تُؤدّي كلمة "ما بعد الحداثة" إلى سوء فهم لدى بعض الإيرانيّين من ناحيتَين: الأولى أن قصص ما بعد الحداثة هي القصص الغريبة التي يجب أن تكون لها لغة غير طبيعية؛ وفاقدة المضمونَ وبدون بنية قصصية وبدون شخصية. أما الثانية، فهي أن العديد من النقاد يعتقدون أن القضايا المطروحة في قصص ما بعد الحداثة تنحصر في "وقتنا الحاضر"، ولذلك يأخذون نقطة معينة في التاريخ يرون أن القصص المكتوبة قبلها ليست ما بعد حداثوية ووحده ما كُتب بعدها هو ما بعد حداثوي.
لكن قصص ما بعد الحداثة القصيرة في إيران ليست غريبة ولا تنحصر في حقبة معينة. على أقل تقدير، يمكن القول إن هذه المفاهيم الخاطئة لا توجد كثيراً عند الكتّاب الشباب في إيران.
بعض النقاد الجديّين لما بعد الحداثة في إيران يزعمون أن ما بعد الحداثة ثارت ضد العقلية الحديثة وأصبح الإيرانيون يحبّون ما بعد الحداثة بسبب خلفيتهم العميقة ضد العقل وأخذوا يكتبون ضد العقلانية الحديثة.
لكن دعونا لا ننسى أن الكاتب ما بعد الحداثوي اليوم هو ضد العقلانية الحديثة وليس معادياً للعقل. هناك فرق بين العقلية الحديثة التي تم رفضها في العديد من المواقف الأخلاقية وحقوق الإنسان ومناهضة الحرب والعقل بمعناه الحقيقي؛ وتجاهلُ هذه النقطة قد يؤدي إلى أخطاء؛ وبعبارة أخرى فإنَّ الكاتب ما بعد الحداثوي الإيراني هو مناهض للعقلية الحديثة وليس ضد العقل. إنه ضد العقلية الجماعية والعقلية السياسية والعقلية الشيعية والعقلية القومية التي أدت حتى يومنا هذا إلى نتائج معكوسة.
ما تم إدخاله باسم العقل الإيراني والفن الإيراني وما إلى ذلك هو محل جدل لدى الكاتب الإيراني اليوم. في أعمال بعض الكتّاب الشباب في إيران أصبح هذا المصطلح سياسياً أكثر في طبيعته. إذا كانت ميزات ما بعد الحداثة تختصر وتتحدد على اللغة وغياب المؤلف والنسبية وفحص الثقافة وانتفاض السردية الصغرى على السرديات الكبرى؛ فقد ركّز كُتّاب ما بعد الحداثة في إيران على اللغة أو القيود أو الطاقات التي تكمن في لغتهم الأم، وكذلك انتفاض السردية الصغرى على السرديات الكبرى.
كثيرٌ من كُتّاب ما بعد الحداثة في إيران لا يعتبرون أن ما بعد الحداثة الأدبية تقتصر على الوقت الحاضر؛ بل يدّعون أنَّ هناك بعضَ العناصر ما بعد الحداثوية في النصوص القديمة بما في ذلك "المثنوي" و"الشاهنامة". تأثّرهم بالقدرة اللغوية لدى هؤلاء الشعراء أدى إلى بروز لعبة لغوية في أعمالهم. هذه اللعبة اللغوية التي تختلف من لغة إلى لغة أخرى من الناحية الجمالية وقد تكون غير مفهومة في بعض الأحيان يُمكن أن تكون ضارّة في ترجمة هذه القصص.
لكننا نعلم أن هذا التقييد لا يقتصر على الترجمة من اللغة الفارسية. كذلك، فإن تركيز كُتّاب ما بعد الحداثة في إيران اليوم على تمرّد السردية الصغرى على السرد الكبير يجعل القصة ما بعد الحداثوية في إيران غير قابلة للترجمة، لأن ترجمة السردية الكبرى تختلف من ثقافة إلى ثقافة أخرى. أحياناً يكون الأمر مختلفًا إلى حد يجعل بعض الجوانب الثقافية الإيرانية للبلدان المجاورة صعبة جدًا وغريبة ومضحكة أيضاً. لكن كل هذا لا يمنع الكتّاب الإيرانيين الشباب من اختبار الأساليب الجديدة للكتابة.
لقد وجد هؤلاء الكتّاب في "ما بعد الحداثة" عناصر فعالة للكشف عن الوجه الآخر للشخصية الإيرانية. إنهم ينتقدون الطبقة الحاكمة من خلال تصوير الشخصيات الضعيفة والمتحوّلة التي بقيت سجينة الخطابات السياسية والقومية والدينية المتضاربة؛ والتي انهارت أرواحها ولم تتجاوز نطاق الموضوع. يرفض الكاتب الإيراني الشاب اليوم أيضاً أن تاريخه الماضي كان عظيماً ورائعاً؛ فإن لم تكن ما بعد الحداثة أفضل أداة، فهي أداة مناسبة للكشف عن وجه الاستبداد ومعاداة المرأة والضياع وهزيمة الأيديولوجيات السياسية والدينية في إيران.
* كاتبة إيرانية مواليد أصفهان عام 1992
* ترجمة من الإيرانية حمزة كوتي