أنجلينا تيني: أكثر من زوجة رياك مشار

06 يوليو 2018
طموح تيني أبعد من الرئاسة الأولى (ميناسي وونديمو هايلي/الأناضول)
+ الخط -
أثناء الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه بين عامي 1983 و2005، حضرت البريطانية الحسناء إيما ماكون، لتقديم خدماتها الإنسانية للأطفال المتأثرين بالحرب، لكن الصدفة أوقعتها في علاقة حب مع الرجل الثاني في "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، رياك مشار، فتزوجا في نهاية المطاف، وسط أحراج الغابات الاستوائية، وتحت دوي المدافع وقنابل الطائرات. لكن شهر العسل بين مشار والرجل الأول في الحركة الشعبية، جون قرنق، لم يستمر طويلاً، إذ اختلفا لحدّ القتال، بينما بدا قرنق مصراً على أن السبب الرئيس لذلك الخلاف ليس مشار بل زوجته البريطانية، التي اتهمها علناً بالجاسوسية والعمل على نشر الفوضى داخل الجنوب. ووصل الأمر بالأب الروحي لجنوب السودان إلى إطلاق اسم "حرب إيما" على النزاع بينه وبين مشار.

قُتلت إيما ماكون في حادث مروري في نيروبي عام 1993. ولا تزال نظرية المؤامرة تفرض نفسها على الحادثة، بينما تحولت القصة برمتها إلى كتاب تحت عنوان "حرب إيما"، أصدرته الكاتبة ديبورا سكروجنز، عن دار نشر "هاربر كولينز" في لندن عام 2003.

عاد مشار إلى حضن قرنق مطلع الألفية الجديدة، ووقعت الحركة الشعبية على اتفاق سلام مع الخرطوم. وقبل أن يبدأ تنفيذ الاتفاق، قُتل قرنق في حادثة تحطم طائرة في يوليو/ تموز 2005، وخلفه نائبه سلفاكير ميارديت. وحصل الجنوب على استقلاله في عام 2011، لكن كل شيء انهار تماماً في الدولة الوليدة على خلفية نزاع بين الرئيس سلفاكير ونائبه مشار. وهي خلافات حول الزعامة، تأجلت برغبة الطرفين لإكمال انفصال جنوب السودان.

في خضم ذلك الصراع، بدأ الحديث يدور همساً وجهراً عن دور زوجة أخرى لرياك مشار، واسمها أنجلينا تيني، وكيف أنها تحرك زوجها بـ"الريموت كنترول"، حتى تكون في المستقبل السيدة الأولى على مستوى جنوب السودان، فيما يُقدّر البعض أن طموحات "المرأة الحديدية"، كما يلقبونها، أكبر من لقب السيدة الأولى.

ليس هناك تاريخ موثق لميلاد تيني، ابنة توماس كوما المتحدر من قبيلة النوير، ثاني أكبر القبائل عدداً وتأثيراً في جنوب السودان. وتزوجت مشار، الذي كان أستاذ الهندسة بجامعة الخرطوم قبل مشاركته في تمرد الجنوب، وأقامت لفترة طويلة في بريطانيا، وتجيد التحدث باللغتين الإنكليزية والعربية.

وخلال الفترة الانتقالية بين عامي 2005 و2011، برز نشاطها السياسي داخل الحركة الشعبية، وباتت جزءاً أساسياً من صنع القرار. وبعد شد وجذب بين الحزبين الحاكمين، في ذلك الوقت، تقلدت منصب وزير الدولة بوزارة النفط. وفي انتخابات 2010 خاضت معركة انتخابية حامية الوطيس مع النائب الأول الحالي لرئيس الجنوب، تعبان دينق، حول منصب حاكم ولاية الوحدة المنتجة للنفط، لكنها خسرت المعركة ولم تعترف بالنتيجة. وكاد الصراع أن يتحول إلى صراع دموي، لولا تدارك الأمر من حكماء جنوب السودان.

بعد ذلك، تم اختيار أنجلينا عضواً في البرلمان القومي بجنوب السودان، وانشقت مع زوجها في عام 2013 مع بدء الحرب بينه وبين سلفاكير. وبمثل ما اتُهمت زوجة مشار، البريطانية إيما، بتحريك أوراق الحرب مع قرنق، بات الاتهام صريحاً لأنجلينا تيني بتحريك أوراق الحرب التي يقودها زوجها ضد سلفاكير.

ويقول النائب الأول الحالي لرئيس جنوب السودان، تعبان دينق، في واحد من حواراته الصحافية، إن "طموح أنجلينا الزائد لتكون سيدة أولى هو ما دفع مشار لهذا الوضع". ويضيف دينق أن "هنالك مشاكل في شخصية مشار بأنه لم يتعظ من الأشياء السابقة، خصوصاً طموح أنجلينا"، مشيراً إلى أن "الكثير مما يحدث من صراع هو من تدبير زوجته، بما في ذلك حادثة القصر الرئاسي". وهي حادثة مثلث شرارة المواجهات الأخيرة بين الطرفين في 2016، مبيناً أن "الزوجة الطموحة أرسلت قوة قوامها 300 شخص للقصر الرئاسي في جوبا أثناء اجتماع بين زوجها وسلفاكير. وهو ما أدى للاحتكاك والتوتر، ونشب القتال الذي لم يتوقف إلا خلال اليومين الماضيين بموجب اتفاق وُقع في الخرطوم"، مشيراً إلى أن "تيني تصدر الأوامر للجيش الموالي لرياك مشار، وتقول إنها وزيرة دفاع". ولم يتردد تعبان دينق في أن يسمي الحرب الأخيرة بـ"حرب أنجلينا تيني"، تماماً كما أطلق جون قرنق على الحرب الأولى اسم "حرب إيما".

أنجلينا تيني كثيراً ما تنفي تلك الاتهامات، وقالت في أكثر من مناسبة إنها "شخصية مستقلة وتتخذ قرارها السياسي بمفردها من دون تدخل من زوجها". وذكرت بالحرف الواحد أنه "حتى ابنها لن يستطيع التحكم في قراراتها وأنها حرة تماماً".

بدورها، أكدت الصحافية السودانية المتخصصة في شؤون جنوب السودان، مها التلب، هذه الفرضية، وقالت لـ"العربي الجديد"، إن "أنجلينا تيني شخصية قوية ومستقلة إلى حد بعيد، وأن هذا أكثر ما يميزها"، نافية ما ذهب إليه تعبان دينق من تحريكها للصراع الجنوبي الجنوبي، لكنها أشارت إلى أن "المرأة الحديدية وقفت مع زوجها بقوة وسارت معه مسيرة 40 يوماً من جوبا، عاصمة الجنوب، إلى حدود الكونغو، بعد ما واجهاه من مخاطر، وأنها عاشت معه كثيراً من المعارك". وأضافت التلب أن "طموح أنجلينا تيني مشروع تماماً، وهي تمضي فيه بهدوء لإيجاد موطئ قدم قيادي في الجنوب، بما في ذلك في أن تكون يوماً رئيسة لدولة الجنوب رغم النظرة السلبية التي تواجهها النساء في بلدان العالم الثالث، إذ لا تُعتبر المرأة إلا مجرد ظل للرجل، وهذا ما لا توافق عليه تيني".

وأوضحت التلب أن "أنجيلنا تيني أدت دوراً كبيراً في رفع الإقامة الجبرية عن زوجها باتصالاتها الدولية الواسعة، وأنها تؤدي دوراً مهماً جداً خلال المفاوضات الجارية هذه الأيام بين أطراف الأزمة في جنوب السودان. وتترأس حالياً لجنة الترتيبات السياسية من جانب المعارضة". وكشفت الصحافية السودانية أن "كل تلك المشاغل السياسية لم تشغل المرأة عن أن تظل أماً ترعى أبناءها الثلاثة، وتقف بنفسها على خدمة ضيوفها الكُثر الذين يفدون لمنزلها من سياسيين وصحافيين وزعماء قبائل وغيرهم".

وذكر مطلعون أن "غالبية الجنوبيين كثيراً ما تحركهم الروحانيات والغيبيات، بمن فيهم زوج أنجلينا تيني، رياك مشار، لكن أنجلينا تخالف زوجها ولا تؤمن إلا بالكد السياسي والعمل المؤسسي، ودخول المعركة حينما يحتاج الأمر إلى عراك". من جهته، يقول الصحافي الجنوب سوداني، غبريال شدار، إن "أنجلينا تيني تمثل اليد اليمنى لزوجها، وتقوم بدور كبير في مساندته، ولكنها تحتفظ أيضاً بشخصيتها السياسية، ولها طموحها الخاص في النفوذ السياسي، وكلاهما يتبادلان دور المساندة". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أنه "ليس هناك أي شبه بين تيني وإيما ماكون زوجة مشار البريطانية"، مشيراً إلى أن "ماكون أجنبية وكانت تقوم بدور أقرب إلى الجاسوسية". ويعزو شدار الطموح غير المحدود عند أنجلينا تيني لـ"خبرتها السياسية الكبيرة وحصولها على مستوى تعليمي عال جعلها ضمن النساء الأكثر تعليماً وحنكة سياسية في أعالي النيل (شمال) أو في كل البلاد بشكل عام".

المساهمون