي اشتريت سيارة مرسيدس، أنت الذي ارتبطت
ولا تحدّد في الشبكة الاجتماعية ماذا تعمل
أستنجد بك من ذاكرة هاتفي الذكي وأسألك
- بعد عشرين سنة - إن كان يستهويك ما تفعله
أتذكر أننا تعلمنا المهن معاً
في البداية مهنة لاعب كرة قدم وبعد ذلك مهنة مزارع مثل أبيك
كم هو إذاً امتداد الأرض التي تزرعها؟
هل أشجار الزيتون عديدة كما الشكوك التي تسكنني يا ريكاردو؟
لجأت إليك كما في ظهيرة طويلة من شهر أغسطس
حتى تلعب معي ولأسألك مرة أخرى
الأشجار على الطريق متى تنمو بذورها؟
أو كيف يمكن الوصول إلى كل الأماكن؟
أنت الذي كنت تسمّيهم كسالى أولئك الذين يعملون جالسين
أنت الذي تظهر هنا في الصورة بجانب خزّان مياه
مع امرأة ذات وركين واسعين وأخيراً سيارة خاصة
أنت الذي تنمو بقوة مثل ألم الوقت الذي يعبُرنا
ولديك الآن لحية وتجاعيد في العينين وذراعان
واسعان مثل هذا الوادي وجلد متصلبٌ في اليدين
أنت الذي سلكت الطريق ولم تتوقف يا ريكاردو
إلى أن تأمّلت كل شيء من أعلى القمة
لقد جئت لأسألك أنت مرة أخرى
في هذا الصيف البعيد جداً، في هذه الظهيرة القصيرة جداً، في هذا الشارع ذاته
حيث علمتني أن ألمس النساء
وشجعتني على رمي القطط بالحجارة
وكان يبدو أن الحياة لن تأتي أبداً
إليك يا ريكاردو الشاب الناجح الوحيد الذي أعرفه
جئت لأسألك كيف سنتحمّل
الأربعين سنة من العمل التي تبقت لنا
إلى أن نصل إلى سن التقاعد


■ ■ ■


أحاول بناء منزلٍ يمكن أن يسع جدتي
أحافظ فيه على النظام وفق تعليماتها
أطبخ كل شيء بزيت الزيتون
ولا أثق بأصحاب المال
أتصوّرها جالسة إلى هذه الطاولة
حيث لا أحد يفهمنا
تتأسف عند النظر من النافذة
على المطر المميت لمحصول غير موجود
وضعت صورة عذرائها على مكتبي
وطلبت من شركة تكنولوجيات عملاقة
أن تأذن لي بتأدية صلاة التبشير كل صباح

في هذا الزمن بلا ذاكرة أتصوّر جلسة روحانيات معها:
خلفها الأراضي التي زرعتها لنا
وأمامي المدينة التي لم يبنها أحد
جالسة على كرسيها تلاحظ جدتي
كيف ينفجر الكأس الزجاجي بين يدي


■ ■ ■


إذا عانت والدتي الأرملة من أزمة قلبية في منتصف الليل
سيكون الوقت ليلاً لواحد فقط من أبنائها الثلاثة
إذا قرّرنا نحن الثلاثة أنها لم تعد قادرة على العيش بمفردها
سيكون علينا تقييم بلداننا الجديدة
(الرعاية الصحية والوضع السياسي والمناخ)
وأول مرة ستحلّق فيها أمي
سيكون للوصول إلى المكان الذي ستموت فيه
على بعد آلاف الكيلومترات من منزل القرية
المنزل الذي ولدت فيه وأنجبت فيه
والذي (دون مستأجرين في الصيف)
سيسقط بسبب الهجر
أيضا ستختفي الاحتفالات الدينية السنوية:
حين بالكاد ستعيش العائلة في التوقيت الزمني نفسه
من سيتذكر العذارى
اللواتي يسهرن من أجل صحة الأمهات الوحيدات


■ ■ ■


جدتي كانت تقول:
حصلت على أول زوج حذاء وعمري خمسة عشر عاماً
لأنني في الصيف الذي كان والدي مسجوناً فيه
اعتنيت بمفردي بالماعز

أراجع حينها هذا الشعر
الذي لا يحمل علامات ترقيم أو حروفاً كبيرة
ولا مفاهيم مثل الشركة أو الميل أو كشف الراتب
وأراجع كل الأسماء الأجنبية التي تسكنه
وأتساءل لماذا أكتب؟
أنا الذي وصلتُ إلى مائدة ممدودة ووجدتُ
الطبق بارداً فقط بسبب التأخّر


■ ■ ■


أن تتعلم لغة
يعني
أن تمهّد الأرض للإقلاع

جاهلين بالمستقبل نقدّم أطفالنا
لمدرس لغة إنكليزية يومَين في الأسبوع

في عمر ست سنوات يكوّنون بالفعل لساناً
حيث لا مكان للآباء:
مجاملة لا مبالية
الحقيبة ماذا نخبئ داخلها؟
أغاني الحب أو كيف
سينادون "baby" على الرجال في السرير.


* Carlos Catena Cózar شاعر إسباني من الجيل الجديد، من مواليد عام 1995 في مدينة جيّان الأندلسية. حصل على شهادة بكالوريوس في الترجمة التحريرية والشفوية من جامعات غرناطة ومونستر وأوتاوا. نُشرت قصائد له في عدة مجلات وأنطلوجيات، وتَرجم عن الألمانية أنطولوجيا الشعر الألماني الحديث. القصائد مأخوذة من ديوانه "أيام العمل" (الصورة) الذي نُشر العام الجاري، وبه حصل على جائزة "هيبيريون" الشعرية.

** ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي