وفي الوقت الذي يرى فيه المغرب أن مناقشة ملف الصحراء يتعين أن يكون اختصاصاً حصرياً لمنظمة الأمم المتحدة، وألا تضطلع به الهيئات القارية والإقليمية أو الجهوية، فإن جبهة البوليساريو تبدو متحمسة للقمة الأفريقية المرتقبة، وطرح موضوع الصحراء في نواكشوط.
وعلى المستوى الشكلي لطبيعة حضور الزعماء إلى القمة الإفريقية بموريتانيا، استبعد مصدر دبلوماسي في حديثٍ لـ"العربي الجديد" "حضور العاهل المغربي الملك محمد السادس للقمة المذكورة"، لكنه توقع أن "يكون التمثيل المغربي مرتفعاً في القمة بخلاف القمم العربية التي سبق للرباط أن قررت خفض تمثيلها فيها، لعدم جدوى مخرجاتها ونتائجها السياسية على واقع البلدان العربية".
في المقابل صار من المؤكد حضور زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي إلى القمة الأفريقية في نواكشوط، بدليل جولاته المكوكية التي قام بها إلى عدد من بلدان القارة السمراء، خصوصاً جنوب إفريقيا وناميبيا وليسوتو، إذ كانت هذه الزيارات مناسبة لدعوة هذه الأطراف إلى دعم أطروحة الجبهة في حل نزاع الصحراء، متمثلاً في إقرار مصير ما يسمى "الشعب الصحراوي"، في مقابل الحل الذي تنادي به الرباط متمثلاً في الحكم الذاتي الموسع لأقاليم الصحراء.
وفي الوقت الذي طالب فيه نواب برلمانيون من وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الكشف للرأي العام الوطني عن استعدادات الدبلوماسية المغربية للدفاع عن مغربية الصحراء في قمة نواكشوط، وإبراز استراتيجية وزارته في تبني موقف أكثر توازناً في قضية الصحراء، فإن مراقبين رأوا أن "الرباط تمتلك عدداً من الأوراق السياسية الرابحة في هذه القمة".
واعتبر المحلل محمد عصام لعروسي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القمة الأفريقية بنواكشوط تشكل محطة محورية حاسمة للدبلوماسية المغربية، لاختبار مدى قدرة المغرب على تأكيد النفوذ السياسي والاستراتيجي في أفريقيا واستثمار العلاقات الجيدة التي نسجها خلال العقد الأخير مع العديد من الدول الأفريقية".
وسرد لعروسي عدداً من الأوراق السياسية التي "يمكن للمغرب توظيفها في القمة الأفريقية، أولها تشبث الرباط بقرار مجلس الأمن الأخير الذي أوكل بشكل حصري مهمة البت في قضية الوحدة الوطنية إلى منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي منع الاتحادات الإقليمية أو الجهوية، وأهمها الاتحاد الأفريقي النظر ومواكبة تعقيدات ملف الصحراء".
وبيّن أن "استغلال هذه الورقة من طرف المغرب قد يجنبه كل المفاجآت المحتملة، ويمكّنه من تجاوز حقل الألغام الذي قد ينفجر من جراء تداول الملف في دهاليز الاتحاد الأفريقي، خصوصاً أن العديد من المؤشرات تؤكد أن القمة ستعرف معارك جانبية بين المحور الموالي للمغرب والمحور المعادي له".
وأضاف أن "ثاني الأوراق التي قد توظفها الدبلوماسية المغربية منع الجزائر وجنوب أفريقيا من استغلال التوصية الصادرة خلال قمة أديس بابا الأخيرة، والقاضية بضرورة إتاحة الفرصة لرئيس المفوضية الأفريقية، موسى فاكي، للقيام بجولات في المنطقة ورفع تقرير إلى القمة المرتقبة. كما تتضمن التوصية دعوة صريحة ومباشرة لكل من المغرب والبوليساريو لاستئناف المفاوضات بدون قيد أو شرط، وهو ما تدعو إليه جبهة البوليساريو ويرفضه المغرب".
ووفق المتحدث، فإن "اعتماد المغرب على دينامية متحركة في إفريقيا قد يساهم في إعادة التوازن داخل الاتحاد الأفريقي من خلال تخليه عن سياسة الكرسي الفارغ، ومنع كل محاولات المحور المعادي من استغلال الملف وإطالة أمد الصراع، تحديداً بعدما فشل المساعي الأممية في تقريب وجهات نظر الأطراف وصعوبة الرجوع لطاولة المفاوضات من جديد تحت غطاء الأمم المتحدة".
وتابع "الورقة الثالثة، تتمثل في العمل على استعادة حيادية الاتحاد الأفريقي التي افتقدها لمدة طويلة، خصوصاً أن منظمة الوحدة الإفريقية كانت قد فتحت الباب لعضوية جبهة البوليساريو كدولة إلى جانب الدول الأفريقية، وهو القرار الذي يفتقر لكل الأسس القانونية وكانت تحركه عوامل سياسية وأيديولوجية، واستغلال الجزائر للمنظمة للنيل من المغرب ووحدته الترابية".
وأضاف أن "الورقة الرابعة تتجسد في الرهانات المرتبطة بهذه المحطة الأفريقية، والتي تكمن في استغلال المغرب للعلاقات الجيدة على الصعيد الأفريقي في تعزيز مغربية الصحراء والتعاطي بإيجابية مع الملف من قبل الدول الإفريقية الصديقة للمغرب، مع تجنب إصرار الاتحاد الإفريقي على حلحلة الملف داخل الاتحاد الإفريقي وفق رؤية محور خصوم الوحدة الترابية للمغرب".
وآخر الأوراق، بحسب لعروسي، هي "استغلال عودة الدفء للعلاقات المغربية الموريتانية والحياد الإيجابي الذي تتمسك به نواكشوط في قضية الصحراء، باعتبارها مستضيفة القمة، لتوجيه النقاش خلال القمة الإفريقية توجيها إيجابيا يهدف إلى تجنب الصدامات حول ملف الصحراء، الشيء الذي سيخدم لا محالة الأجندة الدبلوماسية المغربية ويقطع الطريق على خصوم الرباط".