أيامنا هذه

10 مايو 2020
(من التراث المعماري الإسلامي في دلهي الهندية/Getty)
+ الخط -

لطالما كنتُ ضدّ فكرة الحكومة الشمولية المستبدّة، ويبدو هذا واضحاً في أعمالي على مرّ السنين. استوحيتُ قصيدةَ "تاناشاهي" (2014) من أسلوب رئيس وزرائنا المدعو ناريندرا مودي في إلقاء الخطب، كما استفدتُ من ملابسه في كتابة قصيدة أخرى (حكاية شعبية). تتحدّث القصيدة عن ملك بلاد خيالية معروفٍ بأنه يفضّل القيام بكلّ شيء بدقّة وعلى أكمل وجه، ويكره الغبار والأوساخ كرهاً جمّاً. يهتم هذا الملك بملابسه ويغيّرها مرّة أو مرّتين أو ثلاث مرّات في اليوم، لأنه يشعر بأنها قد اتّسخت. وعندما ينتهي حكمه تدخل ملابسه التاريخ، ويُعرَف عصره بعصر الملابس القذرة.

عايشتُ كصحافيّ حالة الطوارئ عن كثب، وعندما أنظر إلى تلك الأيام أدرك كم كانت فترةً حالكة للغاية، فعندما تكتب أيَّ شيء ضد الدولة سوف تُعاقب أو ربما تدخل السجن. تتميّز تلك الفترة عن أيامنا هذه بانعدام اليقين، فلا تعرف إن كنتَ ستُسجَن أم سيطلِقُ أحدهم عليك النار أم ببساطة ستوصَم بأنك عدوّ الشعب؟ ولم يتمكّن أحد أن يكتب حتى عن محاولات الشيطنة هذه. هدّد مؤيّدو مودي الكاتب والمثقّف البارز أور أنانتامورثي، بإرساله إلى باكستان عندما انتقد رئيس الوزراء.

في مناظرة تلفزيونية لي بعد أن رفضتُ جائزتي، أخبرني بعض أعضاء "المنظّمة القومية الهندوسية" (راشتريا سوايام سيفاك)، خارج الاستوديو، أنّ الحملات الصحافية المناهضة التي تلقّاها حزب "بهاراتيا جاناتا" (حزب الشعب الهندي) بسبب أمثالي قد أدّت إلى خسارته انتخابات ولاية بهار. قلت لهم حينها إنهم يبالغون في تقدير قوّتنا وتأثيرنا، ولكنني لن أخفي سعادتي على الإطلاق إن كان ما قالوه صحيحاً.

نشهدُ اليوم مجدّداً، في عصر النزعة القومية الشرسة، ظهور الهتاف المتطرّف "هندي هندوسي هندوستان". كما تُستخدم أسماء مثل اسم الكاتب القومي براتاب نارين ميشرا (1856 - 1894) لتعزيز هذه القضية والترويج لها.

وضع ميشرا هذا الشعار "هندي، هندوسي، هندوستان" لحركة "بهاراتيا هندو ماندال" Bhartiya Hindu Mandal، ولكن هذا كان في سياق تاريخي مختلف. أرادت تلك الحركة تحقيق نهضة في منطقة الحزام الهندي لمواجهة اللغة الأردية. سادت علاقة معقّدة تمتزج فيها الكراهية بالحب بينها وبين البريطانيّين في تلك الأيام، ولكنّها لم تتحوّل رسمياً إلى حركة فعّالة. ما نراه الآن مع ظهور القوى الطائفية والقومية المتطرّفة هو محاولة لفرض الثقافة الهندوسية. لا يمثّل كلُّ هذا سوى جرس إنذار لا بدّ من سماعه ولا يمكننا أن نصمّ آذاننا عنه. وليس لدينا أمل لمواجهة هذه الحركات سوى بحركات أقليات الداليت والأديفاسي والحركات النسوية.


* Manglesh Dabral أحد أبرز شعراء الهند اليوم، من مواليد عام 1948 ويكتب باللغة الهندية

** ترجمة عماد الأحمد

المساهمون