أنت في تونس... إضحك يعيشك

17 سبتمبر 2014
أطراف خارجية لا تريد للتجربة أن تتقدم(ليونيل بونافانتور/فرانس برس)
+ الخط -

أنت في تونس هذا يعني أنك أمام سؤالين شخصي وعام. وللمرة الأولى، يختلط الشخصي بالعام، حتى الشعر في بلد أبو القاسم الشابي يذهب نحو نداء "إذا الشعب يوما أراد الحياة...". ومن هنا يستدرجنا الحال إلى التفكير بما وصل إليه التونسيون الذين تجرأوا على الحكم المستبد، ورفعوا شعاراً لم يكن يخطر على بال أحد "الشعب يريد". الشعب لا يريد اسقاط النظام فحسب، بل أيضاً يريد الحياة.

يتناول الشرطي التونسي جواز السفر، وحين يرى شعار الاتحاد الأوروبي يغير وضعيته، ويبتسم ثم يخضعه للفصح الالكتروني، وحين لا يجد شيئاً في جهاز الكومبيوتر يعود إلى التحقق بطريقة الاستجواب اللطيف. وعندما يرى قلقي، يبادر بالسؤال عن أحوال سورية. أقول له كما تراها من سيئ إلى أسوأ. يسترسل في الأسئلة فأذهب في سرد مأساوي. في نهاية الأمر لا يتمالك نفسه فيتحول من شرطي إلى صديق: أنت في تونس "اضحك يعيشك".

تونس رائحة الخريف المتوسطي وألوانه في النبات وإيقاع البشر يتعرف اليه أبناء المتوسط بسرعة ويدخلون بتلقائية في حضوره الحسي الذي يعني بدء سنة جديدة بعد صيف ينقضي في الاجازات والمهرجانات الاحتفالية وارتياد الشواطئ.

تونس اليوم تبدو على عكس ما كانت عليه في زمن بورقيبة وزين العابدين بن علي، إنها الحرية، ويشعر التونسيون بأنهم سبقوا العرب في الثورة وفي صونها من التدمير، ولذا يجد الزائر أن التونسي يتصرف بطمأنينة حذرة، لأن البلاد لا تزال تتهجى الطريق، ولكنها تتقدم بوعي. وعي للماضي والحاضر والمستقبل.

حين يتحدث الزائر مع عامة التونسيين يخرج بجملة من الخلاصات. أولها أن الكابوس "البوليسي" انزاح عن الصدور. ثانيها الأوضاع الأمنية، هناك قلق من عمليات إرهابية، والشعب التونسي يتصف عموماً بالميل الى اللين والبعد عن العنف، ولذا هناك إحساس عام بأن العمليات الإرهابية مدبرة من الخارج؟

من هو الخارج؟ البعض يعتبر أن هناك أطرافاً خارجية لا تريد للتجربة التونسية أن تتقدم، وثمة فئة غير قليلة، تجزم بأن المسؤول عن ذلك هم جماعات من الشباب التونسي أضاعت طريق العقل، وهي تعمل لأجندات لا علاقة لها بما يتعلق بهموم التونسيين، وهؤلاء في نظر التونسيين أقلية وفقاعة ستنتهي مجرد أن يسير القطار في الطريق الصحيح، وسيعود هؤلاء للظل والهامش كما كانوا من قبل، لأن حركة الشارع التونسي سوف تلفظهم، وتتقدم نحو الأساسيات وفق الأجندة التي توافقت عليها الأطراف التونسية كافة، الأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني.

الانشغال الثالث هو الأوضاع الاقتصادية، وهناك إجماع على أن تونس تضررت خلال الأعوام الثلاثة الماضية بسبب ما عاشته من أحداث وتطورات، وهذا أمر طبيعي، وثمة من يرى أن صمودها حتى الآن يقارب المعجزة، ذلك أن وعود المساعدات الاقتصادية تبخرت كلها، ولم يتم تلبية الا القدر اليسير منها. ولكن الحكومة التونسية الحالية تعطي القدر الأكبر من اهتمامها لملفي الأمن والاقتصاد، وقد حققت تقدماً ملحوظاً خلال الشهرين الماضيين.

ثمة عامل ترقب مهمّ يتعلق بالتوافقات التي قادت الى تحديد مواعيد نهائية للانتخابات التشريعية في 26 اكتوبر/ تشرين الأول والرئاسية في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبلين. وهذان الموعدان يشكلان اليوم الرهان الحقيقي للتونسيين للانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار السياسي، الذي سيقود حتماً إلى انتعاش اقتصادي وأمني. ومن هنا تدور غالبية النقاشات حول هذين الموعدين بعد أن فتحت أبواب الترشح، ورغم أهمية الاستحقاق التشريعي، حيث سيتم انتخاب أول برلمان يحل مكان المجلس التأسيسي الذي تكون بعد الثورة، فإن القسط الأكبر من النقاش يدور حول الاستحقاق الرئاسي، ورغم كثرة المرشحين، هناك قناعة تامة بأن المعركة الرئيسية ستكون بين الرئاسي الحالي المنصف المرزوقي الذي لم يعلن ترشحه في صورة رسمية حتى اليوم، وزعيم حركة "نداء تونس" الباجي قايد السبسي.

والمرزوقي هو شخصية حقوقية ومفكر وعامل في حقل حقوق الانسان، بينما يأتي السبسي من المدرسة البورقيبية التي استبعدها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عند انقلابه على بورقيبة العام 1987. ورغم أن الوقت مبكر لبناء تقديرات نهائية، فإن طريق السبسي لا تبدو معبدة على نحو جيد، فثمة عوامل تلعب ضده، فعامل السن (89 عاما) لا يخدمه، وصار مطروحا بقوة بعد ظهور شخصيات من داخل حركة السبسي لتعلن على الملأ بأن الرجل يعاني فوق ذلك من مشاكل صحية تمنعه من القيام بالمهمة في حال وصل إلى كرسي الرئاسة.

في هذا الوقت يتصرف المرزوقي بارتياح، ويبدو أن عدم اعلان ترشحه رسمياً هو جزء من خطة تهدف الى ترك الساحة تنشغل بالمرشحين الآخرين، ومن المؤكد أن كل نقطة ضعف لدى الخصوم سوف تزيد من رصيده الذي بناه في موقع الرئاسة الذي شغله لأقل من ثلاث سنوات، وكان أهم ما تحقق خلالها هو الوصول الى الاستحقاقين التشريعي والدستوري بأكبر قدر من التوافقات الداخلية.

المساهمون