أوروبا والوجه الآخر

17 سبتمبر 2015
+ الخط -
لا خلاف على أن المنظومة القيمية التي تكبر عليها الأجيال الأوروبية أرقى بكثير من المنظومة العفنة التي دجّنت عليها وجبلت فيها شعوب هذا الشرق البائس، والشواهد أكثر من أن تعد وتذكر.
لكن، يكفي أن يخوض عشرات أو مئات الآلاف من اللاجئين، الهاربين من ويلات حرب لم تبقِ ولم تذر، عباب البحر ومشقات الطريق، باتجاه ذلك الطود القيمي العظيم، بحثاً عن منجدٍ ومغيث، ليتكشف لنا عن وجه آخر، يعرّي الصورة البيضاء الناصعة التي تترسخ في أذهان كثيرين منا.
نظرياً، في وسع الاتحاد الأوروبي بإمكاناته الاقتصادية المهولة، وطاقاته اللوجستية الضخمة، وأعداد اللاجئين الوافدين الضئيلة (350 ألف حتى يوينو/حزيران 2015 ونحو 200 ألف لاجئ إضافي حتى أوائل سبتمبر/أيلول) مقارنة بعدد سكانه (508 مليون)، هضم الأزمة بكل أريحية. فإن كانت دولة، مثل لبنان (4 مليون نسمة، أزمة سياسية، أمن هش، اقتصاد مهزوز وغير مستقر) استطاعت أن تتحمل أعباء (مليون و200 ألف لاجئ) وفدوا إليها تباعاً خلال سنوات الأزمة السورية الأربع، أو دولة مثل تركيا بإمكاناتها الاقتصادية و.. إلخ، التي تقل عن إمكانات الاتحاد الأوروربي، استطاعت أن تتحمل أعباء (2 مليون لاجئ تقريباً) مع استمرارها في فتح حدودها أمام الوافدين الجدد، على الرغم من تأثر اقتصادها بالأزمة سلباً، وانعكاس الأمر بطريقة أو بأخرى على حزب العدالة والتنمية الحاكم، الأمر الذي ظهر في نتائج الانتخابات البرلمانية التركية أخيراً، فحري حينها باتحاد عملاق، كالاتحاد الأوروبي، أن يستوعب في ربوعه ليس فقط عشرات الآلاف، بل مئات ومئات الآلاف من اللاجئين الوافدين إليه من ما وراء الحدود والبحار. وهنا بالطبع، نتحدث عن المعالجة الإنسانية فقط لأزمة اللجوء، من دون التطرق إلى الجذور الأساسية للواقع السوري الذي يمعن المجتمع الدولي طوال السنين الأربع الماضية في الالتفاف عليها، والتهرب من اقتلاعها لـ "غاية في نفس يعقوب".
عملياً، بدا مستغرباً تخبّط الاتحاد الأوروبي في إدارته الأزمة، ووقوفه عاجزاً عن التوصل إلى اتفاق ينظم عملية استقبال اللاجئين، الأمر الذي ترجم بإغلاق وحدات الجيش والشرطة المجرية المنافذ الحدودية، مع إقرار السلطات قوانين جديدة، تقضي باعتقال من يخترقون السياج الحدودي على الحدود المجرية الصربية. كما ترجم بتشديد ألمانيا -التي بدأت تشهد تبدلاً في مواقفها الإيجابية من استقبال اللاجئين- والنمسا ودول أخرى عديدة، مراقبتها الحدود من أجل الحد من تدفق اللاجئين. وأيضاً، بدا "فاقعاً" رفض دول أوروبية (المجر، قبرص، بولندا، سلوفاكيا والتشيك) استقبال أي لاجئ مسلم على أراضيها، وعدم قبولها إلا اللاجئين المسيحيين فقط .. وهذاغيض من فيض.
مسألة إغاثة اللاجئين إنسانية بحتة، من المفترض أنها من المسلمات التي تربى عليها الأوروبيون، وهي واجب أخلاقي قبل أي شيء، لكن المعادن لا تتكشف إلا عندما يُلامس المحك، وهو الأمر الذي على جوقة المنتشين بالنموذج الغربي، والذين يرسمون الغرب في أذهانهم على أنه أشبه بمدينة أفلاطون الفاضلة، أن يعوه جيداً، فالكلمة العليا، والقرار الفصل، دوماً، للمصالح لا لسواها.


avata
avata
صهيب العتر (لبنان)
صهيب العتر (لبنان)