مع بدء الاستعدادات في الجزائر لتنظيم سادس انتخابات برلمانية منذ دخول هذا البلد عهد التعددية السياسية عام 1989، وخامس انتخابات برلمانية منذ وقف المسار الانتخابي وانقلاب الجيش على نتيجة فوز الإسلاميين في يناير/كانون الثاني 1992، ثمة تساؤلات عديدة تطرح حول الظروف التي ستجري فيها هذه الانتخابات في الرابع مايو/أيار المقبل، وما إذا كانت ستشهد تدخلات الاستخبارات وحالات تزوير، سبق أن عهدها الجزائريون.
صحيح أن ظروف كل استحقاق انتخابي تباينت في السابق، لكن انتخابات مايو 2017، ستحظى بفارق رئيس مقارنة مع الاستحقاقات السابقة، إذ تجري في ظل وضع جديد لجهاز الاستخبارات، الذي تمكنت الرئاسة من استعادة السيطرة عليه وتفكيكه إلى ثلاثة أجهزة، وتقليص نفوذه في المشهد السياسي والإعلامي في الجزائر.
صحيح أن ظروف كل استحقاق انتخابي تباينت في السابق، لكن انتخابات مايو 2017، ستحظى بفارق رئيس مقارنة مع الاستحقاقات السابقة، إذ تجري في ظل وضع جديد لجهاز الاستخبارات، الذي تمكنت الرئاسة من استعادة السيطرة عليه وتفكيكه إلى ثلاثة أجهزة، وتقليص نفوذه في المشهد السياسي والإعلامي في الجزائر.
قبل سنتين كانت السلطة في الجزائر تواجه تحدياً سياسياً كبيراً. وكانت أحزاب المعارضة قد رفعت من حدة خطابها وصعدت مواقفها السياسية تجاه السلطة بعد مؤتمر المعارضة الذي عقد في يونيو/حزيران 2014. وانتهى المؤتمر إلى أرضية سياسية تطالب بمرحلة انتقالية وهيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات والمطالبة بتفعيل المادة الدستورية التي تنص على شغور منصب الرئيس بسبب الوعكة الصحية التي ألمت بالرئيس عبدالعزبز بوتفليقة، منذ إبريل/نيسان 2013. وكان واضحاً حينها أن هذه الاشتراطات ستدفع الجزء الفاعل من قوى المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات، لكن السلطة تجاوزت هذا الامتحان، بعدما قرر الجزء الغالب من قوى المعارضة المشاركة في الانتخابات يومها.
والتحدي الآخر الذي تواجهه هو إعطاء مصداقية لأقوالها بشأن دخول الجزائر عهد الدولة المدنية وإنهاء كل الممارسات التي كانت تتم خارج القانون والتي كانت تنسب إلى جهاز الاستخبارات، بما فيها قبول قوائم المرشحين وسيرورة عملية الاقتراع وحسم النتائج وتوزيع المقاعد في البرلمان والمجالس المحلية، وفقاً لتوازنات وحسابات يقدرها الجهاز الأمني، أو هكذا يُعتقد أنه كان يفعل.
في 13 سبتمبر/أيلول 2015، أقال بوتفليقة القائد السابق لجهاز الاستخبارات، الفريق محمد مدين، المعروف بالجنرال توفيق. وكان الجهاز، الذي يُسمى بـ"مديرية الاستعلامات والأمن"، يهيمن على كثير من مفاصل الدولة ويتغلغل في عمق المشهد السياسي. وقرر بوتفليقة تفكيك هذا الجهاز إلى ثلاثة أجهزة أمنية كهيئات عسكرية مرتبطة مباشرة برئاسة الجمهورية. ويتعلق الأمر بالمديرية العامة للأمن الداخلي والمديرية العامة للتوثيق والأمن الخارجي والمديرية العامة للاستعلام التقني. وينسق بينها المستشار لدى رئيس الجمهورية، اللواء عثمان طرطاق. وعمد محيط الرئاسة حينها إلى خلق حالة من الدعاية السياسية تفيد ببدء مرحلة جديدة في الجزائر، تنتهي معها المراحل الانتقالية لتبدأ مرحلة الدولة المدنية وحكم المؤسسة السياسية وإنهاء حكم وتدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية في صنع القرار في البلاد. وتزامن ذلك مع حملة سياسية حادة من قبل قيادات أحزاب المولاة ومحيط بوتفليقة، استهدفت قيادة جهاز الاستخبارات السابقة. ووصل بها الأمر حد اتهام الأجهزة بتزوير الانتخابات وخلق قلاقل داخلية ومحاولة إعاقة حكم بوتفليقة والتواطؤ في اغتيال الرئيس الجزائري الأسبق، محمد بوضياف، في يونيو/حزيران 1992.
وأعطت هذه الدعاية السياسية انطباعاً بانتهاء هيمنة جهاز الاستخبارات على عجلة الدولة الإدارية والمشهد السياسي في الجزائر، وبإمكانية أن تكون آلية وأدوات الاستحقاق الانتخابي المقبل أفضل وأقرب إلى واقعية التمثيل الشعبي، وأقل تزويراً من كل الاستحقاقات السابقة. ويمثل هذا الرهان الامتحان الرئيس للسلطة لإثبات صدقية خطابها السياسي الرسمي الذي يتحدث عن إنهاء هيمنة الجهاز الاستخباراتي على المشهد السياسي واستعادة المؤسسات المدنية الرسمية لصلاحياتها وبسط سلطة القانون.
انطلاقاً من ذلك، يمكن القول إنه بالنسبة لمراقبين، فإن دلائل كثيرة في الواقع السياسي وممارسات الهيئات القضائية والتشريعية والحكومية في الجزائر لا تبشر بتغيير فعلي في تعاطي السلطة مع الشأن العام والملفات السياسية، حتى بعد تفكيك جهاز الاستخبارات في سبتمبر/أيلول 2015. ولم تبرز أية ملامح على دخول البلد عهداً سياسياً جديداً على الرغم من إعلان السلطة وأحزاب المولاة عن دخول الجزائر عهد الدولة المدنية وإنهاء هيمنة جهاز الاستخبارات على الفعل السياسي.
وفي ظل هذه المعطيات لا يغير كثيرون في الجزائر توقعاتهم باستمرار تعاطي السلطة بالأدوات نفسها في إدارة الاستحقاق الانتخابي في الرابع مايو/أيار المقبل. والسبب يكمن، في نظر مراقبين، بعدم رغبة السلطة في تمكين المعارضة من أداء دور فاعل في المرحلة المقبلة، تجنباً لأية مفاجأة قد لا تخدم استمرار تحكمها في زمام الحكم، ولا سيما أن أبرز استحقاق انتخابي بعد الانتخابات العامة في مايو 2017، هو الاستحقاق الرئاسي في بداية سنة 2019.