فيلمان مصريان حديثا الإنتاج يعكسان شيئاً من أزمة ابتكار نصّ سينمائي، ومعالجة بصرية، وتوثيق فنّي لعيشٍ يوميّ يُسرف أفرادٌ كثيرون في عيشه: "صاحب المقام" لمحمد جمال العدل و"رأس السنة" لمحمد صقر، المُنتجان عام 2020. يغرق الأول في تنظير فكري إيديولوجي غير سينمائيّ البتّة، يتناول مفاهيم الأخلاق والتوبة وتقديس مقامات الأولياء والتواصل مع ماورائيات، في زمن الانكسار والخيبة من أحوال الأرض وناسها. يقع الثاني في ثرثرة مُطوّلة عن شؤون بيئة ثرية، وتفكّك عائلاتها وأفرادها، وانهماك فقراء في تذلّل من أجل لقمة عيش "نظيفة"، وإنْ تأتيه من جيوب أناسٍ يُغامرون بحيواتهم من أجل متع عابرة.
للفكر أهمية، يُفترض بها ألّا تغلب السينمائيّ في فيلمٍ، يُراد له أنْ يجذب مشاهدين كثيرين إلى عوالمه، كما إلى تفكير أصحابه. مع "صاحب المقام"، تغيب السينما. مع "رأس السنة"، تتقلّص السينما بسبب إطالة مدّة سرد الأحداث، وبسبب ثقل مَشاهد غير نافعة. في القاهرة، هناك ثريّ (آسر ياسين) متعجرف وغير مهتمّ بعائلته (زوجة وابن)، يصطدم بحالة صحّية خطرة لزوجته، بعد هدمه مقاماً، فيبدأ رحلة التوبة الناقصة بحثاً عن خلاصٍ لامرأته، وسعياً إلى ترميم ذاته. الأثرياء في الغردقة أو محيطها يهيمون في أزقّة أرواحهم المُصابة بأعطاب، وتتشتّت مساراتهم ومصائرهم، ويُظهرون عطباً في أحوالهم يحتاج (إظهار العطب) إلى فعل سينمائيّ يبتعد عن المباشرة والتسرّع.
تغيب السينما، فثرثرة التنظير الفكري لـ"صاحب المقام" إبراهيم عيسى مملّة ومسطّحة وساذجة وغير مُعالَجة سينمائياً بشكلٍ كافٍ. وثرثرة أغنياء الغردقة في "رأس السنة" تحتاج إلى تخفيف، كلامي وبصري، كي تتكامل تلك القصص الحياتية اليومية في قالبٍ سرديّ يتماسك في بناء درامي وجمالي يفقده الفيلم غالباً. غياب حدّ فاصل بين وهم وواقع (شخصية روح في "صاحب المقام"، التي تؤدّيها يُسرا) يُسيء إلى حبكةٍ محتاجة إلى تأهيل سينمائيّ؛ وامتناع "رأس السنة" عن لجم طول مشاهد وحوارات لا فائدة منها سببٌ في إثارة نوعٍ من ملل في متابعة تلك الحكايات المعروفة أصلاً.
هذا مأزق يطرح تساؤلاً: أهذه هي الصورة المطلوبة لإنتاجٍ سينمائي مُنتظر؟