واستبق أوباما في خطابه، عطلة عيد قدماء المحاربين، الذي يحيي الأميركيون ذكراه، بعد غد الثلاثاء، ليمجد حروباً خارجيّة كان يعتبرها أخطاء استراتيجية كبرى، وهو ما ساعده على شقّ طريقه نحو البيت الأبيض بسهولة، مع تأييد منقطع النظير من معارضي الحروب الخارجيّة.
وفي نبرة واضحة الاختلاف ومغايرة، لما هو معروف عن أوباما لناحية معارضته إرسال جنود أميركيين إلى الخارج، أشاد الرئيس الأميركي بحرارة، بـ"محاربي عاصفة الصحراء الذين وقفوا في وجه طاغية العراق"، في خطاب أعاد إلى الأذهان خطب سلفه جورج بوش. ولم يتوقّف أوباما هنا، بل أعرب عن تمجيده "للجيل الأميركي العظيم الذي دافع عن شعب كوريا الجنوبية وخاض معارك عنيفة في فيتنام، وأوقف التطهير العرقي في البلقان".
والأخطر من ذلك، أنّ أوباما الذي أوصلته معارضة الحروب ووعوده بإعادة الجنود الأميركيين من العراق وأفغانستان، إلى البيت الأبيض، عاد ليقرّ بأنّ "انتهاء الحرب ليس سوى بداية التزامات جديدة، وهو ما يعني ضمنيّاً أن انتهاء حرب لا يعني إلا ولادة حرب أخرى.
وعلى الرغم من أنّ أوباما حاول الإيحاء بأنّه يقصد بالالتزامات، توفير حياة كريمة للمحاربين القدماء والمقاتلين في صفوف القوات الأميركية، من جرحى الحروب السابقة، لكنّ تشديده على ذلك بصورة أكبر من المعتاد هذا العام، مقارنة مع خطاباته في الأعوام السابقة، يشير بجلاء إلى رغبة أوباما في توجيه رسالة تطمين إلى المحاربين الحاليين، مفادها أنّ الحكومة ستهتمّ بهم ولن يعانوا ممّا يعانيه حاليّاً المحاربون القدماء، الذين عادوا، إلى وطنهم، جرحى أو معاقين، وقوبلوا بإهمال من إدارته في الفترة السابقة.
ويُستدلّ من ذلك على أجندة أوباما العسكريّة، خصوصاً أنّ التوقيت يأتي بعد تأكيد وزارة الدفاع الأميركية والبيت الأبيض، أنّ القائد الأعلى للقوات المسلّحة الأميركيّة سمح لوزير الدفاع، تشاك هيغل، بنشر 1500 جندي أميركي إضافي خلال الأشهر المقبلة، للقيام "بدور غير قتالي، ولتوسيع نطاق مشورتنا ومساعدة البعثة، والشروع في عملية تدريبية شاملة للقوات العراقية".
وكان هيغل قد رفع هذه التوصية إلى أوباما، بناءً على طلب الحكومة العراقيّة، وتقييم القيادة الوسطى الأميركية للوحدات العراقيّة، ومدى التقدّم الذي أحرزته القوات الأمنيّة العراقيّة في الميدان، وبالتنسيق مع وضع خطة لحملة دول التحالف، تهدف إلى الدفاع عن المناطق الرئيسية، والتحوّل إلى وضع هجومي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وتعتزم القيادة الوسطى الأميركية، وفق وزارة الدفاع، تأسيس مركزين لعمليات الحملة العسكرية في ما يتعلق بالمشورة والمساعدة، في موقعين خارج بغداد وأربيل لتقديم الدعم للعراقيين على مستوى قيادة الألوية وما فوق. وسيحظى المركزان بدعم مجموعة مناسبة من قدرات حماية القوات. كما ستؤسّس القيادة الوسطى الأميركيّة مواقع عبر العراق لاستيعاب مهمة تدريب 12 لواءً من القوات العراقيّة، وتحديداً تسعة ألوية من الجيش العراقي وثلاثة ألوية من قوات البشمركة الكردية، علماً أنّ هذه المواقع ستكون في شمالي العراق وغربه وجنوبه.
ومن المقرّر وفق الخطة ذاتها، أن ينضم شركاء في التحالف إلى الأفراد الأميركيين في هذه المواقع، للمساعدة على بناء القدرات العراقيّة، على أن يجري تمويل التدريب عن طريق طلب بإنشاء صندوق لتدريب العراقيين وتجهيزهم، تقدّمه الحكومة إلى الكونغرس، فضلاً عن طلب مماثل من الحكومة العراقية. وخلال الأسابيع المقبلة، وتزامناً مع استكمال تحديد مواقع التدريب، ستعكف الولايات المتحدة مع الدول الأعضاء في التحالف الدولي على العمل لتقرير عدد الأفراد المطلوبين من الولايات المتحدة ودول التحالف للتمركز في كل موقع من أجل عملية التدريب.
وتفيد البيانات الأميركيّة أنّه "في نهاية المطاف، ستمكّن القوات العراقية عند استكمال تدريبها، الدولة العراقية من الدفاع عن أبناء شعبها بصورة أفضل، وعن حدودها ومصالحها في مواجهة خطر تنظيم "داعش"، مؤكّدة أن "هذا المجهود يتماشى مع الاستراتيجيّة الرئيسية للعمل مع شركائنا على الأرض لتدمير "داعش".
من جهته، يوضح البيت الأبيض، تعليقاً على نشر مزيد من القوات الأميركية في العراق، أنّ إحدى ركائز استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم "داعش" هي "بناء قدرات القوات العراقية المحليّة للمبادرة إلى مهاجمة "داعش" داخل معاقله". ويشير، في بيان صادر عنه، إلى "أنّنا نقدّم هذا الدعم لقوات الأمن العراقيّة، من خلال تقديم المشورة وبرامج المساعدة، ومن خلال توفير الأسلحة والمعدات والاستخبارات، ومن خلال شنّ الغارات الجويّة مع شركائنا في التحالف لتمكين شركائنا العراقيين من النجاح. وكجزء من استراتيجيتنا لتعزيز الشركاء على الأرض".
ويشكّك معلّقون أميركيون في صحّة أن تكون مهمّة القوات الإضافيّة أو حتى السابقة، غير قتاليّة، على الرغم من تأكيدات البيت الأبيض أن القوات الأميركية لن تنخرط في القتال، لكنها ستتركز في مواقع أفضل لدعم قوات الأمن العراقية، فيما تحارب الأخيرة تنظيم "داعش" وتهاجمه داخل معاقله.
ويقول البيت الأبيض، إنّ أوباما اتخذ هذه القرارات، بناء على طلب من الحكومة العراقيّة وبناء على توصية من الوزير هيغل وقادته العسكريين على أساس الاحتياجات المقررة من جانب قوات الأمن العراقيّة، لكنّ يمكن لهذه الطلبات والتوصيات أن تتغيّر في أي لحظة، إلى طلبات لتنفيذ مهمات قتاليّة بحجة مواجهة الخطر.
ويحرص البيت الأبيض دوماً على القول، إنّ "تنفيذ المهمات يجري بالتنسيق مع التحالف متعدد الشركاء"، في وقت يزعم فيه الأميركيون أنّهم "أذاقوا تنظيم "داعش" طعم الهزائم على الرغم من إصرارهم على أنّ قواتهم لا تقاتل حاليّاً".
ويؤكد أوباما أنّ الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف، سيواصلون مواجهة التهديد الذي يشكله "داعش"، بـ"قوة وعزم فيما نسعى إلى إضعافه والحدّ من قدراته وهزيمته في نهاية المطاف من خلال حملة شاملة ومستدامة لمكافحة الإرهاب".
وفي محاولة رفع المعنويات والإشارة إلى معارك محتملة في الفترة المقبلة، لم يتردّد أوباما في الفترة الأخيرة في إبداء حرصه على إظهار تقديره لما يصفه بـ"تفاني وشجاعة أفراد القوات الأميركية، رجالاً ونساءً، الذين طلب منهم تنفيذ هذه المهمة نيابة عن الشعب الأميركي".