محاربة الكنيسة للأوبئة عبر التاريخ: من قتل القطط إلى قدّاس عبر الإنترنت

10 ابريل 2020
أحيا البابا فرنسيس قداس خميس الغسل وحيداً (Getty)
+ الخط -
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية هذا العام بعيد الفصح بطريقة غير تقليدية عبر قداديس من دون مؤمنين تبث عبر الإنترنت. وخلال هذا الأسبوع الذي يرتدي أهمية كبرى في السنة الطقسية المسيحية، أحيا البابا فرنسيس قداس خميس الغسل (أمس) وحيداً من دون مؤمنين. وهذا ما سيفعله بالنسبة لقداس عيد الفصح الذي يترأسه الأحد (بعد غد) في كاتدرائية القديس بطرس المغلقة أمام الزوار

تصرّف الكنيسة الكاثوليكية المسؤول أمام هول الكارثة التي يشكلها وباء "كوفيد ـ 19"، لم يكن دائماً كذلك. بل قبل قرون، وقبل أن يتطور الطب ليصل إلى ما هو عليه اليوم، كان ينظر إلى الأوبئة على أنها "انتقام إلهي"، وفق ما يذكر المؤرخ المختص بالكاثوليكية كريستوف ديكيه لوكالة "فرانس برس". ويلفت الخبير إلى أنه "حتى في حقبة تفشي الإنفلونزا الإسبانية (1918-1919)، كان هناك شعور بأن المرض جاء عقاباً على الخطايا المنتشرة في الأرياف".

في القرن التاسع عشر، عارض البابا ليون الثاني عشر (1823 ــ 1829)، الذي كان خلف إعادة العمل بمحاكم التفتيش الخاصة بمعاقبة الهراطقة، وأنشأ معازل اليهود في إيطاليا، التلقيح ضد مرض الجدري على أساس أن في ذلك خلفية شيطانية.
مع انتشار مرض نقص المناعة "إيدز"، في ثمانينات القرن الماضي، تبين أن موقف الكنيسة تركز في المقابل "بوضوح على معاناة المرضى، رغم بعض التصريحات المعزولة لرجال دين حول الأصل الإلهي للمرض"، بحسب ديكيه. اليوم، تحولت كاتدرائية ضخمة وسط نيويورك إلى مستشفى ميداني لمعالجة مرضى "كوفيد ــ 19"، في صورة لا يفترض أن تثير استياء البابا الأرجنتيني الذي دعا بنفسه رجال الدين إلى التحلي "بالشجاعة والخروج لرؤية" مرضى فيروس كورونا المستجد.

وتدير الكنيسة العديد من المؤسسات الطبية في العالم. ويملك البابا فرنسيس حساسية خاصة إزاء التدين الشعبي. فقد زار سيراً على الأقدام كنيسة القديس مارسيلو آل كورسو وسط روما الخاضعة للحجر الصحي. وتوجه للصلاة أمام تمثال "المسيح العجائبي" المصنوع من الخشب الملون والذي نجا من حريق، وحمل عام 1522 على رأس موكب جال شوارع روما لمدة 18 يوماً كمحاولة لدحر تفشي وباء الطاعون المميت.

في حقبة الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر، أسهمت المواكب الدينية بأقدام حافية والقداديس في تفشي الوباء المميت الذي قتل بين ثلث ونصف الأوروبيين منذ 1348. في تلك المرحلة، كان متشددون دينياً يجلدون أنفسهم في الشوارع العامة خلال المواكب الدينية للتوبة عن خطاياهم، لكن ممارستهم تلك كانت تزيد من مخاطر نشر الوباء من دون أن يعلموا. كان ذاك التشدد الديني خلف مذابح ضد اليهود الذين اتهموا بتسميم الآبار لنشر المرض، ما دفع البابا كليمنتوس السادس إلى إصدار مرسومين بابويين لحمايتهم.

ويؤكد مؤرخون أن ممارسة ذبح القطط على خلفية خرافة تقول إن القطط تجسيد للشيطان، وخصوصاً السوداء منها بحسب البابا غريغوريوس التاسع خلال القرن الثالث عشر، أجج انتشار أوبئة الطاعون التي مصدرها براغيث الجرذان. وفي الواقع، كانت القطط الموجودة بكثافة أكثر في الأرياف تساعد على إبعاد هذه القوارض عن السكان.

وعلى مر القرون، بقي بابوات الكنيسة بمنأى عن الأوبئة، باستثناء البابا بينديكتوس الخامس عشر (1914 ــ 1922) الذي توفي بسبب الإنفلونزا الإسبانية. وقبله بقرون، قضى البابا بيلاجيوس الثاني (579 ــ 590) بوباء الطاعون الذي اجتاح في تلك الحقبة حوض المتوسط. كان خلفه البابا غريغوريوس العظيم الراهب العالم (590 ــ 604)، أكثر حظاً، رغم أن طريقته في دحر الأوبئة لا تتماشى مع العصر الحديث. ووفق أسطورة تم تناقلها لقرون بعد وفاته، قاد البابا غريغوريوس الأول موكباً كبيراً لتطهير الهواء من الطاعون حاملاً أيقونة للعذراء مريم يقال إنها من رسم أحد رسل المسيح. ومع عبور المسيرة أمام ضريح الإمبراطور الروماني هادريان الأثري على ضفاف نهر التيبر (يعرف اليوم باسم قلعة سانت أنجلو)، ظهر له رئيس الملاك ميخائيل يضع سيفه في غمده، ما اعتبر إشارة إلى أن الوباء أشرف على الاندثار. 

(فرانس برس)
المساهمون