أن نذهب للّعب معاً

14 يناير 2015
السلطة تعمل كرجل أمن لحماية إسرائيل (أ.ف.ب)
+ الخط -

الحديث حول تجربتي الشخصية مع الاعتقال السياسي دون وسم المقالة بأنها هزلية أمر صعب جداً، لأنّ الوقائع بذاتها، مع مرارتها، مُضحكة، مزيج مع الغباء المُضحك، ولأن القمع الذي تمارسه السلطة يتناسب طردياً مع مقدار غبائها، فلك أن تتخيّل حجم الكوميديا السوداء! سأقفز عن التحقيق الذي حدث معي قبل سنتين في جهاز الأمن الوقائي، لأتحدث عن القصة "الطّازة" التي حدثت معي من شهرين ولا تزال مستمّرة. الحكاية بدأت عندما وصلت معبر أريحا عائداً من السفر.

عندما وضعت قدمي خارج الباص، تلقّفتني المخابرات الفلسطينية، تم إخضاعي لتحقيق "سريع"، قاموا بفتح حقيبة سفري وتفتيش كل الأغراض التي بداخلها، حتى التفتيش داخل الحذاء. أما اللابتوب فقد أشرقت وتهللت وجوه الضباط حينما علموا أنه معي. مهما حاولت تفسير العشق بين ضابط المخابرات والأجهزة الالكترونية للمتهم فلن تستطيع أبداً. صاح الضابط للمسؤول الذي يتكلّم معه "تم ضبط فلاش ميموري مع المتهم!"، ضحكت بداخلي، كيف كانت نبرته تدلّ على أنه سيكتشف كنزاً داخل هذه الفلاشة، غالباً قد تخيّل ملفّات آكسل ووورد تحمل بداخلها هيكلية حماس وأسماء أعضائها مع وسائل الاتصال، لكنّه شعر بخيبة أمل عندما عرضت عليه أن أقوم بفتحها حتّى يفتّشها، ولم يصدق عينيه عندما لم يجد إلا صوري وأنا مبسوط في اسطنبول. مع هذا لم يسمح لي باستردادها، فهو في النهاية لم يصدّق، ويصر أن عليها أموراً محظورة! وعندما لم يجدوا معي أيّ شيء يدينني أو يثير الريبة، قاموا بمصادرة جهاز اللابتوب بدون أمر من المحكمة، وعندما راجعت المحامي، قال لي: بإمكانك أن تقاوم وترفض تسليم اللابتوب، ولكنّهم سيأخذونه بالقوة في النهاية. ما قاله المحامي يعبّر عن مدى قوة الأجهزة الأمنية وتفوّقها على السلطة القضائية في غياب تام للسلطة التشريعية الفلسطينية.

تم إطلاق سراحي مع طلب لمراجعتهم بعد أسبوع، وفعلاً ذهبت إلى المقر في الموعد المحدد. دخلت إلى غرفة التحقيق، بدأ الكلام بطريقة محترمة، وبعد إنكاري للتهم التي لا أساس لها من الصحة حول نشاطات سياسية في الجامعة، والتي تدعي السلطة السماح بها! بدأ الصراخ يعلو الغرفة مصحوباً بالتهديدات. وبعدها تم التحقيق معي عن السفر منذ أول مرة خرجت بها من الضفة حتى آخر زيارة لي إلى تركيا. طلبهم كان بسيطاً جداً، أن أعترف بأني التقيت بقادة حماس في تركيا، وقد خططت معهم "لأمور سودة". أعجبني هنا أنه لم يحدد ضد السلطة أو إسرائيل، فمن البديهيات أن السلطة تعمل كرجل أمن لحماية إسرائيل، وأي ضرر يهددها فهو يأتي بأثر رجعي سيّئ على السلطة. وبما أنه لا يوجد أي دليل لدى جهاز المخابرات ضدي، فقد أصروا على أن الدليل الذي يريدونه موجود داخل اللابتوب الخاص بي. ولطبيعة دراستي في علم الحاسوب ولطبيعة عبقريتهم، لم يستطيعوا فتحه طيلة الأسبوع السابق، فطلبوا مني فتح اللابتوب داخل التحقيق، وعندما رفضت، اعتبر المحقق العبقري أن هذا دليل على وجود أمر ما يدينني! قام بتهديدي بالسجن والمنع من السفر إذا لم أقم بفتحه، وبعد رفضي مجدّداً، قام بنقلي إلى سجن "الجنيد"، حيث بقيت هناك لمدة يوم ومن ثم أطلق سراحي بعد "تدخلات من أطراف متنفّذة". ولولا هذه التدخلات، فمن الطبيعي أن أبقى لأكثر من شهر في السجن بناءً على إحساس ضابط المخابرات بأنني فعلت شيئاً خاطئاً. هذا الإحساس يكلّفك الكثير عندما تعيش تحت رقابة سلطة بوليسية.

عندما قمت بمراجعة الجهاز للمرة الثانية والثالثة، كانت الأسئلة فقط حول مقالاتي السياسية، ولماذا أقوم بانتقاد السلطة. الأمر بسيط جداً، فسلطة لا تهتم بمشاريع الاستيطان التي تبتلع أراضي المواطنين أو القدس أو أي شيء ممّا يمس الثوابت، لكنّها تجد الوقت الكافي لقراءة مقالات مَن لا يعجبها تفكيرهم على الفيسبوك.

أما زيارتي لـ"الوقائي"، التي استمرت لثلاثة أيام، فقد سُئلت عن "ماذا حققت المخابرات؟"، فالجهازين الأمنيين لا يتبادلان المعلومات! بالإضافة إلى أنني "كثير غلبة، وبغلّب السلطة". حاول الضابط إقناعي بأن المقالات السياسية والفيسبوك وجع رأس. إن وجع الرأس في الحقيقة عندما يحاول الضابط إقناعك بأنه لا جدوى من المقاومة أبداً، وأن فلسطين لن تتحرر إلا مع خروج المهدي المنتظر. والأدهى والأمرّ، عندما اتهمني بالخروج في حركات كشفية مثيرة للريبة بناءً على صورة لي وانا ألعب "البينتبول"، وقتها قمت باللطم على خدّي وعرضت عليه أن نذهب هناك للعب معاً!


*فلسطين

المساهمون