يجري الحديث اليوم عن عقوبات اقتصادية ستفرضها موسكو على أوكرانيا، إذا ما وقّعت الأخيرة على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
والخبراء من الجانبين الأوكراني والروسي، يتوقعون أن تفرض موسكو رسوماً جمركية على البضائع الأوكرانية وتتخذ في الوقت نفسه إجراءات لحماية سوقها.
وقد أعلن عن ذلك النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الروسي إيغور شوفالوف، في ختام اجتماع المجلس الاقتصادي الأوراسي.
ومن الجدير بالذكر أن التصديق على الجانب الاقتصادي من اتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي من المفترض حصوله غداً الجمعة 27 يونيو/ حزيران الحالي.
التأثير على الاقتصاد الأوكراني
قرار حماية السوق الروسية من البضائع الأوكرانية، في حال وقعت أوكرانيا على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سيتم اتخاذه على مستوى الحكومة الروسية، وليس على مستوى المجلس الاقتصادي الأوراسي (يضم روسيا، بيلاروسيا وكازاخستان). وفق ما أعلن عنه شوفالوف للصحفيين. ووفقاً لكلامه، فإن روسيا ستحصل على هذا الحق بعد عرض الأمر على المجلس الأوراسي.
وكانت وكالة "يونيان" الأوكرانية، قد ذكرت، استناداً إلى تقديرات معهد الاقتصاد والتنبؤات التابع لأكاديمية العلوم الأوكرانية، في نهاية العام الماضي أن الإجراءات التي قد تتخذها روسيا في حال وقعت أوكرانيا على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، يمكن أن تخفض ناتج الدخل القومي الأوكراني الإجمالي عام 2014، بمعدل 0.5-1%.
بالتوازي مع ذلك، يمكن أن يؤدي فصل أوكرانيا من منطقة التجارة الحرة إلى تدهور الاقتصاد الأوكراني بشكل ملحوظ.
وجاء في خبر وكالة "إيتار تاس" الروسية: "التدابير الحمائية التي قد تتخذها روسيا، سواء الجمركية منها أو غير الجمركية يمكن أن تؤدي في عام 2014 إلى انخفاض الصادرات الأوكرانية إلى روسيا بنحو 8 مليارات دولار، وفي المستقبل إلى نحو 50٪ من صادرات اليوم".
وعلى وجه الخصوص، يمكن أن تنخفض الصادرات الزراعية بنسبة 50٪، والصناعات الغذائية بنسبة 40٪، والصناعات الكيماوية والمنتجات غير المعدنية والآلات بحوالي 20٪.
التأثير على تصريف الانتاج
الأمر الأخطر من ذلك بكثير، هو استبعاد أوكرانيا كلياً من منطقة التجارة الحرة في رابطة الدول المستقلة، وهي منظمة دولية أورو ــ آسيوية مكونة من 12 جمهورية سوفياتية سابقة.
فمنذ مارس/آذار الماضي، قدّر زعيم حركة "الخيار الأوكراني"، فيكتور ميدفيدشوك، الخسارة التي قد تترتب على أوكرانيا في حال خروجها من رابطة الدول المستقلة بمليارات الدولارات.
ووفق ميدفيدشوك، سيؤدي استبعاد أوكرانيا من الرابطة إلى قطع علاقات التعاون الراسخة بين المستثمرين الأوكرانيين والروس والكازاخيين والبيلوروسيين. إلى ذلك، لن تتمكن أوكرانيا من إيجاد بديل في الأسواق الأوروبية، لأن المنتجات الأوكرانية المحلية غير مطلوبة عملياً في الاتحاد الأوروبي.
وإلى وقت قريب، كان القسم الرئيس من المنتجات الأوكرانية يذهب إلى سوق رابطة الدول المستقلة. علما بأن السوق الروسية تستهلك المنتجات الزراعية الأوكرانية والآلات والمعدات الحربية.
ووفقاً لتقديرات خبير البضائع والخدمات في شركة "آي أف سي ماركت" الروسية، ديمتري لوكاشوف، فإن المستوردات الروسية تبلغ بالإجمال حوالي 23 مليار دولار سنوياً، ما يعادل 30% من إجمالي الصادرات الأوكرانية.
ويقول لوكاشوف، وفقاً لموقع "km.ru" فإن: "نقطة الضعف في ذلك كله، الآلات والمعدات التي تستوردها روسيا من أوكرانيا، وتبلغ قيمتها 6 إلى 7 مليارات دولار. وهذا الحجم سيخضع على الأرجح للتقليص".
أوكرانيا تخسر سوقاً مهمة
ومع ذلك، فأوكرانيا تسير نحو هذا الأفق، ونحو خسارة علاقاتها مع سوق استقرت على مدى عقود. ففي 27 مايو/أيار الماضي، أعلن سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أندريه باروبي، عن إيقاف عضوية أوكرانيا في رابطة الدول المستقلة واتخاذ الاجراءات اللازمة للخروج من هذه المنظمة. ويقول الخبراء بأن خسارة أوكرانيا نتيجة الخروج من رابطة الدول المستقلة ستفوق بكثير خسارتها الناجمة عن الحرب الدائرة الآن في جنوبها الشرقي.
إلى ذلك، فقد وجد الاتحاد الجمركي نفسه في موقف صعب يمس بنيته. فإذا ما وقعت أوكرانيا في السابع والعشرين من يونيو/حزيران الجاري اتفاق الشراكة مع أوروبا، فإن روسيا يمكن أن تفرض رسوماً جمركية على البضائع الأوكرانية.
ومن حيث المبدأ، سيكون على بيلاروسيا وكازاخستان فعل الشيء نفسه، لأن خلاف ذلك سيعني أن البضائع التي ستحمي روسيا نفسها منها يمكن أن تنتقل إليها عبر الأراضي البيلاروسية والكازاخية. وإذا ما اتخذت روسيا خطوات أحادية الجانب، فإن ذلك سيصيب بالضرر فكرة الاتحاد الجمركي كفضاء جمركي موحد.
وقد أحاط النائب الأول لرئيس الحكومة الروسي، إيغور شوفالوف، ممثلي بيلاروسيا وكازاخستان بالخطط الروسية لفرض رسوم جمركية على البضائع الأوكرانية. وإلى حين فرض الرسوم الجمركية الجديدة، اختارت روسيا إجراءات تقييدية غير جمركية، من طبيعة المنع لأسباب بيئية وصحية.
والقائمة مفتوحة. فيمكن، مثلاً، أن تضاف منتجات نباتية أوكرانية إلى قائمة المواد الحيوانية التي تم حظرها. ولكن، تظهر هنا مشكلة قدرة روسيا الفعلية على منع دخول البضائع المحظورة، في حال لم تتعاون مينسك وأستانا مع موسكو.
فالاتحاد الجمركي يقتضي انتقالاً حراً للبضائع بين البلدان الثلاثة ــ روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان. وقد تم إلغاء جميع المراكز الجمركية الحدودية بين هذه الدول. وبالتالي، إذا ما امتنعت بيلاروسيا وكازاخستان عن فرض رسوم جمركية على البضائع الأوكرانية في توافق مع الخطوة الروسية المحتملة، فلن يكون سهلاً على روسيا ضبط انتقال البضائع غير المرغوبة إلى أراضيها.