أوباميات (2)

05 نوفمبر 2014
حسرة ديموقراطية (getty)
+ الخط -
يختلف تقييمنا في هذه المنطقة، لست سنوات من ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، بمناسبة الفشل الذريع لحزبه الديموقراطي في الانتخابات النصفية، جذرياً عن النظرة من بقعة أخرى من العالم. لكن تبقى هناك ثوابت في الحِسبة.

البُعد الذي يعنينا هو أن الرجل يتحمل مسؤولية عظمى من الخراب العربي الكبير والثورات المضادة في بلدان "الربيع". لكن ذلك لا يحجب الأبعاد الأخرى لعهده الرئاسي. داخلياً، حيث الناخب الأميركي هو أقل كائن مهتمّ بالسياسة الخارجية، يصعب فهم لماذا انخفضت شعبية أوباما 40 في المئة منذ انتخابه في 2008، ذلك أن نجا ببلاده بأقل خسائر ممكنة من الأزمة المالية العالمية، لا بل أنه أنجز ما عجز عنه أسلافه الـ43: برنامج الرعاية الصحية للأكثر فقراً، "أوباما كير"، الذي استفاد منه عشرة ملايين شخص.

أكثر من ذلك، فقد حققت الولايات المتحدة في عهده نمواً لاقتصادها بنسبة 8 في المئة وتراجعت البطالة بنسبة 6 في المئة، وهي أيضاً أرقام كبيرة جداً مقارنةً مع اقتصاديات الدول الأوروبية مثلاً. لكن انخفاض الشعبية، على الرغم من كل ذلك، يؤكد تلازم الداخل والخارج واستحالة الفصل بينهما، فالخارج يتحوّل شأناً داخلياً بالضرورة. وبحسب مصطلحات رئيس تحرير مجلة "لوكورييه انترناسيونال" الفرنسية، إريك شول، كل ما في الأمر أن أميركا كانت بحاجة لرئيس استثنائي في ظل قضايا وأزمات كبرى، كالأزمة الاقتصادية العالمية والعدوانية الروسية البوتينية، وانفجار ظاهرة داعش والثورات العربية وصعود الصين، لكن أوباما كان في المقابل رئيسياً "عادياً جداً"، لا بل أنه بدا "رجلاً ضائعاً في ما يتعلق بالتحديات الأمنية"، وفق وزير الدفاع السابق، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ليون بانيتا.

ليس مهماً معرفة الأسباب التي دفعت بالرجل الى التعويل على الثورات المضادة، في النهاية، خضع الرجل لـ"السيستام" مجدداً، وللوبيات ولأصحاب المصالح، على الرغم من الأوراق الكثيرة التي كانت بحوزته على الأقل في الضغط على أركان الثورات المضادة: في مصر، كانت بيده أكبر ورقة ضغط على العسكر، من خلال مساعدة الـ1.3 مليار دولار السنوية. بدل ذلك، أعطى الشرعية كاملة للانقلاب، ورمى في سلة النفايات مضامين الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة عام 2009.

في سورية، يتحمل الرجل مسؤولية قيام دولة "الدولة الاسلامية" التي لم تصل إلى ما هي عليه اليوم، إلا بسبب "الخطوط الحمراء" التي وضعها أوباما، وعاد فمحاها بعد مجزرة الغوطة، حتى صارت هذه الخطوط وخطابات أوباما وتهديداته لنظام بشار الأسد، مسخرة العالم وأضحوكته. في العراق، كان الوضع مشابهاً، إذ تطلب الأمر من أوباما ورجاله حتى الخريف الحالي لكي يتخلوا عن نوري المالكي، بعدما أوصل الخراب إلى ما وصل إليه، وهو ما يعيد الأميركيين اليوم إلى العراق عسكرياً.

في القضية الفلسطينية، لم يتجرأ على طرح أي معادلة من شأنها أن تخفف من منسوب أبوّة الولايات المتحدة لإسرائيل وتبنّيها الكامل لها، إلا إذا اعتبرنا وصف أوباما لبنيامين نتنياهو أخيراً بالجبان والتافه، بياناً ثورياً. بدا أوباما خاسراً سلفاً أمام العنتريات البوتينية اللفظية والعملية، وظهر كتلميذ مرتبك ضُبط متلبساً بمخالفة غشّ في فضيحة التجسس الهاتفي على حلفاء واشنطن. كان أوباما عن حق، رئيساً عادياً جداً.
المساهمون