جاء قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بالسماح للقوات الأميركية بمواصلة مهمتها القتالية في أفغانستان ضد "طالبان" والجماعات المسلّحة حتى نهاية العام 2015 على الأقل، على الرغم من إعلان الاستخبارات الأفغانية في الآونة الأخيرة عن تراجع قوة "طالبان أفغانستان" وانقسامها إلى ثلاث جماعات على الأقل بسبب الخلافات الداخلية، وترجيحها أن الخلافات في صفوف الحركة ظهرت بعد غياب زعيمها الملا عمر عن الساحة لفترة طويلة ربما بسبب وفاته، بحسب بيان المتحدث باسم هذه الاستخبارات حسيب صديقي.
كما جاء القرار على الرغم من تأكيد الجيش الباكستاني في الأيام الأخيرة أن "شبكة حقاني"، التي تعتبرها الولايات المتحدة الأميركية من أخطر الجماعات المسلّحة الموالية لـ "القاعدة"، باتت في حكم المنتهية، بعد أن دمر الجيش الباكستاني معاقلها في مقاطعة شمال وزيرستان القبلية، واعتقلت الاستخبارات الأفغانية عدداً من قياداتها المهمة في الفترة الأخيرة.
ما يؤكد بالتالي أن للولايات المتحدة مقاييس أخرى، وهي ترى عكس ما تراه دول المنطقة وشعوبها. وكان من المقرر أن تنهي القوات الأميركية مهمتها القتالية نهاية العام الحالي، ويبقى جزء منها بهدف تدريب القوات الأفغانية وتوفير الدعم اللازم لها عند الحاجة.
ويسمح أوباما بقراره الأخير لقوات بلاده العاملة في أفغانستان، بخوض معارك وشنّ عمليات مسلّحة ضد "طالبان" والجماعات المسلّحة الموالية لها كـ "القاعدة" و"شبكة حقاني"، وهو أمر مغاير لما جاء في بنود الاتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن، والتي تسمح للقوات الأميركية المشارَكة في الحرب ضد "طالبان" والجماعات المسلّحة عند طلب القوات الأفغانية وتوفير دعم لازم لها.
كذلك تنصّ المبادئ التوجيهية التي أقرها أوباما، على توفير القوات الأميركية دعماً جوياً للقوات الأفغانية، الأمر الذي كان يتوقعه الأفغان إضافة إلى تدريب قوات الأمن، بعد الانسحاب الدولي وانتهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية نهاية العام الحالي. لكنهم من دون شك فوجئوا جميعاً بقرار أوباما تمديد المهمة القتالية لقوات بلاده في أفغانستان.
ولكن على ما يبدو فالولايات المتحدة لم تكن تنوي إنهاء المهمة القتالية لقواتها في أفغانستان أصلاً، إذ إنها تشدد حيناً بعد آخر على قوة "طالبان" والجماعات المسلّحة، في حين يعرف الجميع أن قوة "طالبان" والجماعات المسلّحة تدهورت كثيراً في الآونة الأخيرة، وأنها تعاني من أزمة حادة، الأمر الذي تؤكده استخبارات دول المنطقة وكل من يراقب الحركات الجهادية عن كثب.
وسبق قرار أوباما إعلان وزارة الخارجية الأميركية أن "طالبان" و"شبكة حقاني" من أخطر الجماعات المسلّحة، وتشكّلان خطراً على أمن أفغانستان وباكستان وحتى الولايات المتحدة، موضحة في بيان أن واشنطن لن تسمح لتلك الجماعات بتهديد أمن المنطقة واستقرارها، أو أن تجد موطئ قدم لها.
وفي حينها كان الجميع يظن أن بيان الخارجية الأميركية أمر روتيني، أو تعليق على أي حادث، لكن يبدو أن هذا البيان كان بمثابة تمهيد لنشر نبأ توقيع أوباما قراراً بتوسيع المهمة القتالية لقوات بلاده في أفغانستان بهدف مواجهة أخطر التنظيمات القتالية، كما تقول الخارجية الأميركية.
يُذكر أن وسائل إعلام أفغانية نشرت قبل أيام تقارير، تؤكد أن الحكومة الأفغانية سمحت للقوات الأميركية بشن عمليات ليلية، بعد أن منعتها حكومة الرئيس السابق حامد كرزاي من ذلك. كما تحدثت التقارير عن اتفاق بين كابول وواشنطن بشأن العمليات العسكرية للقوات الأميركية في أفغانستان.
وقد أثارت هذه التقارير ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والسياسية، ما دفع الرئاسة الأفغانية إلى إصدار بيان نفت فيه إبرام اتفاق مع واشنطن بشأن العمليات الليلية، التي خلقت فجوة كبيرة بين الشعب والحكومة الأفغانية سابقاً، إذ إن عمليات القوات الأميركية في أفغانستان التي عادة ما تستند إلى معلومات استخبارية غير دقيقة، تؤدي إلى مقتل المدنيين، وهو ما أثبتته الإحصائيات الدولية والمحلية.
ولا يصب قرار أوباما بتمديد المهمة القتالية للقوات الأميركية في أفغانستان، في مصلحة هذا البلد، لعدة أسباب أهمها أن العمليات الأميركية عادة ما تؤدي إلى مقتل المدنيين وهو ما يخلق فجوة بين الشعب والحكومة الأفغانية، كما وأن العمليات الأميركية ستمنح مزيداً من الشعبية للجماعات المسلّحة، بعد أن فقدتها إلى حدٍ ما في الآونة الأخيرة.
والأخطر من ذلك أن محاولات الرئيس الأفغاني أشرف غني أحمد زاي، التي بذلها من خلال قنوات مختلفة لجلب حركة "طالبان" إلى طاولة المفاوضات، قد تُدفَن مع قرار أوباما الأخير، إذ إن الحركة أعلنت أنها لن ترضى بالعودة إلى طاولة المفاوضات إذا ما استمرت القوات الأميركية في شن العمليات ضدها.
هذا ويرى الخبراء أن على القوات الأميركية توفير الدعم اللازم للقوات الأفغانية التي تعاني من نقصٍ حادٍ في العتاد، بدل أن تباشر العمليات بنفسها وتتسبب في استمرار دوامة حرب في بلد عانى من الحروب على مدى العقود. كما وأن القرار سيشكّل لا محالة ضغوطاً متزايدة على الحكومة الأفغانية، خصوصاً إذا تم الأمر بعد التشاور معها كما تظن الأوساط الإعلامية والسياسية في أفغانستان.