أهوال في مناطق "قسد"

04 نوفمبر 2018
في عين عيسى بالرقة (كريس ماكغراث/ Getty)
+ الخط -


باتت مخيمات النازحين السوريين في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) معروفة بـ"مخيمات الموت"، لسوء الأوضاع الإنسانية فيها وتكرر الوفيات جراء نقص الرعاية الصحية، ومنع المنظمات الإنسانية، في كثير من الأحيان، من الوصول إليها، بهدف الإشراف. كذلك، يتخوف أهالي هذه المخيمات من تكرار سيناريو الشتاء من كلّ عام، إذ تتفشى فيه أمراض البرد، ولا تتوافر الأدوية والملابس الثقيلة، وتتهدد الأمطار والفيضانات خيمهم.

يوضح المنسق العام للرابطة السورية لحقوق اللاجئين، مضر حماد الأسعد، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك عدة مخيمات في مناطق سيطرة قسد، منها مخيم أبو خشب، في جنوب محافظة الحسكة بالقرب من الحدود الإدارية مع دير الزور، ومخيم السد، إلى جانب بحيرة الحسكة الجنوبية، ومخيم الهول، جنوبي شرق الحسكة، بالقرب من الحدود العراقية، وهو مخيم قديم أنشئ في التسعينيات للاجئين العراقيين، وحالياً يقطن فيه عراقيون وسوريون. وهناك مخيمات عشوائية، مثل مبروكة، ورجم الصليبي، وبالقرب من تل أبيض، وفي قرى التركمان، وفي قرى الفرات التي منع أهلها من العودة إلى مساكنهم فيها فأنشأوا مخيمات قريبة".

عن الحياة هناك، يقول الأسعد: "صعوبات كثيرة جداً تعترض النازحين، فهناك نقص واضح في الأدوية والأغذية ومياه الشرب، ترافقه إجراءات أمنية سيئة جداً في حق السكان". يؤكد الأسعد أنّ مخيم السد تحديداً، مخيم سيئ جداً، وقد وقعت فيه وفيات بسبب الإجراءات الأمنية القاسية، والنقص الكبير في الغذاء والطبابة، كما وقعت إصابات بلدغات عقارب وثعابين، وبسبب عدم توافر الإسعاف الطبي السريع تزداد الخطورة على المصابين بتلك اللدغات ما قد يؤدي إلى الموت. يتابع أنّ مخيم رجم الصليبي يعتبر من أسوأ المخيمات في العالم حتى، فقد قتل كثير من سكانه على يد حزب الاتحاد الديمقراطي، الكردي (PYD) أو عبر عصابات إجرامية، ويقول: "في المجمل، فإنّ المخيمات التي تقع تحت سيطرة قسد والاتحاد الديمقراطي، معروفة بمخيمات الموت، بسبب ما تعانيه من إجراءات أمنية مشددة ونقص في المياه الصالحة للشرب وفي الطبابة والمتابعة الصحية، بالإضافة إلى التجنيد الإجباري للشباب من الجنسين، وخطف القاصرين، خصوصاً الفتيات".




يتابع الأسعد: "باسم الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، نتمنى من الأمم المتحدة التدخل لإنقاذ الشعب السوري في هذه المخيمات، وكذلك نطلب من قيادة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الضغط على قيادة قسد والأحزاب الانفصالية الكردية من أجل تحسين واقع هذه المخيمات، وعدم سرقة المساعدات التي تصل إليها، وتخفيف الإجراءات الأمنية عن الأهالي، ومنع تجنيد القاصرات والقاصرين". ويردف الأسعد أنّ الكثير من النازحين في هذه المخيمات سرقت أموالهم ومجوهراتهم وسياراتهم فضلاً عن أوراقهم الثبوتية لملكيات مختلفة من عقارات وسيارات وغيرها، إذ أخذت منهم عنوة أو نشلت من جانب حزب الاتحاد غالباً. يضيف: "في الحقيقة، ما يمكن قوله عن هذه المخيمات أنّ الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود".

معظم النازحين هناك هم من أبناء محافظات الرقة ودير الزور والرقة والحسكة، وبعضهم من ريف إدلب وريف حلب وكذلك من البادية السورية. ومن يرغب في الخروج من هذه المخيمات عليه أن يدفع رشوة تراوح بين 500 و1000 دولار أميركي عن كلّ فرد، ويتقاضاها حراس ومسؤولو المخيمات من عناصر المليشيات الكردية.

صحياً، يشير الأسعد إلى أنّ في هذه المخيمات الكثير من الأمراض الخطيرة والمعدية، والتي تبدأ من الأمراض الجلدية والمعوية وتمتد إلى السلّ والتيفوئيد، بالإضافة إلى أمراض ضغط الدم. يعلق: "الوضع الإنساني سيئ جداً، وحتى أهالي المناطق القريبة أو العشائر أو بعض المنظمات الأهلية التي ترغب في تقديم المساعدات للنازحين، يصدهم الاتحاد الديمقراطي، ويرفض رفضاً قاطعاً توزيع المساعدات لسكان المخيمات، بل ربما يأخذ الإعانات ولا يقدمها للنازحين الذين يبلغ عددهم في المخيمات الواقعة في المناطق التي تسيطر عليها قسد والأحزاب والمليشيات الكردية، نحو 200 ألف نسمة، بعد هرب كثير من النازحين من تلك المخيمات عن طريق رشوة الحراس".



كنازح في مخيم الهول، يتخوف ابن مدينة دير الزور محمد أبو عزام، من فصل الشتاء خصوصاً، والمعاناة التي ستكون فيه، كون سكان المخيم يعتمدون في التدفئة على الحطب الذي يشعلونه خارج الخيمة حتى يصبح جمراً ثم يدخل إلى الخيمة ليزيل قليلاً من البرد عن الأطفال، لكنّه في المقابل يضرّ بصحتهم كثيراً، إذ يمكن ان يتسبب في اختناقهم إذا كانت الخيمة مغلقة بإحكام، فضلاً عن انتشار أمراض الأنفلونزا والأمراض الناجمة عن البرد. يضيف أبو عزام، لـ"العربي الجديد": "منحونا أغطية بالكاد تعيننا على تحمل البرد، بالرغم من طلبنا المزيد منها، إذ إنّها لا تكفي، كما طلبنا أنواعاً أفضل من الأغطية، لكنّ القائمين على المخيم من مسؤولي قوات سورية الديمقراطية، كانوا دائماً يقولون لنا سنزودكم بها، وأمضينا الشتاء الماضي بما لدينا من أغطية، ولم يزودونا بشيء. وبينما تمكن بعض النازحين من إدخال أغطية من منازلهم خلال نزوحهم من بلداتهم وقراهم إلى المخيم، فإنّ آخرين هربوا بما عليهم من ملابس فلا يملكون أيّ أغطية غير تلك التي قدمها المخيم".

من جهتها، تقول كريمة محيسن، لـ"العربي الجديد": "في الصيف نطهو الطعام خارج الخيمة، وكنت أستيقظ في الصباح الباكر لأعد عجينة الخبز وتساعدني ابنتي، وبعد اختمارها أشعل النار بموقد الحطب ثم تخبز عليه باستخدام الصاج. لكن في الشتاء، تصبح العملية أكثر صعوبة، فالأرض موحلة والبرد في الصباح شديد، ويمكننا فعل شيء وحيد هو أن نعدّ الخبز ليومين أو ثلاثة أيام مسبقاً، كي لا نضطر للخروج في تلك الدرجات المتدنية، علماً أنّ البرد يساعد في حفظ الخبز". وعن الأوضاع المعيشية عامة في المخيم، تقول: "سابقاً، كنا نحصل على القليل من المساعدات الإغاثية كالسكر والشاي ومعلبات البازيلاء ومعجون الطماطم، لكن منذ عدة أشهر لم نعد نحصل على شيء منها، ولا نعلم لماذا توقف إمدادنا بهذه المساعدات البسيطة، بل حتى مياه الشرب التي كانت تقدمها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) لنا أوقفت. أعتقد أنّها خطوات لإجبارنا على العودة إلى بلداتنا وقرانا المهدمة في ريف دير الزور". تضيف محيسن: "العام الماضي، وزعت منظمة تابعة لقوات سورية الديمقراطية (قسد) ملابس وأحذية على الأطفال، لكنّ العدد كان قليلاً ولم يكفِ جميع أطفال المخيم. نتمنى أن يتكرر الأمر، على أن يكون العدد كافياً، ليحصل جميع الأطفال على الأحذية والملابس التي تحميهم من برد الشتاء وقسوته".




من جهته، يصف علاوي الحسين الأوضاع في مخيم السد بالمأساوية، ويضيف: "لا ماء هنا ولا دواء، ولا مساعدات إنسانية. كلّ شيء في المخيم عشوائي، وكثير من الخيم متضررة من شمس الصيف الحارقة وتحتاج إلى إعادة تأهيل. أكثر ما يخيفنا هو هطول الأمطار الغزيرة المرتقبة، لذلك نحفر حالياً قنوات إلى جانب الخيام، لتصريف المياه كي لا تدخل إلى الخيام وتغرق ما فيها، إذ ستكون مصيبتنا كبيرة عندها مع صعوبة التخلص من المياه في حال تمكنت من الدخول إلى الخيم. حدث مثل هذا في فصل الشتاء الماضي، إذ فاجأتنا عاصفة وأمطار أغرقت الخيم، وأدت إلى مشاكل صحية، ولم ينجُ أحدٌ من سكان المخيم منها". ويلفت الحسين إلى المعاملة السيئة التي يتلقاها النازحون من قبل الكوادر في النقاط الطبية داخل المخيم، إذ ينتظرون طوابير بالعشرات خارج تلك النقاط، لمراجعة الطبيب أو الحصول على الأدوية. يؤكد أنّ هذه المعاملة تتحسن نوعاً ما، عندما تحضر اللجان التابعة لمنظمة "يونيسف" إلى المخيم وتتولى مهام الإشراف أو المراقبة في النقاط الطبية، لكن ما إن ترحل تلك اللجان، حتى تزول المعاملة الحسنة تلقائياً، ويعود الأمر إلى سابق عهده.