أوجلان... العقدة والحل

15 فبراير 2016

أوجلان.. يريد أن يكون مانديلا الأكراد

+ الخط -
عندما ضاقت الأرض والسماء بأحلام عبدالله أوجلان، قبل سبعة عشر عاماً، وجد نفسه في طائرة خاصة، تنقله من العاصمة الكينية نيروبي إلى العاصمة التركية أنقرة، برفقة عناصر استخبارات تركية، وهو مقيد اليدين ومعصوب العينين.
في معتقل إيمرالي، وجد أوجلان الثائر أن تحرير كردستان وتوحيدها، كما دعا إليهما عند تأسيس حزب العمال الكردستاني عام 1978، مهمة شبه مستحيلة، فأدرك أن السياسة ليست أيديولوجية فقط، وإنما مصالح وسياسات دول وإمكانات... إلخ، فكان انتهاج الواقعية الممكنة بعد أن أصبح رمزاً، حفر اسمه عميقاً في وجدان الكرد الذين خرجوا في تظاهرات مؤيدة له في مختلف أنحاء العالم.
أدركت تركيا أهمية الرمز، فعدلت قوانينها. وللمرة الأولى، ألغت عقوبة الإعدام، وأبدلت حكم الإعدام الصادر بحق أوجلان بالمؤبد. في المعتقل، كانت مسيرة المناضل الإفريقي نيلسون مانديلا وتجربته حاضرتين في ذهن أوجلان، فقفزت كلمة السلام إلى كل بيان أو خطاب أو لقاء أو جهد قام بها أو أصدره، قرأ نحو 2700 كتاب، وخصص جزءاً من مصروفه الشهري، 300 ليرة تركية، لشراء المجلات وبعض الأطعمة، يعيش في غرفة مساحتها 11 مترا قبل أن يتم نقله إلى مكان أوسع بقليل، فيما يحرسه قرابة 700 ضابط وعنصر بالتناوب في جزيرة إيمرالي. كتب في السجن نحو 260 كتابا وبحثا، معظمها عن تاريخ التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية في منطقة ميزوبوتاميا (بلاد ما بين النهرين).
ما بين اعتقاله في 15 فبراير/شباط عام 1999 واليوم، نجح أوجلان في تحقيق أمرين مهمين. الأول: الحفاظ على قيادته القوية حزب العمال الكردستاني وهو في المعتقل، حتى بدا أن قيادة الحزب في قنديل تعمل بأوامر مباشرة منه. الثاني: أصبح مفاوضاً مع الحكومة التركية، من أجل البحث عن سلام مقبول، يحقق الاستقرار لتركيا والهوية للكرد، فكان بيانه الشهير في 21 مارس/آذار عام 2013، عندما أعلن أن عهد الرصاص ولى، مبشراً بالدخول في مرحلة السلام.

اكتشفت الحكومة التركية أهميته ورمزيته، فدخلت معه في مفاوضاتٍ سرية، قبل أن تصبح علنية. كانت أنقرة تريد منه تلك الكلمة السحرية التي تنزل المقاتلين الكرد من الجبال لتسليم أسلحتهم، وتصبح تركيا أقوى في الداخل والخارج. ومع هذا الاكتشاف، تغيرت صورة أوجلان في داخل تركيا قبل الخارج، فالإعلام التركي لم يعد يصفه بقاتل الأمهات والأطفال، بل الرجل القابع في إميرالي. وفي الخارج، رشحه بعضهم لنيل جوائز دولية عديدة متعلقة بالسعي إلى تحقيق السلام، خصوصاً بعد أن نجح أوجلان، من بعيد، في تشكيل جناح سياسي، باسم حزب الشعوب الديمقراطية، حيث نجح الأخير في الدخول إلى البرلمان، ليقول من أنقرة إننا شركاء في هذا الوطن. ولكن غياب الثقة، وضعف الإرادة، وغبار التاريخ وإشكالية الهوية وإرث الصراع، والعوامل الإقليمية، والتطورات الدراماتيكية المتعلقة بالأزمة السورية، جعلت من السلام التركي - الكردي صعباً، فتفجر العنف من جديد في وجه الجميع.
مع تفجر العنف، توقفت حركة الوفود بين أنقرة وإميرالي، وبات صوت الطائرات والدبابات والرصاص ومناظر القتل والدماء سيد الموقف من جديد. ومن وحي هذا المشهد القديم - المتجدد، بدأت أسئلة كثيرة تثار عن اختفاء صوت أوجلان ومدى قدرته على التأثير، ومدى قناعة أنقرة بدوره بعد اليوم. لكن الثابت في تجربة الصراع أن النهج العسكري فشل في إنتاج الحلول السياسية لمثل هذا الصراع، كما أن دروب السياسة والتطلعات المتبادلة بين أوجلان وأردوغان باتت كثيرة، وربما في لحظة ما تفتح الطريق أمام إيجاد حل سلمي للقضية الكردية على شكل فرصة تاريخية بنكهة (ثورات الربيع العربي) التي أكدت أن الحرية مطلب لا حياد عنه، مهما طال الزمن، وعلى صوت الرصاص.
يريد أردوغان من أوجلان، كما قلنا، تلك الكلمة السحرية التي تدفع المقاتلين الكرد من حزبه إلى ترك السلاح، والمساهمة الكردية في تمرير دستور جديد، يجعل نظام البلاد رئاسياً، فيما يريد أوجلان منه كسر جدران إيمرالي ليكون حراً ومنتصراً في هيئة مانديلا الكرد، ويتوج ذلك بحل سلمي للقضية الكردية، يعيد صوغ السياسة والجغرافية تركياً وكردياً.
تطلعات صعبة، بل ربما مستحيلة، في نظر بعضهم، لكن الصراعات الصعبة لا تكتب قصصها إلا بحروف صعبة، وإرادة تقول إن تكلفة السلام هي أقل من الدم والرصاص، مهما طال الزمن.

55B32DF5-2B8C-42C0-ACB3-AA60C835F456
خورشيد دلي

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، صدر له في 1999 كتاب "تركيا وقضايا السياسة الخارجية"، نشر دراسات ومقالات عديدة في عدة دوريات وصحف ومواقع إلكترونية.