فجأة ومن دون سابق إنذار، باتت مصر المصدر الرئيس لبعض السلع الأساسية في قطاع غزة، التي توقفت إسرائيل عن إدخالها عبر المعابر التجارية كفعل عقابي على تواصل إطلاق الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة. فقد أصبحت مصر المصدر الوحيد لتزويد غزة بالغاز المعد للاستخدام المنزلي، بعد أن كان القطاع يعتمد على إسرائيل في استهلاكه لهذه السلعة. إلى جانب ذلك، فإن القاهرة باتت تزوّد محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع بالوقود، وكذلك غزة بالبنزين والسولار، إلى جانب مواد أساسية أخرى.
وتُعدّ هذه المرة الأولى التي تقوم فيها مصر بتزويد القطاع بالسلع الرئيسية بشكل رسمي وليس عبر أنفاق التهريب التي كانت تربط بين شمال سيناء وقطاع غزة، والتي شرع نظام عبدالفتاح السيسي في العام 2014 بتدميرها.
وتبدو المفارقة كبيرة عندما يتبيّن أن إسرائيل تغض الطرف عن قيام مصر بإدخال مواد أساسية لقطاع غزة، تدعي تل أبيب أن لها استخداماً مزدوجاً خطيراً، مثل الإسمنت، الذي يزعم جيش الاحتلال أن حركة "حماس" تستخدمه بشكل أساس في بناء الأنفاق الهجومية. ونظراً لطابع الشراكة الاستراتيجية الوثيقة والتنسيق الأمني العميق بين إسرائيل ونظام السيسي، فلا يمكن الافتراض أن مصر تقوم بإدخال هذه المواد من دون موافقة تل أبيب، إذ إن القاهرة التزمت الصمت عندما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قبل حوالي شهر أن مصر لا تقوم بفتح أو إغلاق معبر رفح إلا بعد التنسيق مع إسرائيل.
وفي حال واصلت تل أبيب "معاقبة" قطاع غزة بمنع وصول المزيد من المواد والسلع عبر المعابر التجارية التي تربط إسرائيل بالقطاع، وقامت مصر في المقابل بتزويد القطاع بهذه المواد، فإن هذا التطور يؤسس لواقع يتم فيه استدراج غزة للاعتماد اقتصادياً بشكل كلّي على مصر، وهو ما يمثّل هدفاً استراتيجياً لإسرائيل. فالوزراء الإسرائيليون يجاهرون بأن دفع غزة للاعتماد اقتصادياً على مصر يمثّل استجابة لأحد أهم متطلبات "الأمن القومي" الإسرائيلي، علاوة على أنه يوفر بيئة لتجسيد المنطلقات الأيديولوجية لليمين بزعامة "الليكود"، الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
اقــرأ أيضاً
إلى جانب ذلك، فإن الدفع نحو اعتماد غزة على مصر في الحصول على السلع الرئيسية والأساسية، قد يكون مرتبطاً ببعض الأفكار المتعلقة بالمشاريع الاقتصادية والتي طُرحت أخيراً بوصفها عاملاً من عوامل مسار التهدئة الطويلة المقترح بين المقاومة في القطاع، وإسرائيل.
فبعض المشاريع المقترحة لمسار التهدئة تقوم على العمل على إحداث تحوّل جذري على الواقع الاقتصادي والإنساني في غزة، من خلال تدشين مشاريع اقتصادية وبنى تحتية لخدمة القطاع داخل سيناء. ناهيك عن أن نظام السيسي نجح خلال المباحثات التي جرت في القاهرة بهدف التوافق على مسار تهدئة، في إقناع "حماس" بأن تقبل بتدشين الرصيف البحري، الذي يفترض أن يتم عبره تصدير واستيراد البضائع لقطاع غزة في ميناء بور سعيد المصري.
ولعل أوضح مظاهر الارتياح التي عبّرت عنها أوساط اليمين الحاكم في تل أبيب لربط قطاع غزة بمصر اقتصادياً، هو ترحيب وزير الاستخبارات والمواصلات الليكودي يسرائيل كاتس، الذي قال إنه يتوجب تأييد كل المقترحات المتعلقة بمسار التهدئة مع المقاومة في قطاع غزة إن كانت ترتكز على تدشين مشاريع بنى تحتية داخل مصر.
لكن أخطر ما يراهن ائتلاف اليمين الحاكم في تل أبيب على تحقيقه من خلال ربط قطاع غزة بمصر اقتصادياً، ليس فقط التخلص من تبعات اعتماد القطاع على إسرائيل اقتصادياً، بل بشكل أساسي تكريس الفصل السياسي بين الضفة الغربية وغزة. ففي الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي تكريس الوقائع الاستيطانية والتهويدية في الضفة الغربية، بدعم من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن إلحاق غزة بمصر اقتصادياً يمهّد نحو تكريس القطاع كوحدة سياسية منفصلة يمكن التعاطي معها واقعياً كـ "دولة فلسطينية"، وهذا ما يستجيب لما جاء في المقترحات التي بلورتها إدارة ترامب لحل الصراع، والتي يُطلق عليها "صفقة القرن".
إلى جانب ذلك، فإن إلحاق غزة بمصر اقتصادياً يعزز من قدرة إسرائيل على تحقيق أهداف استراتيجية وأمنية أخرى. فنظام السيسي الذي يواجه أزمة شرعية داخلية، يرى في العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل مصدراً مهماً في تأمين الشرعية الخارجية، مما يجعله لا يتردد في التجنّد لخدمة مصالح تل أبيب. فعلى سبيل المثال، كلما تعاظم ارتباط قطاع غزة اقتصادياً بمصر، كلما تعززت قدرة نظام السيسي على ابتزاز حركة "حماس"، ومنعها من التعرض لإسرائيل عسكرياً، إلى جانب محاولة إجبار الحركة على إبداء مرونة في كل ما يتعلق بملف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها.
ومما يغري نظام السيسي بالتحمس لإلحاق غزة بمصر اقتصادياً، حقيقة أن إمبراطورية الجيش المصري الاقتصادية ستكون أكثر المستفيدين من هذا الربط، إذ إن الكثير من السلع التي تدخل غزة تكون من إنتاج مصانع الجيش، مثل الإسمنت، ناهيك عن استفادة النظام من الضرائب التي ستفرض على حركة البضائع.
وتُعدّ هذه المرة الأولى التي تقوم فيها مصر بتزويد القطاع بالسلع الرئيسية بشكل رسمي وليس عبر أنفاق التهريب التي كانت تربط بين شمال سيناء وقطاع غزة، والتي شرع نظام عبدالفتاح السيسي في العام 2014 بتدميرها.
وفي حال واصلت تل أبيب "معاقبة" قطاع غزة بمنع وصول المزيد من المواد والسلع عبر المعابر التجارية التي تربط إسرائيل بالقطاع، وقامت مصر في المقابل بتزويد القطاع بهذه المواد، فإن هذا التطور يؤسس لواقع يتم فيه استدراج غزة للاعتماد اقتصادياً بشكل كلّي على مصر، وهو ما يمثّل هدفاً استراتيجياً لإسرائيل. فالوزراء الإسرائيليون يجاهرون بأن دفع غزة للاعتماد اقتصادياً على مصر يمثّل استجابة لأحد أهم متطلبات "الأمن القومي" الإسرائيلي، علاوة على أنه يوفر بيئة لتجسيد المنطلقات الأيديولوجية لليمين بزعامة "الليكود"، الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
إلى جانب ذلك، فإن الدفع نحو اعتماد غزة على مصر في الحصول على السلع الرئيسية والأساسية، قد يكون مرتبطاً ببعض الأفكار المتعلقة بالمشاريع الاقتصادية والتي طُرحت أخيراً بوصفها عاملاً من عوامل مسار التهدئة الطويلة المقترح بين المقاومة في القطاع، وإسرائيل.
فبعض المشاريع المقترحة لمسار التهدئة تقوم على العمل على إحداث تحوّل جذري على الواقع الاقتصادي والإنساني في غزة، من خلال تدشين مشاريع اقتصادية وبنى تحتية لخدمة القطاع داخل سيناء. ناهيك عن أن نظام السيسي نجح خلال المباحثات التي جرت في القاهرة بهدف التوافق على مسار تهدئة، في إقناع "حماس" بأن تقبل بتدشين الرصيف البحري، الذي يفترض أن يتم عبره تصدير واستيراد البضائع لقطاع غزة في ميناء بور سعيد المصري.
ولعل أوضح مظاهر الارتياح التي عبّرت عنها أوساط اليمين الحاكم في تل أبيب لربط قطاع غزة بمصر اقتصادياً، هو ترحيب وزير الاستخبارات والمواصلات الليكودي يسرائيل كاتس، الذي قال إنه يتوجب تأييد كل المقترحات المتعلقة بمسار التهدئة مع المقاومة في قطاع غزة إن كانت ترتكز على تدشين مشاريع بنى تحتية داخل مصر.
إلى جانب ذلك، فإن إلحاق غزة بمصر اقتصادياً يعزز من قدرة إسرائيل على تحقيق أهداف استراتيجية وأمنية أخرى. فنظام السيسي الذي يواجه أزمة شرعية داخلية، يرى في العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل مصدراً مهماً في تأمين الشرعية الخارجية، مما يجعله لا يتردد في التجنّد لخدمة مصالح تل أبيب. فعلى سبيل المثال، كلما تعاظم ارتباط قطاع غزة اقتصادياً بمصر، كلما تعززت قدرة نظام السيسي على ابتزاز حركة "حماس"، ومنعها من التعرض لإسرائيل عسكرياً، إلى جانب محاولة إجبار الحركة على إبداء مرونة في كل ما يتعلق بملف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها.
ومما يغري نظام السيسي بالتحمس لإلحاق غزة بمصر اقتصادياً، حقيقة أن إمبراطورية الجيش المصري الاقتصادية ستكون أكثر المستفيدين من هذا الربط، إذ إن الكثير من السلع التي تدخل غزة تكون من إنتاج مصانع الجيش، مثل الإسمنت، ناهيك عن استفادة النظام من الضرائب التي ستفرض على حركة البضائع.