أنا وأحمد زكي وكابوريا

07 ديسمبر 2016
+ الخط -


- أحمد زكي سأل عنك، وقالب الدنيا عليك

قلت لصديقي العب غيرها يا شاطر، فالمقالب تخصصي، وأنت على الأكثر، ممكن تعمل تمثيلية على خطيبتك، تبرر لها زوغانك من الشغل، وهي تمثل إنها صدقتك.


- والله سأل عنك، من ساعة، وممكن تسأل الأستاذ "د"، لأنه تقريباً اشتكى له من موضوع منشور عن "كابوريا"، أحد الأفلام النادرة التي لا أحبها للفنان العبقري.


جدية صديقي الريفي، وأشياء أخرى في تركيبته، وطيبته "المستفزة"، على حد وصف صديق مشترك لنا، وقبل ذلك "البطحة على راسي"، التي لا يشعر بها غيري، قربتني من حالة تصديق ما يقول، لكن المكابرة ورصيدي الهائل من المقالب في حقه، وغيره من الأصدقاء، دفعاني لطريق آخر في اكتشاف الحقيقة.


على بعد خطوات من مكتبي، الحقيقة أنه نصف مكتب، إذ كنت أتقاسمه مع زميلي في القسم، بالمبنى القديم لجريدة الجمهورية المصرية، باغتني "الريس"، عبد اللطيف فايد، أحد أساتذتي الأول في عالم الصحافة: الأستاذ "د"، يسأل عنك، أنت "هببت" إيه يا أستاذ نزار، الرجل حلف إن أحمد زكي قرر يقاطعه بعد صداقة عشرين سنة بسببك؟


كنت معتاداً على تهذيب "الريس"، وهو يناديني والزملاء بالقسم، بلقب "أستاذ"، نحن الذين في منزلة تلاميذ تلامذته، لكنها هذه المرة بالذات، كانت حاسمة بالنسبة لي في تصديق الرواية بالكامل؛ اتصل بالأستاذ "د"، وبعدها احكي لي "هببت إيه".


بعد نصف رنة، باغتني الأستاذ "د": "أنت نيلت إيه، خليت أحمد زكي عايز يسيب المهرجان في إسكندرية، ويجي يتخانق معي، الرجل حالف يقاطعني، قل لي كتبت إيه؟".

- يا أستاذ اليوم الخميس، والمجلة صدرت الأحد؟

- ابعد عن الاستهبال، وقل لي كتبت إيه في المقال؟

 لحظتها فقط، تذكرت، أنها كانت واحدة من المرات التي كلفني فيها "د"، بكتابة مقاله الأسبوعي، بتوقيعه هو طبعاً، لأنه على سفر، فسألته: قل لي يا أستاذ أي فقرة عملت المشكلة؟

- يا بني أنا صحيت على اتصال منه، وأنا مسافر وما شفت الجريدة، قل لي كتبت إيه؟

قرأت له مقاله، الذي لم يكتبه؛ فضحك ضحكة طويلة، واستبشرت خيراً، تصدق وتؤمن بالله يا نزار، أحمد زكي دا مجنون فعلاً، المفروض بعد المقال لا يقاطعني ولا نيلة، يدوب يجي يولع فينا، يا بني الفيلم في أول أسبوع عرض، وكنا متفقين معه على زيارة للمجلة وحوار، وكده كل سنة وأنت طيب".


لكن أنا قلت لك إني كاتب عن " كابوريا"، ومنتقد الفيلم، و.... وقاطعني: خلاص، نعمل له موضوع في المجلة، نصالحه، وأوعى تمد يدك في المادة، وفيه مسرحية جديدة في مسرح، فقاطعته هذه المرة: بلاش يا أستاذ، مسرح تهريج ولو كتبت فغالباً ممكن يولعوا في النقابة.


ضحك، واتفقنا على فترة راحة 3 أسابيع، يكتب هو فيها مقاله. وقد كان واحداً من أفضل كتاب النقد الفني بالصحف المصرية، لكن الوقت وانشغالات حياتية، وأشياء أخرى كثيرة، حالت بينه وبين الاستفادة من موهبته الكبيرة، وقد كان واحداً من الذين تعلمت منهم أيضاً.


عاد صديقي الريفي يسألني: ماذا كان يريد أحمد زكي منك؟ فبادرته: أبداً ولا حاجة طلب مني أكتب له سيناريو فيلمه الجديد، وبطيبة "مستفزة" فعلاً، سألني: وقلت له إيه؟

- أبداً، قلت له لما أنتهي من كتابة فيلم: " الهبل في سوق الإبل"، لأن نور الشريف يستعجلني.


وعن أحمد زكي، أقول، إنه بالنسبة لي أكثر المواهب العربية في تاريخ السينما، وواحد من الذين خسرتهم السينما العالمية، ربما لسبب رئيس هو عدم إجادته للغة الإنجليزية، وهو تفسير مريح لأجيال عربية متعاقبة، منذ غربت شمس حضارتهم. والتفسير الأكثر واقعية في تقديري أن العرب لم يعودوا قادرين على نشر لغتهم الجميلة في العالم، من خلال العلوم، والفنون، والآداب.


وما أزال أيضاً، لا أحب "كابوريا"، وأرى أن موهبة العبقري زكي، كانت أكبر من الفيلم بكثير.


الكتابة عن موهبة أحمد زكي، ربما تحتاج إلى بحث جاد ونقاد متخصصين، في المسرح، والسينما، والدراما التليفزيونية، وربما لن يحدث ذلك قريباً، فهذا عمل جاد..

 

دلالات
50C80A35-B0FB-49CC-BE88-9A8FC8B80144
نزار قنديل
كاتب وصحافي مصري، مدير مكتب مصر ورئيس قسم المراسلين في موقع وصحيفة "العربي الجديد". عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية العربية والمصرية. يعرّف نفسه: كل لحظة تمر، بدون أن تكون لك كلمة حق وخير وجمال، هي وقت ضائع. كل لحظة لا تصمت فيها، إذا لم يكن لديك كلمة نافعة، هي ثرثرة ضارة. بعيداً عن الوقت الضائع، والثرثرة، أحاول أن أكتب. إن شئت فاقرأ ما تيسر من كتابتي.