يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة)، عن أفضل وأبرز ما كُتب حول أسرار الساحرة المستديرة وعالم نجومها، وندخل سوياً إلى الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.
- "لدي عروض لك من الميلان والإنتر". كان هذا يبدو جيداً بالنسبة لي، كان أملاً كبيراً، بل كان ضوءاً في آخر النفق. لكن الأمور لا زالت فقط في بداياتها، ولم يحدث أي شيء جدي، كما أنني لم أعرف وضعية عقدي مع اليوفنتوس، وماهي فرص هروبي من الارتباط بالنادي؟ لم أكن متأكداً من أي شيء، كانت الأمور متقلبة بشكل يومي. مينو كان متفائلاً، كان ذلك هو عمله. وأنا كان عليّ أن أبقى وأنتظر وأقاتل. في ذلك الوقت عرفت الصحف كلها أنني أريد الخروج من النادي مهما كلّف الأمر، وعرفت أيضاً باهتمام الإنتر بخدماتي. مشجعو اليوفي يكرهون الإنتر كثيراً.
وكلاعب، تبقى دائماً محاطاً بالجماهير التي تأتي لتتابع التدريبات. أتذكر أننا في أحد المعسكرات، خرجت ووجدت الجماهير تصرخ: "خائن، خنـزير". نعم، هذا لم يكن شيئاً جيداً بالنسبة لي، لكن في الحقيقة، كلاعب كرة قدم أنا في جميع الأوقات معتاد على سماع هذه الأمور حتى من جماهير الخصم. وأنا شخصياً مررت بالكثير من هذه التجارب. كنا سنلعب بعد ذلك في مباراة ودية ضد سبازيا.
- ما الذي أخبرتكم به عن المباريات؟ قلت بأنني لن ألعب أي مباراة مع اليوفنتوس. فقط سأتدرب. لهذا ذهبت إلى غرفتي وبدأت ألعب البلاي ستيشن. الحافلة كانت تنتظر في الخارج، كانت ستقلنا إلى الملعب. الجميع كانوا في الحافلة بما فيهم نيدفيد زميلي في الغرفة. انتظروا هناك كثيراً: "أين إبرا بحق الجحيم؟ أخيراً ترجل ديديه ديشامب من الحافلة وجاء إلى غرفتي غاضباً:
- "لماذا أنت هُنا؟ نحن ذاهبون إلى الملعب!".
- لم ألتفت له، وواصلت اللعب.
- غضب ديشامب وقال: "ألم تسمع ما قلته؟".
- فأجبته:"ألم تسمع أنت ما قلته؟ سأتدرب فقط، لكنني لن ألعب المباريات، قلتها لك عشرات المرات".
- "ما الذي يجعلك متأكداً من هذا الأمر؟ أنت تنتمي لهذا الفريق، انهض الآن يجب أن تلعب".
- اقترب مني، لكنني بقيت في مكاني وواصلت لعب البلاي ستيشن.
- قال لي بغضب: "ما قلة الاحترام هذه؟ تجلس هُنا وتلعب البلاي ستيشن؟ سوف يتم تغريمك بسبب هذا، هل تسمعني؟".
قلت: "أوكي".
- "مالذي تعنيه بـ أوكي؟".
- "قم بتغريمي، أنا جالس هُنا ولن أتحرك".
وبالفعل يومها تركني. كان غاضباً للغاية، أكملت اللعب، وأدركت بأن الأمور أصبحت مليئة بالإثارة، تم تغريمي بمبلغ 30 ألف يورو، لقد كانت حرباً واضحة. وكما في كل الحروب، يجب أن تفكر بطرق تكتيكية: ما الذي يجب عليّ فعله لكي أرد؟ كيف أتصرف؟ حينها استقبلت زيارة سرية، من أريدو بريدا، أحد رجال الميلان الكبار. زارني خلال فترة تواجدي في المعسكر. تسللت من المعسكر وقابلتهُ في أحد الفنادق القريبة.
تحدثنا عن إمكانية انتقالي للميلان، ولأكون صادقاً، لم تعجبني طريقته في المفاوضات، كان يقول: "كاكا نجم، وأنت لست كذلك. لكن بإمكاننا أن نجعلك نجماً في الميلان". وكأن حاجتي بالميلان كانت أكبر من حاجة الميلان لي. لم يعجبني ما حدث، كنت أفضل أن أقول شكراً ومع السلامة، لكن موقفي في المفاوضات لم يكن جيداً. كنت أريد الخروج من اليوفنتوس بشدة. لم يحدث أي تقدم ملموس، ولهذا اضطررت إلى العودة إلى تورينو بدون أي عروض جيدة بيدي. كان الجو حاراً حينها، وهيلينا كانت في أوج حملها، وكانت علامات الإجهاد بدأت تظهر في ذلك الوقت عليها، ولاحقنا المصورون في كل مكان، قمت بخدمتها قدر المستطاع، لكنني وجدت نفسي في مكان غير ثابت، لم أكن أعرف أي شيء عن مستقبلي وهذا لم يكن أمراً سهلاً.
النادي قام بإنشاء مركز لياقة جديد، لأنهم أرادوا التخلص من كل أشياء موجي، بما فيها غرفة الملابس التي كانت بمواصفاته الخاصة، تابعت التدرب حينها. والتزمت بالخط الذي رسمتهُ لنفسي. والغريب أن الجميع أصبحوا يرون بأنني لم أعد جزءاً من النادي، واستمرت الدراما، وأدركت حينها الأمر الإيجابي: اليوفنتوس لم يعد يريد الاحتفاظ بي. ومن يريد الإبقاء على هذا الفتي السيئ، الذي يترك الفريق في المباريات؟
رغم ذلك كان الطريق لايزال طويلاً. والسؤال بقي هو: ميلان أو إنتر؟ من المفترض أن يكون الاختيار سهلاً بينهما، فالإنتر لم يفز بأي بطولة للدوري منذ 17 عاماً، ولم يعد من أندية القمة في الحقيقة، بينما ميلان كان واحداً من أنجح الأندية الأوروبية، على كافة المستويات: بالتأكيد يجب أن تذهب لميلان.
هذا ما قالهُ لي مينو رايولا، لكن رغم ذلك لم أكن متأكداً، إنتر كان فريق رونالدو السابق، وكان يبدو بأنهُ يناسبني، خاصة عندما فكرت بما قالهُ بريدا لي عن أنني لست نجماً حقيقياً بعد، ورغم قوة الميلان، كنتُ أميل لخيار الإنتر. لم أكن أريد أن أصبح مستضعفاً في الميلان، لهذا قال لي مينو:"حسناً، لكن يجب أن تعرف مقدار التحدي في الإنتر، فهو مختلف تماماً، لن تفوز ببطولة الدوري هُناك بشكل مجاني". لم أرد أن أحصل على أي شيء مجاني، أردت المنافسة وتحمل المسؤولية، وذلك الإحساس بدأ يتزايد بداخلي حتى أنني فكرت حينها، في الصورة التي سيكون عليها الأمر لو ذهبت إلى نادٍ لم يفز بأي شيء منذ 17 عاماً، وتمكنت من الفوز معهُ ببطولة الدوري، ذلك الأمر سينقلني إلى مستوى جديد تماماً في مسيرتي. لكن كما قلت، لم أكن متأكداً من أي شيء. لم تكن الأمور جاهزة، كان علي أولاً أن أخرج من السفينة الغارقة ومن ثم سأفكر بالقادم.
ميلان كان سيلعب في دوري الأبطال، ذلك كان نتاج قرار فضيحة الكالتشيو بولي، ميلان كان متأهلاً بالفعل للبطولة، لكن بعد خصم 8 نقاط من رصيده، الفريق أصبح يتوجب عليه أن يلعب التصفيات المؤهلة لدوري المجموعات، في دوري الأبطال ضد النجم الأحمر.
المباراة الأولى كانت في ملعب السان سيرو. وكانت تلك المباراة هامة بالنسبة لي أيضاً. في حال تأهل الميلان لدوري المجموعات، فهو سيحصل على المزيد من المال، لأجل تمويل صفقتي، وأدريانو غالياني نائب الرئيس أخبرني:"سننتظر ونرى في النهاية. ستتلقى اتصالاً مني في وقت لاحق".
حتى تلك اللحظات، إنتر كان الفريق الأقرب للتعاقد معي، ليس لأنه من السهل الانتقال إلى هناك، فالنادي كان يرأسهُ ماسيمو موراتي، أحد أكبر تجار النفط. رجل باسم كبير، كان يملك الإنتر، وكان يعرف حاجتي للخروج من السيدة العجوز، لهذا قام بتخفيض قيمة عرضه أربع مرات! في كل مرة يأتي بشيء جديد. وانتظرت يوم 8 أغسطس، لأشاهد مباراة الميلان، لكنني لم أشاهدها في الحقيقة، كان لدي أمور كثيرة لأقوم بها، لكنني علمت أن كاكا ساعد إينزاغي على التسجيل في تلك المباراة، وأن الضغوط خفّت عن النادي بشكل كبير جداً. بعد انتهاء اللقاء فوراً سمعت هاتفي يرن، لقد كان يرن طوال اليوم. لقد كان مينو يتصل بي ليضعني بتطورات العملية خطوة بخطوة. مينو هذه المرة يريد أن يخبرني: بيرلسكوني يريد مقابلتك! قفزت من مكاني، بكل تأكيد هذا ليس فقط لأنني سأقابل بيرلسكوني، بل أيضاً لأن الميلان بدأ يظهر اهتماماً كبيراً بخدماتي. رغم كل ذلك لم أكن متأكداً، ولكنني أدركت بأن هذه المحادثة مع بيرلسكوني لن تلحق الضرر بموقفي أنا ومينو، فسألته: "هل بإمكاننا أن نستغل هذه الوضعية؟" فقال لي مينو: "قد تعطيك ما تريد". وقام مينو فوراً بالاتصال بموراتي، وهو يعلم بأن آخر شيء يريده هو الهزيمة من برلسكوني وأخبره:
"موراتي، أردت إخبارك فقط بأن إبراهيموفيتش سوف يحظى بالعشاء مع بيرلسكوني، في وقت متأخر من مساء اليوم".
-"ماذا؟". ردّ موراتي متعجباً
- "لقد قاموا بحجز طاولة في مطعم الجيانينو" .
- "اللعنة، سأرسل لك شخصاً من عندي حالاً".
موراتي أرسل برانكا، المدير الرياضي في الإنتر خلال تلك الحقبة، كان شاباً هادئاً ونحيلاً بعض الشيء، لكنني عرفت عنه شيئاً آخر أيضاً، عندما وصل إلى شقتي بعد ساعة من ذلك الوقت: "إنهُ واحد من أشد المدخنين الذين قابلتهم في حياتي شراهة، كنا نرى الدخان يخيم على كافة المكان بسبب السجائر التي يدخنها بشكل متتالٍ. لكنني لاحظت عليه أيضاً أنهُ يشعر بضغط كبير، لكن كان يتمنى أن ينهي الصفقة، قبل أن يربط بيرلسكوني ربطة عنقه ومن ثم يتوجه إلى الجيانينو. كان متحمساً بطبيعة الحال ويعيش إثارة كبيرة، فهو ينافس أقوى رجل في إيطاليا على أحد الصفقات. لهذا أراد مينو أن يستغل تلك الأوضاع، فالضغوط تجعل من أي شخص أكثر ليونة.
بعد مفاوضات طويلة في الهاتف، أستطيع الآن أن أضع عقدي، وبشروطي الخاصة. فعلت ذلك، ومع مرور الساعة كان برانكا يدخن ويُدخن، ثم قال: "هل تقبل؟"، فقال له مينو: "نعم، بكل تأكيد نقبل". واتصل برانكا مسرعاً بموراتي، وبدت على صوته علامات الحماس: "زلاتان أعطى موافقته". كان ذلك خبراً كبيراً وجميلاً لجميع الأطراف، لكن لازالت الصفقة لم تكتمل بعد.
وتبقى يومها الاتفاق بين الناديين فقط، وإذا أراد اليوفي بيعي، فإنهُ سيفعل ذلك مقابل مبلغ جيد. كانت لعبة جديدة بين الإدراتين، لكن قبل أي شيء موراتي اتصل بي فوراً وقال لي: "زلاتان، هل أنت سعيد؟"، قلت له: "أنا مسرور جداً"، فرد بجملة "عظيم أنا أرحب بك في النادي"، فهمت أن الأمور أصبحت جيدة، وتنفست الصعداء أخيراً. طوال الربيع والصيف كنت أعاني من ضغوطات لكنها اختفت في ثوانٍ. الآن تبقى فقط أن يتصل بإدارة الميلان ليبلغهم بالأمر. بعد ذلك سيكون من الصعب أن يقابلني بيرلسكوني، بالتأكيد فنحن لن نتحدث عن الطقس مثلاً. لكن ما فهمته هو أن الروسونيري كان متفاجئاً تماماً: "ما الذي حدث؟ زلاتان الآن سينتقل للإنتر؟ الأمور قد تحدث بسرعة"، هذا ما قالهُ لهم رايولا في ذلك الوقت. في النهاية انتقلت مقابل 27 مليون يورو، 270 مليون كرونه بالضبط.
وكانت تلك أكبر صفقة انتقال في الدوري الإيطالي في ذلك الموسم، وبالنسبة لتلك الغرامة التي وضعها ديشامب فلم أدفعها، مينو جعلها تختفي. موراتي خرج للإعلام وقال:"قدوم إبراهيموفيتش للإنتر مثل قدوم رونالدو للإنتر في السابق". وهذا كان لهُ أثر كبير في قلبي، كنتُ على استعداد للمنافسة، لكن قبل ذلك كان علي الذهاب إلى غوتنبيرغ للمشاركة مع المنتخب السويدي. وكنت أتوقع رحلة هادئة تماماً لي قبل أن أعود وأبدأ العمل الشاق هُنا.
اقرأ أيضاً..
أنا زلاتان..(27) مونديال متواضع وخطة الرحيل من اليوفي
أنا زلاتان (26) أزمة "كالتشو بولي" وسفينة اليوفي الغارقة