أياكس أمستردام.. كيف تحول حاصد البطولات إلى صانع للنجوم؟

01 مارس 2015
+ الخط -

كرة القدم في السنوات الأخيرة أصبحت كالغابة، واليد العليا فيها لمن يدفع أكثر. توارت التقاليد المتوارثة، وحلت بدلاً منها الأوراق المالية، وصار تقييم الأندية مختلفاً ومعقداً. في الماضي كان المعيار خاصاً فقط بمعرفة النادي الفائز بأكبر عدد من بطولات، لكن الآن تغيرت النظرة ودخلت ميزانيات عوائد البث والدعاية على الخط، ليختلط مسار الألقاب الكروية بالأرقام الاقتصادية البحتة. ونتج عن ذلك، اهتمام مبالغ من قبل إدارات الأندية في الجانب الآخر من اللعبة، حيث العملة هي صاحبة اليد العليا.


الحاضر مختلف
في تقرير اقتصادي عن أياكس من إعداد "بلومبرج"، أكد الخبراء المختصون بأن النادي الهولندي حقق صافي ربح وصل إلى 16.8 مليون يورو في نهاية السنة المالية لعام 2014، ووصل إجمالي الإيرادات إلى 103.8 ملايين يورو، وأكد المسؤولون الهولنديون أن الأرباح نقصت نحو مليون ونصف بسبب ارتفاع نسبة المبيعات قليلاً خلال العام الفائت، وهذا الرقم يعتبر مقبولاً للغاية بالنسبة إلى تطلعات المدراء في أمستردام.

أمثلة من الدوريات الأخرى، حقق نادي ريال سوسيداد الإسباني هامش ربح في سنة 2013-2014 بلغ 24.4 مليون يورو.

وبلغ إجمالي الإيرادات 98.8 مليون يورو. بينما نادي ويستهام الانجليزي حقق ربحاً يصل إلى أكثر من عشرة ملايين جنيه إسترليني، مع إيرادات بلغت 114 مليون جنيه.

أرقام أياكس مناسبة جداً لنادٍ متوسط في واحد من الدوريات العملاقة كالإنجليزي أو الإسباني مثلاً، لكنها أقل كثيراً من نظيرتها في الأندية العملاقة التي تنافس في بطولات أوروبا كريال مدريد، برشلونة، بايرن، تشيلسي، والبقية، خصوصاً على صعيد الإيرادات والأصول والمبيعات، وهذا أمر طبيعي لضعف عوائد البث في هولندا، وقلة الجانب الترويجي للبطولة المحلية هناك، لذلك تأتي عقود الرعاية والترويج أقل من المطلوب في إنجلترا وإسبانيا ومختلف الأندية الأخرى.


الكنز الثمين
بسبب هذه القيود الاقتصادية، ومن أجل المحافظة على هامش الربح كل عام، يستخدم مسؤولو أياكس سياسات أخرى من أجل المنافسة، وضمان وجود اسمهم داخل نطاق الخريطة الأوروبية، يأتي على رأسها الاهتمام بقطاع الناشئين وتربية جيل كروي قادر على المنافسة في أضيق الظروف المتاحة، والهدف النهائي هو الحصول على الدوري المحلي ومحاولة الوصول إلى نقطة بعيدة في دوري الأبطال أو الدوري الأوروبي.

درب أياكس أمستردام 77 لاعباً يشاركون الآن في نحو 31 بطولة دوري في أوروبا، وهذه الأرقام تعكس مدى عظمة مدرسة الكرة في أياكس، والاهتمام الشديد بصناعة لاعب كرة ناجح يستطيع التكيّف والنجاح في مختلف ملاعب القارة العجوز. لذلك يُبدع المدربون في هولندا من أجل اكتشاف الموهبة الصغيرة، ومحاولة صقلها واستغلالها، وأكبر دليل على ذلك هو الصاعد الواعد دافي كلاسين، نجم فريق أياكس الحالي.

يقول يوهان كرويف عن لاعب الوسط، إنه النجم الذي يساهم في إخراج الكرة بأناقة وسرعة من المنتصف إلى الهجوم، ورصد ثلاثة أمثلة لذلك، أولها تشافي هيرنانديز، وثانيها توني كروس، وثالثها دافي كلاسين لاعب أياكس. وأكد الأسطورة رقم 14 بأن كلاسين يملك كل المقومات للنجاح، خصوصاً أنه صاحب لمسة مميزة، ويجيد اللعب في كافة مراكز الوسط، مع القدرة على تسجيل الأهداف وصناعتها في آنٍ واحد.

كلاسين لاعب وسط صريح، ويجيد أيضاً التمركز كوسط هجومي متقدم، مع إمكانية اللعب كمهاجم متأخر خلف الهداف الرئيسي، لكنه لا يكتفي أبداً بالشق الهجومي، بل يعود كثيراً للخلف، ليكون بمثابة حائط الصد الأول لفريقه الذي يعتمد كثيراً على الضغط العالي من منتصف ملعب المنافس، لذلك رغم سنه الصغير إلا أنه النجم الأول واللاعب الأهم لحامل لقب الدوري الهولندي، ومن المنتظر بزوغ نجمه أكثر مع الطواحين خلال السنوات المقبلة.


الحل السحري
توني بروينز سلوت، الهولندي الذي عمل في مجال التدريب من بداية السبعينيات حتى اليوم، مع أندية أياكس، برشلونة، بنفيكا، فالنسيا، ايندهوفن، الكمار، والآن هو رئيس السكاوت "مراقبة وتقييم اللاعبين الجدد" في نادي أياكس أمستردام. يقول سلوت عن عمله التقني، "إنه خاص بمراقبة مختلف المواهب والأسماء الشابة في مختلف أندية وملاعب أوروبا، نحن لدينا فريق كامل من الكشافين والوكلاء في كل مكان، ونحاول دائماً الحصول على الأسماء المميزة التي لا تكلفنا أموالاً باهظة، لذلك يجب خطفهم قبل وصولهم إلى سلّم النجومية".

مثال على ذلك هو اللاعب ذو الأصول العربية أنور الغازي، جناح أياكس، بدأ ممارسة اللعبة في روتردام بعد مسيرة في نادي باريندريشت، ومن فينورد إلى سبارتا، ثم انتقال إلى زعيم أمستردام في صيف 2013، وهذا الأمر حدث بسبب مراقبة كشافي أياكس للأسماء الصغيرة في هولندا وأوروبا، والحصول على خدماتهم سريعاً قبل الذهاب إلى الفرق التي تدفع كثيراً.

الغازي لاعب مهاري، من عشاق المراوغات والمناورات المستمرة، يعتبر ساعداً هجومياً أقرب إلى الجناح الحر على الخط الجانبي، ذلك بسبب قدرته على هزيمة الأظهرة والقطع المستمر من الطرف إلى عمق الملعب، وأرقامه بالبطولة المحلية تدلّ على نضوج فني كبير، حيث إنه سجل سبعة أهداف وصنع ستة في 21 مشاركة بالدوري، ويعتمد عليه المدرب فرانك دي بوير في معظم المباريات الكبيرة.

يستطيع اللاعب المغربي الأصل التألّق في الجناحين، لكنه يميل أكثر إلى الجانب الأيمن من أجل التألق كجناح مقلوب، مستفيداً من قدرته على التلاعب بالكرة والحفاظ عليها في أضيق الفراغات، لذلك يعتبر حلًا قاتلاً للبطل في الدقائق المصيرية.


الحلول الذكية
حينما لا تقدر على شراء أكثر اللاعبين تميّزاً بأسعار فلكية، فالأفضل دائماً هو الاتجاه نحو خيار الإعارة مع أحقية الشراء، كما فعل أتليتكو مدريد في السنوات الأخيرة، من خلال عقد صفقات جيدة بأقل قيمة ممكنة، لمحاولة المنافسة حتى النهاية وعدم التعرض لأي مشاكل مالية عارضة. وأياكس يقوم بنفس الدور، لكن ليس من أجل تجنب كوارث اقتصادية، بل للحفاظ على مكان ثابت بين الكبار بأقل التكاليف الممكنة.

أركاديوز ميليك نموذج حقيقي على نجاح سياسات أياكس، ميليك مهاجم منتخب بولندا والوريث الشرعي للنجم ليفاندوفيسكي في تشكيلة منتخب بلاده. بدأ ميليك مسيرة التألق مع فريق باير ليفركوزن، لكنه لم يجد مكانا أساسيا في التشكيلة، فانتقل إلى أوجسبورج على سبيل الإعارة، ولم ينجح أيضا بالشكل الكافي، لذلك التقطته أعين أياكس سريعاً، وتعاقدوا معه على سبيل الإعارة مع أحقية الشراء، لينفجر نجم الهداف الصغير خلال الموسم الحالي في الدوري الهولندي.

على خطى ميدو، زلاتان، سواريز، يسير النجم الشاب نحو النجاح داخل قلعة أمستردام أرينا، ويمتاز الشاب بالقوة البدنية الخارقة الممزوجة بمهارات واضحة في الاستلام والتسليم، مع الاختراق الطولي خلال الثلث الهجومي الأخير، وكل هذه المقومات تساعده على تسجيل الأهداف عن طريق استغلال الفرص التي تصل له، مع قدرته على صناعة الفرص لنفسه، بالتالي الهداف البولندي أقرب لنسخة المهاجم المتكامل.

يمتاز ميليك بالقدرة على أداء الكرات الهوائية، مع قدم يسرى ساحرة تجيد الحسم في أصعب الدقائق، مع ذكاء حاد في التمركز من دون الكرة، لذلك يستطيع اللاعب الشاب شغل مركز المهاجم الصريح والمهاجم المتأخر، لأنه قادر على اللعب كنصف مهاجم ونصف صانع لعب، فيم ا يعرف تكتيكياً بالـ Nine And Half أو اللاعب التسعة ونصف، وخلال السنوات المقبلة سيصل إلى مكانة مرموقة شريطة التطور أكثر والاستمرار في أمستردام.

المساهمون