وعلى المستوى الاقتصادي، يطمح ماكرون إلى توفير 60 مليار يورو من خلال الاستغناء عن 120 ألف منصب في الوظيفة العمومية، ويريد ضخ 50 مليار في الاستثمارات، خاصة مجال الطاقات المتجددة، التي سيضخ فيها 15 ملياراً ستساعد على خلق آلاف مناصب الشغل الجديدة.
ويضع ماكرون محاربة البطالة أولوية، وهو الذي وصف فرنسا، خلال الحملة الانتخابية، بأنها البلد الأوروبي الوحيد الذي لم يجد حلًّا بعدُ لمعضلة البطالة المستفحلة. وهذا ما سيدفع الرئيس الجديد إلى تطبيق صارم لقانون الشغل الجديد ابتداء من الصيف القادم، ودون انتظار للدخول الاجتماعي في الخريف عبر تقديم "صيغة مخففة" تمنح حرية أكبر للشركات، كل واحدة على حدة، كي تتفاوض مع عمالها حول اتفاقات في ما يخص ساعات الشغل. ويقترح الرئيس هنا الانتهاء من 35 ساعة كحد للوقت القانوني للشغل في ما يخص الشباب. وليس من المفاجئ أن تثير هذه القرارات حفيظة بعض النقابات العمالية، كـ"سي جي تي" و"قوة عمالية، و"سُود" وغيرها، وتشعل حراكًا اجتماعياً مبكرًا انطلاقًا من سبتمبر/أيلول القادم.
كما أن الرئيس ماكرون سيقرر، في إطار مشروع قانون حول المالية وتمويل الضمان الاجتماعي، الذي سيناقش في الخريف المقبل، خفضًا تدريجيًّا للضرائب على الشركات من 33% إلى 25%، كما هو معمول به في معظم البلدان الأوروبية. إضافة إلى إعفاء نحو 80 في المائة من البيوت الفرنسية من ضريبة السكن وهو إجراء سيقابَل بارتياح كبير في أوساط الطبقات الشعبية والمتوسطة.
ومن أكبر الإصلاحات التي سيبدأ الرئيس الجديد في تنفيذها هي إصلاح التعليم الابتدائي، باعتباره العمود الفقري للتعليم ككل. كما أنه سيحافظ على التنسيق بين وزارة التربية الوطنية والجماعات المحلية، في ما يخص مدارس المدينة. وحسب هذا الإصلاح الجديد فلن يكون في الأقسام الدراسية أكثر من 12 شخصًا، في "المناطق ذات الاحتياجات الكبرى".
في السياسة الخارجية، سيدافع ماكرون عن فهم "ديغولي- ميتراني" للسياسة الخارجية الفرنسية ولمبدأ الاستقلالية. وهو ما سيسمح لفرنسا أن تتحاور، بِنَدّيّة، ومن دون تبعية، مع الحليف الأميركي، وبصرامة واحترام مع روسيا الاتحادية، لا سيما وأن عدة مناطق نزاع تتطلب الحوار والتفاهم مع مختلف الأطراف، إن في أوكرانيا أو سورية أوغيرهما.
وفي ما يخص السياسة الأوروبية، سيحرص ماكرون على الحفاظ على متانة المحور الفرنسي الألماني للقيام بإصلاحات هيكلية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، واحتواء تداعيات الخروج البريطاني "بريكست". ولعلّ لقاءه مع المستشارة أنغيلا ميركل، ومقاومته كل الحملات التي استهدفته، من اليسار واليمين على السواء، بسبب قربه من المستشارة الألمانية، تجعله محاورًا مثاليًّا مع الألمان.
كما أن قضية الإرهاب باتت ضرورة ملحة بالنسبة لماكرون، كما صرح في خطاب الفوز الليلة الماضية. ولهذا سيواصل تمديد حالة الطوارئ، لأن "الوضعية الأوروبية لا تبدو مُناسِبَة لرفع حالة الطوارئ". كما أنه سيبادر، على الفور، إلى تأسيس "قيادة أركان دائمة لعمليات الأمن الداخلي والاستخبارات ومكافحة الإرهاب"، إضافة إلى إنشاء "خلية استخباراتية خاصة لرصد تحركات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي وعد باستئصاله.
وسيقوم ماكرون بزيادة 10 آلاف إلى أفراد الشرطة، ومنح قوى الأمن تسليحًا جديدًا، وزيادة الطاقة الاستيعابية للسجون الفرنسية. مع تأكيده انخراط القوات الفرنسية في مختلف أماكن التواجد العسكري في دول الساحل والصحراء؛ إلى العراق. وكان ماكرون أكد أن أول زياراته، بعد فوزه، خارج فرنسا، ستكون للقوات الفرنسية المرابطة في الخارج.
ولكن على الرغم من إصرار الرئيس الجديد على تطبيق كل تلك الإجراءات، التي يتضمنها برنامجه، فإنه لن ينجح في تطبيقها، إلا إذا منحته صناديق الاقتراع، في شهر يونيو/حزيران المقبل، أغلبية برلمانية مريحة، أو ائتلافًا متينًا، يسهّل عليه تطبيق وعوده الانتخابية بدون عراقيل في البرلمان من طرف المعارضة المقبلة.