يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة)، عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار الساحرة المستديرة، وعالم نجومها، وندخل سويّاً إلى الكتاب الخاص بالنجم السويدي، زلاتان إبراهيموفيتش.
قبل هذا كله، في سبتمبر/أيلول 2005، كنا سنلعب مع المجر في بودابست، كانت المباراة مهمة جدا من أجل التأهل، الصحف شحنت جميع اللاعبين من أجل الاستعداد لهذه الموقعة الكبيرة والهامة لكي نتأهل. لكن، جاءت المباراة ولم يحدث أي شيء. مرت 90 دقيقة والنتيجة 0-0. كنت خارج اللعبة تماما، كنت بعيدا عن طبيعتي. الصحف ربما كانت ستضع تقييم 1 من 10 لي في تلك المباراة، وربما كانت ستستعمل المباراة لتؤكد على ما تسعى جاهدة إلى إثباته : هذا الفتى هو مجرد لاعب تم تضخيمه من قبل الإعلام! قبل ثوان من نهاية اللقاء، استلمت الكرة من ماتياس جونسون في منطقة الجزاء، استلمت الكرة ومن ثم استدرت. كان هناك مدافع يقوم بتغطيتي، حاولت أن أراوغه، فعلت لكنني لم أكسب أي شيء جيد، لأنني كنت في زاوية صعبة، لكن رغم ذلك سددت.
يجب أن تتذكروا جيدا: هذا نوع من المواقف التي أعمل من أجلها في الملعب، لهذا لا تشاهدونني دائما أجري في أنحاء الملعب. أنا أوفر قدرتي لكي أجري بسرعة في لحظة حاسمة، وأقوم بأشياء قوية في هذه اللقطة أخذت خطوة بسيطة للداخل وسددت الكرة بشكل قوي من زاوية ليست جيدة، لكن الكرة سكنت الشباك.
ذلك الهدف كان كلاسيكيّاً، تأهلنا إلى كأس العالم، وكنت أتمنى أن يكون ذلك نجاحاً كبيراً لي. في الواقع احتجت للنجاح في ذلك الوقت وهُناك في ألمانيا شعرت بحالة جيدة، رغم المشاكل التي كنت أعاني منها في يوفنتوس. لقد كان لدينا مساعد مدرب جديد بعد استقالة سودربيرغ، لكن هذا لم يكن أيّ مساعد : إنهُ رولاند أندرسون.. تتذكرونه.. ذلك المدرب الذي قام بتدريبي لأول مرة في مالمو. كان هو من قام بترقيتي للفريق الأول في مالمو لأول مرة في مسيرتي، ذلك الذي كان يقول لي: " توقف عن اللعب مع الأطفال يا زلاتان". لم أره منذ أن تم طردهُ من مالمو، لكن الآن هو معي بعد أن أثبت للجميع أنه على حق.
كانت الأمور تسير بشكل جيد، لكن بالنسبة لإصابتي لم تكن الأمور جيدة حقا. ألم إصابة الفخذ كان مستمرا، لكن لاغرباك كان مطمئنا بأنني سوف ألعب المباراة الأولى. كانت ضد ترينيداد وتوباغو، وبالتأكيد كنا نعتقد أننا سوف نفوز، ليس بهدف، بل بثلاثة أو أربعة أو خمسة أهداف، لكن لم تسر الأمور على ما يرام. في النهاية لم نتمكن من التسجيل وحارسهم لعب مباراة عظيمة، ومنعنا من التسجيل حتى بعد طرد لاعب منهم. كل شيء كان سلبيّاً في تلك المباراة. الشيء الإيجابي الوحيد هو أنني ذهبت لألقي التحية على مدرب ترينداد وتوباغو حينها، اسمه ليو بينهاكر. يا إلهي كم أن هناك أشخاصاً يريدون الارتقاء على اسمي ويقولون إنهم ساهموا في مسيرتي، لكن أغلبهم عبارة عن هراء وأكاذيب. لكنّ أشخاصاً مثل رولاند أندرسون وليو بينهاكر، هم من يستحقون أن أعترف لهم بذلك، لقد كانوا يؤمنون بي عندما لم يفعل الجميع ذلك. أود أن أقوم بما قاموا به عندما أتقدم في السن. هناك صورة خاصة لي مع بينهاكر. كنت حينها قد خلعت قميصي ووجهي مشرق ومبتهج رغم إحباط التعادل، بفضل سعادة لقاء هذا المدرب.
لم أجد أي وقت للراحة في تلك البطولة تعادلنا مع إنجلترا في المجموعات. وكان ذلك جيدا لنا، لكن ألمانيا سحقتنا في ربع النهائي، غضبتُ لكنْ لا يمكنني لوم أي شخص. تحملت المسؤولية الكاملة.
عدتُ إلى تورينو بعد ذلك وتورينو لم تكن أشبه بالبيت الخاص بي بعد الآن. شعرت بأن ذلك المكان يتوجب عليّ أن أرحل عنه، خاصة وأن الأجواء في النادي لم تتحسن، بل ظهرت كارثة أخرى، وكان الأمر متعلقاً بجانلوكا بيسوتو، لاعب اليوفنتوس المتواجد مع الفريق منذ 1995، فاز بكل شيء مع الفريق، وكان من أبناء النادي المعروفين. عرفته جيدا لأنني لعبتُ معهُ موسمين. الرجل لم يكن مغرورا بل كان لطيفا ومتواضعا، وبعد انتهاء مسيرته تم تعيينه في النادي.
تلقى بيسوتو خبر هبوط اليوفي للدرجة الثانية بصعوبة كبيرة، وهذا ربما كان مع بعض الأمور العائلية. ما حدث له في أحد الأيام أنه كان جالساً في المكتبة، في الدور الرابع، كما هو معتاد. ارتقى إلى النافذة، وفي يده مسبحة، ثم ألقى بنفسه منها إلى الطريق وسقط بين سيارتين سقط من مسافة 50 ياردة، ومن غير المعقول أنهُ نجا! تم نقله إلى المستشفى وعانى من كسور ونزيف داخلي، لكنه لم يمت، والناس كانوا سعداء بهذا رغم كل شيء.
محاولة الانتحار هذه كانت قد زادت من القلق الحاصل في النادي. شعرت بالإحباط. حينها رئيس النادي الجديد، جيوفاني كوبولي جيجي، أكد للجميع : لن نترك أي لاعب آخر يرحل. سنقاتل من أجل بقاء جميع اللاعبين. لهذا ذهبت وتحدثت فورا مع مينو عن هذا الأمر، تناقشنا عن كل شيء وقررنا أنهُ يجب علينا إيجاد طريقة واحدة للخروج، أن نرد على تصريحات الرئيس. لهذا خرج مينو للصحافة وقال " نحن نستعد للقيام بأي تحرك قانوني يسمح لنا بالانتقال من النادي". لم يكن بإمكاننا أن نظهر ضعفاء إذا كان اليوفي يريد أن يظهر أنه قوي في إدارته الجديدة. كان يجب علينا أن نرد بشكل أقوى لكن هذه الحرب لم تكن سهلة. تحدثت مرة أخرى مع أليسو سيكو، الذي كان يحاول أن يكون موجهي الجديد، وشعرت بأن لديه موقفاً مختلفاً الآن عن السابق .
- يجب أن تبقى في النادي. نطلب هذا منك، ونطلب منك الوفاء لهذا النادي.
قلت له:
- قبل فترة التوقف كنت تقول شيئا مُعاكسا. قلت لي أن أقبل أيّ عرض يأتيني.
- الوضعية مختلفة الآن. النادي في أزمة سنعرض عليك عقداً جديداً.
- لن أبقى هُنا. لا توجد هناك أية فرصة لكي أبقى.
في كل ساعة، وفي كل يوم، كانت الضغوط تزداد وهذا أمر لم يكن يريحني. كنت أحارب بكل ما أملك مع مينو من أجل الخروج، بالقانون وبكل شيء نفكر فيه. كنت لا أزال أستلم مرتبي من النادي، لكنني أردت الخروج سريعا. قررنا بعد ذلك أنني سوف أتدرب مع النادي، لكنني لن ألعب أي مباريات معه. ومينو أخبرني أن هناك بنوداً في عقدي تساعدنا على فعل ذلك. لهذا ذهبتُ مع الفريق في المعسكر التدريبي التحضيري . قبل بداية الموسم اللاعبون الإيطاليون لم يصلوا إلى الفريق. كانوا في إجازة بعد كأس العالم. إيطاليا ذهبت إلى هُناك وفازت بكأس العالم. كان لديهم فريق قوي جدا، فاز بالرغم من الفضيحة في البلد، ولهذا استحقوا التهنئة. كانت الأمور صعبة. حولي ديديه ديشامب، كان هو المدرب الذي تم تعيينه للنادي. ديشامب لاعب قديم فرنسي، كان قائد فرنسا في كأس العالم 1998. كانت عليه ضغوط كبيرة من أجل إعادة اليوفي من جديد إلى الدرجة الأولى. وفي أول يوم في المعسكر الإعدادي، جاء ديديه ديشامب وطلب مني البقاء على أن أكون نواة الفريق الجديد.
على الرغم من أن كلامه لم يعجبني، شعرت بأهميتي لديه، أخيرا فقلت له : " لا لا، أنا سأنتقل ". كنت في نفس الغرفة مع نيدفيد. كنتُ ونيدفيد صديقين لكننا بوضعية مختلفة: نيدفيد قرر البقاء مع ديل بييرو، بوفون وتريزيغيه، وأتذكر كيف أن ديشامب حاول استغلال هذا الأمر وحاول أن يجعل الأمر وكأنه بيني وبين نيدفيد. لا أعلم، لكنهُ لم يبد أنه سيستسلم. كان يأتي إلى الغرفة، ويتحدث معي بتواجد نيدفيد.
- اسمع، لدي آمال كبيرة بشأنك إبرا. قبلتُ بهذه المهمة بسببك.
- أووه لقد قبلتَ بها من أجل النادي، وليس من أجلي.
- أعدك، إذا رحلتَ، سوف أترك النادي أيضاً.
ابتسمتُ وقلت له: "حسنا، قم بتجهيز حقائبك، واطلب التاكسي" .
ضحك ديشامب، وكان يعتقد أنني أمزح بخصوص هذا الأمر، لكنني لم أمزح كثيرا طوال حياتي. الأمر كان جدّيّاً إذا كان اليوفنتوس يقاتل من أجل البقاء كناد كبير، فهذا الأمر ينطبق عليّ. أقاتل كلاعب. سنة في السيريا بي كانت ستشكل ضربة قوية لمسيرتي. أتذكر أنهُ في أحد تلك الأيام جاء إلي أليسو سيكو ومعهُ جان كلود بلان. جان كلود من خريجي جامعة هارفارد. عائلة أنيلي استعانت به لينقذ اليوفي من الأزمة، وبالتأكيد ذلك الشخص كان دقيقا جدا. كان يأتي بالأوراق ويضع عليها العروض والعقود الجديدة، ويسجلها بأرقام مختلفة ومتفاوتة. أدركتُ ذلك وقررتُ: لن أنظر حتى إلى هذه الأوراق. أفضل القتال كما قاتلت ورفضت، كلما رغبوا في التخلص منك، لهذا قلت لهم ما إن وصلوا إليّ :
- لا أريد رؤيتها حتى. لن أكتب أيّ شيء على هذه الأوراق.
- على الأقل ألقِ نظرة على العقد الجديد. نحن الأن كرماء معك بحق الجحيم.
- لماذا ؟ هذا لا يقودنا إلى أية نهاية.
- لن تعرف هذا إذا لم تنظر إلى هذه الأوراق.
- لن أقوم بذلك حتى لو عرضت علي مبلغ 20 مليون يورو. لست مهتما بالكامل.
- هذا تصرف غير محترم منك يا زلاتان. قال جان كلود بلان في غضب.
- اعتبرهُ كما تريد.
بالتأكيد، أحسست بأنني تعاملت معهُ بشكل سيىء، وهذه مخاطرة، لكن بأسوأ الأحوال، كنت سأكون بدون أي ناد في سبتمبر/أيلول، لكن الشيء الهام هو أنه كان عليّ أن اتعامل بقوة معهم. لعبت بشكل سيىء في كأس العالم، وحتى الموسم الأخير في اليوفي لم يكن جيّداً بالنسبة لي، كنت ثقيلا ولم أسجل سوى بعض الأهداف. رغم كل هذا كنت أعول على أن الأندية تعرف قدراتي. قبل سنة فقط من الآن كنت قد لعبت بشكل رائع وتم اختياري كأفضل لاعب أجنبي في البطولة. كنت أتمنى اهتمام الأندية الكبيرة، وفجأة عرفتُ أن مينو يعمل من خلف الكواليس من أجلي.