أوروبا.. النجدة من البحر

27 يونيو 2015

مصير الاتحاد الأوروربي لدى فرنسا وبريطانيا وألمانيا

+ الخط -
تبدو الوحدة الأوروبية على المحكّ في الأيام الحالية، قياساً إلى طموحات بعض الدول، لجهة الخروج من الاتحاد الأوروبي، عكس ما كان رائجاً سابقاً لناحية الانضمام إليه. والسبب الذي جعل معظم دول القارة العجوز، ودول الجوارين، الإفريقي والآسيوي، العربي تحديداً (من بوابة الشراكة مع الاتحاد)، تسارع إلى قرع أبواب العاصمة البلجيكية بروكسل، مقرّ الاتحاد، هو السبب عينه الذي يهزّ الوحدة: الأزمة المالية 2008 وتداعياتها.
يُمكن لأوروبا القول إن "ما قبل اليونان 2010 غير ما بعده"، فقد شرّع إفلاس أثينا أبواب الأزمات الأوروبية، بعد أن كان كبار القارة يسعون إلى ضمّ مزيد من الدول تحت أجنحتهم. كانت أوروبا في نهضة مالية صلبة، عمادها سياسة اقتصادية متوازنة بين الاستثمارات وتوزيع أرباح الضرائب في مختلف القطاعات الاجتماعية، مدفوعة بنموّ كبير لليورو.
لذلك، سعت دول عدة، تحديداً من الشرق الأوروبي، إلى تقديم طلبات الانضمام للاتحاد، خصوصاً أن تجربة توحيد الألمانيتين، الشرقية والغربية، وإمكانية ذوبان كل الفروق الاجتماعية والاقتصادية، من دون تشكيل هزة ارتدادية تُذكر، حفّزت دول أوروبا الفقيرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. على الرغم من محاولات روسيا عرقلة انضمام جورجيا وأوكرانيا، على سبيل المثال لا الحصر.
غير أن أوروبا باشرت رحلة العودة إلى أداء دورها "الطبيعي"، بعد نموّ خارق كالكتلة الأكثر ضعفاً بين كتلتي الولايات المتحدة وروسيا، ومن يدور في فلكهما، في نسخة متجددة لصراع الحرب الباردة بين الأميركيين والسوفييت. بدأت القارة العجوز فعلياً في العودة إلى ما كانت عليه قبل "الوحدة الأوروبية"، في ظلّ تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، معطوفة على ملف الهجرة غير الشرعية الذي بات يُشكّل صداعاً مزمناً لكبار القارة. ومن جديد، تتجه الأنظار إلى ثلاث دول، يُمكن أن تحسم مصير الاتحاد: فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
انتهى الزمن الفرنسي "القوي"، فالأحداث المتلاحقة جعلت من فرنسا "بلداً من بلدان القارة"، لا "أحد قادتها". ولا يعود السبب إلى الرئيس الحالي، فرانسوا هولاند، بل إلى تراكمات سياسية متتالية، خفّضت من مستوى التأثير الفرنسي، أكان على الصعيد الأفريقي أم "الشرق أوسطي"، فضلاً عن الاضطراب السياسي الداخلي، بفعل تنامي قوة اليمين على حساب اليسار المتعثر. ما دفع البلاد إلى توجيه أنظارها إلى مسائل داخلية سياسية ـ اجتماعية، على حساب التوسّع الاقتصادي، والتأثير السياسي. ولعلّ ذلك سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى أن تُصبح باريس مجرّد عاصمة دولة أوروبية أخرى، لا دولة قيادية.
لا تعاني بريطانيا كفرنسا، خصوصاً وأنها حاولت تكريس شخصية "ذات حكم ذاتي" داخل الاتحاد الأوروبي، للمحافظة على استقلالية معيّنة، انطلاقاً من دورها التاريخي في تسيّد البحار واستعمار دول بعيدة. لكن أهمية لندن تبرز في إعلان نيتها الانفصال عن الاتحاد، مؤكدة قدرتها على المحافظة على قوة اقتصادية هائلة، من دون الحاجة إلى الانضواء في صفوف تكتّل داعم. مع العلم أن البريطانيين ليسوا أفضل حالاً من الفرنسيين خارجياً، لكنهم تمكنوا من تحقيق التوازن، عبر التماهي مع المواقف الأميركية في الشؤون الخارجية، من دون تأثير الداخل عليها.
أما ألمانيا التي بَنَت أمجادها على قوتها الصناعية، فتبدو "وحيدة" في موضوع الدفاع عن "وحدة الاتحاد"، لعلمها أنها الدولة الأكثر تمويلاً وإقراضاً للدول الأعضاء، وأبرزهم اليونان. وسقوط الاتحاد بالنسبة إلى برلين يعني انتهاءَ عصر ألماني عظيم، فقد ظلَّ الاتحاد، بمثابة "مصرف مع فائدة كبيرة" للألمان، وهم ليسوا في وارد التخلّي عنه، أو تركه يتداعى.
وعادة، حين يضيق أفق اقتصادي ما، تعمد دولة، أو مجموعة دول، إلى الانصراف لمواجهة عسكرية، وهو ما تفعله أوروبا في البحر الأبيض المتوسط ضد مهرّبي البشر، ما قد يُعيد النظر بالوحدة الأوروبية، سلباً أم إيجاباً، وعليه، يتحدّد مصير القارة العجوز مستقبلاً.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".