أنا الراعي التونسي

26 نوفمبر 2015
لا للإرهاب (فرانس برس)
+ الخط -
تصدرت الأخبار الإجرامية والعمليات الإرهابية أهم عناوين الصحف وجميع وسائل الإعلام التونسية والعالمية منها، الأعمال الإرهابية الشنيعة تتصدر ذاكرة البشر ولا تمحى سريعاً، حيث تصبح مدار حديث المجتمع بأكمله وتصبح حاضرة بقوة في رؤوس بعض الناس، ولا سيما إذا كانت الجريمة غير طبيعية وغير مألوفة ويصبح تكرارها متوقعا.


بكت تونس ليلة الجمعة الموافق 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وفاة طفل، بعد أن اغتُصبت براءته عبر جريمة بشعة، قضت مضجع الإنسانية لما تحمله من فكر متطرف فاشي، لا ينم سوى عن نفوس مريضة مسكونة بالحقد على الآخر، تدّعي أنها تحتكر الحقيقة المطلقة وتنصب نفسها وصية على دولة لا يسعنا تسميتها إلاّ "الدولة الدموية".

مبروك السلطاني ابن 16 ربيعاً ذبح بكلّ وحشية، بعد أن وضع الإرهابيون قطعة قماش على وجه رفيقه وابن عمه الطفل البالغ من العمر 14 سنة قبل تنفيذ الجريمة، ثم أرسلوا عقبها رأس الضحية في كيس بلاستيك لينام رأس الراعي المغدور في ثلاجة عائلته ينتظر باقي جسده المفقود.

ليس التاريخ الإنساني بذلك التاريخ الجميل وحقيقة الأمر هي بالفعل كذلك، فقد رأى العالم أجمع، من خلال المقاطع التي عرضتها وسائل الاعلام بمختلف أنواعها، مدى الوحشية التي تمثلت في سلوك الجمعات الإرهابية المتمرّدة على قوانين الأرض والسماء، وإذا "الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت".

هي ثقافة نشر الموت المجاني والرعب عبر المناطق الحدوديّة التونسية التي ما زالت تعاني التهميش والفقر الذي من شأنه أن يجعلها حاضنة لضحايا الإرهاب ولضحايا الحرمان، فمنطقة الشهيد البوعزيزي تمرّ بامتحان صعب يترنح بين أضداد ما بين ترغيب وترهيب أحلام وأوهام، فمن الجبن أن تخيّر المنطقة ما بين الجنة والنار وانتمائها الوطني.

الشهيد مبروك السلطاني ابن السادسة عشرة، يتيم الأب، انقطع عن الدراسة في سنّ العاشرة  ليتمكّن من العمل، كان سقف همه أن يحظى بقوت يومه، وأن يحصل على حاجياته التي يراها من خلف زجاج المتجر، هو نفسه الطفل الذي لطالما بات جزعا خشية أن يكون رقما آخر في قوائم الموتى، إلاّ أنه بات رقماً في قوائم الشهداء.

لقد تحول الحلم بمستقبل أفضل عبر جيل ينتظر أن يستفيد من خطة "الاستثمار في المستقبل"، إلى قلق في ظل واقع ينتهي به على أن يكون "ضحية لجماعات إرهابية".

قضية الشهيد الطفل مبروك السلطاني هزت الرأي العامّ التونسي وحرمت أهالي سيدي بوزيد النوم وأربكت الحكومة التونسية وأثارت استياء رواد ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي فسرعان ما أطلقوا حملة "أنا الراعي التونسي" التي اكتسحت الفيسبوك دعماً وتضامناً مع حق العيش الكريم ودعوة إلى التوحد ضدّ آفة التطرّف والغلو ضدّ كلّ ما يتنافى ومنطق الإنسانية.

هذا وسارعت أحزاب ومنظمات تونسية إلى التنديد بالجريمة، حيث أعلن حزب حركة نداء تونس الفائز في الانتخابات عن تضامنه الكامل مع عائلة الطفل الشهيد مبروك السلطاني، مندّدا بالإرهاب الذي كشف عن بشاعته في أقبح مظاهره، وضرب بوحشية فطاولت همجيته الأطفال من أبناء سيدي بوزيد بعد أن ضُيق عليه الخناق.

وعبّرت حركة النهضة، الحزب الثاني في الانتخابات، عن "سخطها" على هذه الجريمة، داعية كل المواطنين والمسؤولين إلى التوحد والتجند ورصّ الصفوف في مواجهة هذه الفئة المجرمة مؤكدّة أنّ الإسلام بريء من هذه الأفعال الإجرامية، ولا يشفع لهذه الجماعات انتسابها له بل يضاعف جرمها، من جهته ندد البرلمان التونسي بهذه الجرائم البشعة معتبراً أنّ هذا الفعل الشنيع يتنافى ومنطق الإنسانية، كما أرسل وفداً لمؤازرة ودعم عائلة الشهيد.

تجد الحكومة التونسية نفسها أمام تحدي القضاء على إحدى أهم البنى التحتية التي يتغذى منها التطرّف، وهي التهميش والفقر، وأمام العمل وبذل الجهد لتوفير سبل العيش الكريم والإحاطة الاجتماعية بالمناطق الحدودية الأكثر عرضة للخطر.

(تونس)
المساهمون