لا نتعرّف بالترجمة على الآخر فحسب، بل نتعرّف أيضاً على ذاتنا. ولأن الإنسان - الابن القلق للطبيعة والابن الوحيد للتاريخ - هو نفسه منذ العصر الحجري، وما تطوّر فقط هو معرفته، ولأن الذي يكتب الآن هو نفسه ابن القرية الكنعانية أو الإغريقية أو الإنكية؛ فالشعر لا يسعه إلا أن يعود إلى هذه البديهية التي لا تتناسب مع غرور الإنسان المعاصر، بديهية أنه نفس الإنسان القديم وهو نفسه في كل مكان، بغضّ النظر عن أقنعة الثقافات والأوهام التي تحكمها.
هذا أبسط ما نتعلّمه من الشعر، وهو ما يصعّب الاعتراف به طوعاً. الإنسان كما تعرفون يبحث عن مرآة يعثر فيها على "شخصيته"، والشعر في عمقه هو المرآة المضادة التي تُظهر للرائي الآخرين في هذه الصورة/ الشخصية.
لا يغيب عنا أن كلمة persona في اللاتينية كانت تعني القناع، ولأن الممثّلين في الدراما الإغريقية كانوا يلبسون أقنعة أصبحت الكلمة تعني شخصية مسرحية. ولعلنا حين نترجم نضع أقنعة أيضاً، وبها تتضح شخصيتنا الجماعية.
مثلاً، نحن لا نقرأ أو نترجم الشعر الإسباني بقدر ما نبحث مواربة عن بعض ملامحنا المطموسة، ولعلّنا نبحث عن نساء ورجال من الشام والجزيرة العربية والمغرب العربي، لم يبق منهم سوى مخطوطات شعرية وأحفاد لا يعرفون أسلافهم. بقيت منهم أندلس ضائعة نبحث عنها، مثل سائر الناس، في الترجمة.
اقرأ أيضاً: شعر في كوكب بلوتو