ولم يتردّد أوباما، في شهر فبراير/شباط الماضي، في التلويح ضمنياً باحتمال عودة العالم، إلى عصر ما قبل الإنترنت، إذا ما اقتضت الضرورات الأمنيّة ذلك، إذ قال إنّ "من أهداف إدارته لا حماية الأمن القومي فحسب، بل أيضاً تأمين سلامة الفضاء الإلكتروني أيضاً، من أجل بقاء شبكة الإنترنت مفتوحة وآمنة وموثوقا بها". وكانت إشارته إلى "بقاء الشبكة مفتوحة" مثيرة لتساؤلات كثيرة، على الرغم من أنّه أوردها في سياق تطمين شعبه بأنّ التهديدات الإلكترونية يمكن التصدّي لها، وتعهّد باتخاذ الإجراءات الضرورية، بموجب السلطات المخولة له لحماية الولايات المتحدة، من أيّ تهديد. وتمنّى حينها بعض المعلقين ألا يكون من ضمن خياراته، إغلاق خوادم الشبكة العالمية داخل الأراضي الأميركيّة، وحرمان العالم من التواصل الشبكي.
في المقابل، يعتقد بعض المحللين أنّ الولايات المتحدة تحتاج بصورة شبه دائمة إلى أعداء، بقدر حاجتها إلى أصدقاء، نظراً لما يؤديه الأعداء من دور حيوي في تحريك عجلة الاقتصاد الأميركي وتبرير الموازنات المالية الهائلة، التي تُخصّص لمواجهة الأعداء المفترضين والحقيقيين على حدّ سواء، قبل أن تتحوّل نسب كبيرة من هذه المخصّصات إلى أرباح لشركات السلاح والمقاولات، وقائمة طويلة من المستفيدين الآخرين الذين يعتبرون التهديد الحقيقي لوجودهم هو في توقّف التهديدات الخارجيّة. وعلى الرغم من هذه الحاجة للأعداء التقليديين، إلا أن أيّ عدو خفي لا يمكن توقع شكل وتوقيت ضرباته، يرعب صناع القرار الأميركي بالفعل وليس على سبيل الافتعال.
وليس بمبالغة القول اليوم إنّ العدو الأكثر خطورة، والذي تخشاه الولايات المتحدة الأميركيّة، يكاد خطره يتفوّق على زعيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش)، أبو بكر البغدادي، وعلى زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري وزعيم تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب اليمني ناصر الوحيشي، مهما طال أمد تخفي هؤلاء. الخطر الأهم بالنسبة لإدارة أوباما وصنّاع القرار الأميركيين يتأتى ممّا يُخطّط له شباب يافعون من النابغين تقنياً، والقادرين على تهديد الأمن الشبكي للمرافق الأميركيّة الحيويّة.