تحوّل أخيراً موضوع أقلية الأويغور التركية في الصين شأناً داخلياً تركياً، بعد التظاهرات التي اندلعت في كل من أنقرة وإسطنبول ضد قرارات الحكومة الصينية الأخيرة التي منعت الموظفين الحكوميين والتلاميذ الأويغور من الصيام في شهر رمضان المنصرم. وبذلك، أضافت بكين حلقة أخرى إلى سلسلة انتهاكات حقوق الإنسان بحق أقلية الأويغور المسلمة.
في عام 1944، ضمّت الحكومة الصينية إقليم تركستان الشرقية (كما يطلق عليه أبناؤه)، لتطلق عليه في وقت لاحق اسم إقليم سينجان، أي الأرض الجديدة في اللغة الصينية، وتبدأ بعدها سياسات استيعاب الصينيين وتوطينهم في الإقليم. هكذا، ارتفع تعداد الصينيين في الإقليم من 300 ألف شخص في عام 1953 ليصل إلى ستة ملايين في عام 1990.
وبالرغم من إعفاء الأقليات العرقية في الصين من سياسة إنجاب طفل واحد، إلا أنه وبحسب تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" لعام 2013، تطبّق وسائل منع الحمل قسراً على النساء هناك، وتحديداً في إقليم تبت وإقليم شرق تركستان، في حين تضطر بعض العائلات إلى إخفاء أطفالها عن الحكومة وتربّيهم في المنازل. وقد أشار التقرير إلى أن الحكومة ما زالت تفرض مزيداً من القيود على الممارسات الدينية والذهاب إلى المساجد والكنائس والمعابد.
يوضح رئيس قسم منطقة آسيا والمحيط الهندي في مركز الدراسات الاستراتيجية، الدكتور سلجوق جولاك أوغلوبان، أن السياسات الصينية بقيت معتدلة تجاه الأويغور حتى عام 1990.
وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي وظهور جمهوريات وسط آسيا التركية، أصبحت أقلية الأويغور فجأة مجموعة إثنية تشكل خطراً على وحدة الأراضي الصينية. وراحت بكين تغيّر سياساتها، فحوّلت لغة التعليم إلى الصينية، ولم يبقَ من الأويغورية غير حصص تعليم اللغة فقط. كذلك مُنِح الصينيون جميع فرص العمل في الاستثمارات المفتوحة في الإقليم لتشجيعهم على الاستيطان هناك، وقيّدت حركة رجال أعمال الأويغور.
وبسبب التضييقات والملاحقات الأمنية بحق الأويغور المتدينين والرافضين لسياسات الاستيعاب التي تطبّقها بكين، فرّ كثيرون إلى خارج البلاد، بحثاً عن الحرية. وقد تمكّنت "العربي الجديد" من الاتصال بعدد من الذين قصدوا مدينة كايسري التركية في العام الماضي.
مصطفى (50 عاماً)، أمضى في السجن 17 عاماً بتهمة الانتماء إلى منظمة انفصالية، ونتيجة التضييقات التي عانى منها بعد خروجه من السجن، قرّر الهجرة سراً. يخبر: "تعرّضت في السجون الصينية لشتى أنواع التعذيب، حتى أنهم كانوا يقومون بتشغيل المساجين في الحقول وأعمال البناء". ويضيف: "وكان يمنع على المساجين إقامة الصلاة أو الصيام، تحت طائلة منعهم من رؤية عائلاتهم عاماً كاملاً". ويتابع: "عندما خرجت من السجن في عام 2010، لم أعرف ابنتي. وعندما حاولتُ أن أعيد ترتيب حياتي من جديد، راحت الاستخبارات الصينية تضغط عليّ لأصبح عميلاً لها".
ويتحدّث عن رحلة الهرب الصعبة والشاقة. بعد عبوره الحدود الصينية، توجّه إلى فيتنام ومن ثم إلى كمبوديا وتايلاند. وبعد أكثر من ثلاثة أشهر، تمكّن من الوصول إلى ماليزيا. وبينما كان يحاول ركوب الطائرة إلى أنقرة، أوقف بتهمة حيازة جواز سفر مزوّر. بقي في السجن أربعة أشهر، لكنه تمكن في وقت لاحق من الوصول إلى كايسري بمساعدة السفارة التركية.
اقرأ أيضاً: تركيا:أبوابنا مفتوحة لاستقبال أويغوريين من تايلاند
أما دويغو (18 عاماً) فتخبر أنه بعد مغادرة والدها، بدأت الشرطة تضايقهم لأنهم كانوا يرفضون التصريح عن مكانه. غيّروا أكثر من أربعة منازل قبل أن يقرروا أخيراً اللحاق به. بدأت رحلة هجرتهم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 لتنتهي في سبتمبر/ أيلول 2014 بوصولهم إلى تركيا. في خلال تلك الرحلة، توفي أصغر الأولاد البالغ من العمر ثلاثة أشهر. وتشير دويغو إلى أنها لو بقيت في الصين، "لما كنت تمكنت من الالتحاق بالجامعة لأنني محجبة".
من جهته، يروي أحمد (40 عاماً) وهو أستاذ جامعي وأب لثلاثة أطفال، أنه قضى في السجن ثلاث سنوات لأنه كان يصلي ويدعو أصدقاءه للصلاة. ويقول إن "حياتي تحوّلت سجناً كبيراً بعد إخلاء سبيلي، بسبب لقب معتقل سياسي. لم أستطع العودة إلى الجامعة، ولم أستطع حتى العمل بالتجارة. ورحت أبحث عن مخرج، فهربت مع واحد من أبنائي البالغ من العمر 10 سنوات. عبرنا الحدود الصينية مع دولة لاوس سيراً على الأقدام ومنها إلى تايلاند. هناك بقيت شهراً ونصف الشهر في منزل وضعنا فيه المهربون".
وبعدما ضغط عليه أحد المهرّبين، اضطر إلى ترك ابنه مع إحدى العائلات الأويغورية. ويخبر أنه "بعد وصولي إلى ماليزيا بأربعة أشهر ونصف الشهر، التقيت بابني الذي ضربه المهربون كثيراً لعدم قدرته على المشي. لم أستطع تمالك نفسي حينها، وبكيت كثيراً. كان جسده مليئاً بالجروح وكان يعاني من حكة شديدة. لم أستطع إلباسه ثيابه لأيام، وانتقلت العدوى إليّ". بقي أحمد في ماليزيا عاماً كاملاً محتجزاً في المنزل. وبعدما فقد الأمل من المهرّبين، توجّه إلى السفارة التركية. تدمع عيناه وهو يتذكّر أولاده وزوجته في تركستان الشرقية، ويتمنى أن تكون "عائلتي معي في العيد المقبل. ما من كلمات تعبّر عن إحساس الغربة والقهر الذي أعيشه".
سحر (33 عاماً) أمّ لأربعة أولاد. اضطرت إلى الهرب، "إذ كنت أعيش في خوف دائم من أن تنتزع السلطات الصينية أولادي مني، خصوصاً وأن زوجي كان متأهلاً بامرأة قبلي ولديه ولدان". يُذكر أن القانون الصيني يسمح لأبناء الأقليات في المدن بإنجاب طفلين، أما في القرى فثلاثة. وكانت حال عائلة سحر قد بدأت تسوء عندما كبر الأولاد وباتوا بحاجة إلى تعليم. حتى أنها كانت تخاف اصطحابهم إلى الطبيب عندما يمرضون. وقرّرت وزوجها الهرب. بعد رحلة شاقة استمرت أكثر من شهر، استطاعوا الوصول إلى ماليزيا. هناك ألقي القبض على الزوج وأعيد إلى الصين. وفي وقت لاحق، ألقي القبض على سحر والأولاد. وتخبر أنها خلال التحقيق، "أنكرتُ أنني من الصين وقلت إنني من تركمانستان". وهكذا نفدت.
اقرأ أيضاً: إفطارات جماعيّة في تركيا