أناشيد الحوثيين: "الزامل" اليمني في المتاهة الطائفيّة

28 ابريل 2015
الزامل اليمني أداة تعبئة (Getty)
+ الخط -

بدأت أناشيد الحوثيين بالتعبير عن "سلمية" قضيتهم، كما زعموا، والتي كانت تدعو إلى تحرير القدس ومعاداة أميركا وإسرائيل، خلال حروبهم مع القوّات الحكومية بين الأعوام 2004 ـ 2010، ثم انقلبت إلى أهداف مختلفة مع اندلاع الثورة اليمنية عام 2011.

فرغم عدم انسجام أهدافهم مع أولويات الشعب اليمني وأهداف ثورته حينها، إلا أنّهم ركبوا موجة الثورة، وطوّروا رسالة نشيدهم، لتركّز أوّلاً على إدانة الفساد والتوريث والمطالبة بخلع صالح، ثم ناقضوا مبدأهم الأول: "السلمية"، فباتوا يفاخرون بمقاومتهم المسلّحة لـ"الفترة الانتقالية" و"الحوار الوطني"، باعتبارهما "خدعة" لاستنساخ نظام صالح.

ثم انتقلت رسالة نشيدهم لإعلان تحدّي "حكومة الوفاق الوطني"، وجميع خصومهم، والتغني باستخدام السلاح ضدّهم، لتصل بداية هذا العام إلى هجاء السعودية، وتتحوّل خلال "عاصفة الحزم" إلى الاستعداء المتطرّف، وتتحوّل "زواملهم" إلى أداة تعبئة بارزة، ردّ عليها السعوديون بأغنيات كثيرة أيضاً.


نشيد القائد
معروف عن اليمنيين أنّهم بارعون في قرض الشعر وأدائه ملحّناً، ويشاع لدى القبائل اليمنية ترديده جماعياً في المناسبات المختلفة وهم مصطفون صفوفاً متقاربة ويحملون السلاح، لأنّ تلك الأشعار ارتبطت بحروب القبائل، ويسمى هذا بفلكلور "الزامِل" في الشمال، أو "الشبواني" و"الشرح" في بعض مناطق الجنوب.

وبحكم انتمائهم إلى القبيلة، استغلّ الحوثيون هذا الفنّ، وطوّعوه خدمة لمصالحهم، فتارة جيّشوا عبره القبائل لنصرتهم، وتارة أرهبوا خصومهم، فأنشدوا يمدحون مقاتليهم ويصوّرون بأسهم ولامبالاتهم بالموت.

اقرأ أيضا:أعراس اليمن في الحرب

وبدخولهم المدن، دخلت إلى أناشيدهم الموسيقى (التي كانت محرّمة)، تأثّراً بنشيد حزب الله اللبناني، وأيضاً بانضمام فرق إنشادية من مناطق أخرى إليهم، مثل مدينة صنعاء القديمة.

ويتّسم النشيد الحوثي بالأداء الجماعي، يرافقه إيقاع الطبل العسكري المنتظم ووحدة النبرة، ويتبنّى لغة العنف والتحدّي ومفردات الدين واسم "القائد الحوثي" و"شعار الموت" المعروف.

وللحوثيين فرقتان فنّيتان تعملان من معقلهم بمحافظة صعدة واثنتان من صنعاء، وتعمل جميعاً تحت إدارة المكتب الاعلامي لقائدهم عبد الملك الحوثي. وتؤدي كل الفرق النشيد بأسلوبها الخاص وبنكهة مناطقها، يوحّدها، مضموناً، الخطاب السياسي لقائدهم، عبد الملك الحوثي، الذي يوجه المسار الإنشادي كما الاعلامي والسياسي والعسكري. لذلك فكثيراً ما يتضمن النشيد الكثير من المفردات التي يردّدها في خطابه.


استخدامات النشيد
يستخدم الحوثيون النشيد مع شعارهم في محافلهم الدينية وفعالياتهم الثقافية وعند دقّ طبول الحروب، ما يُشعر أفرادهم بالحماسة، فيرفعون صوت النشيد عند مرور سياراتهم في الشوارع من أجل الإيحاء للآخرين بأنهم يملأون الآفاق.

وقد بدأوا ممارسة ذلك بحرية تامة منذ استلام هادي السلطة الرئاسية نهاية عام 2011. وعقب ضربات تحالف "عاصفة الحزم"، صارت سياراتهم حاملة الميكروفونات تذيع أناشيدهم مثل "ما نبالي ما نبالي" الشهيرة، تحت وقع أصوات انفجارات قذائف الطائرات، بقصد شحذ معنويات السكان وتشجيعهم على تحمّل القصف، وتقوم قناتهم، "المسيرة"، وإذاعتاهم "المسيرة" و"سام إف إم"، ببثّ تلك الأغاني القتالية بوتيرة عالية.

اقرأ أيضا:هل يُسكت ضجيج النزاع النشيد اليمني الوطني؟

ولأنهم يسمون أنفسهم "شباب المسيرة القرآنية" أو "المجاهدين"، تضمنت معظم أناشيدهم ربط النصر بالقرآن أو نُصرة الدين والله.

بدايات العام الجاري، ومع بدء خطابات الحوثي الاستفزازية لرعاة المبادرة الخليجية، أنتج الحوثيون أناشيد مثل "تحداهم تحداهم"، دمجت كلمات الحوثي وهو يتحدّى أميركا وبريطانيا وأي دولة في الإقليم أن توقف تحرك انصاره، "أنصار الله"، أو تكسر سلاحه. خلال الأنشودة، يتمّ تصوير الحوثي ندّاً لنتنياهو.

وفي بداية شهر مارس/ آذار الماضي، جرى إنتاج نشيد "قل لأصحاب السمو يكفي تعدّي"، وتزامنت ضمن استعدادات الجماعة لبدء المناورات التي نفّذتها على الحدود مع السعودية، باستخدام السلاح الثقيل الذي نُهب من مخازن الجيش اليمني. وتحذر الأنشودةُ السعوديةَ من التعدي على الحدود وتتوعّد قواتها بالموت. تبعتها أناشيد و"زوامل" شبيهة بعد انطلاق عمليات "عاصفة الحزم"، دعت العامة لمواصلة المقاومة. وتدعو أنشودة "تجندنا كتايب" السعودية إلى زيادة حشدها من كل الدول، لزعمها أن كتائب الحوثيين قد تعوّدت القصف وتعلم كيف تتعامل معه، بحسب النشيد.

وكانت أشهر أناشيد الجماعة على الاطلاق زامل "بلعشر ما نبالي"، الذي ادّعوا فيه الغناء باسم الشعب اليمني، رموا من خلاله أن يجعلوا هذا الادعاء مألوفاً بطريقة لاواعية عند المتلقّين... وقد جرى إنتاج الزامل أثناء احتجاجات الجماعة في صنعاء ضدّ قيام الحكومة السابقة برفع الدعم عن الوقود، متّخذين من مطلب شعبي عام مطيّة لجذب المتعاطفين والمناصرين. وقد لاقى النشيد انتشاراً واسعاً خارج جماعة الحوثي بسبب ذكاء خطابه المعيشي، وأثبت كيف يمكن للزامل ان يكون ناجعاً في "بروباغندا" الحوثيين.


هدايا حزب الله
دأب حزب الله على دعم النشاط الإعلامي للحوثيين منذ سنوات، وقد ظهر أخيراً أثر معونة فنّية أيضاً، وبدا أنّ "أنصار الله" الحوثيين يستلهمون أكثر من خطاب "حزب الله". وتفاقم تأثّر الحوثيين بأيديولوجيا الحزب الإعلامية وخطابه وأيضاً أناشيده. لذا كان شعار الحزب "هيهات منّا الذلّة"، شعاراً آخر للحوثيين.

وقام الحوثيّون من أجله بتصميم نشيد خاص "هيهات يا زمن التراجع ذلّتي"، الذي لخّص فنّياً مظاهر التأثّر الفنّي بالحزب، ومنها إدخال الجماعة لآلة البوق المحرّم لديهم في النشيد، مع مشاهد الفيديو التصويرية القتالية، التي تشبه كثيراً الإنتاج الفني الخاص بالحزب. وقد أهدى الحزبُ الجماعةَ نشيدها المصور "يا حركة أنصار الله اليمن"، بعد دخول الجماعة العاصمة صنعاء، في منتصف عام 2014، يناشدها الحزب من خلاله عدم التخلي عن سلاحها.
المساهمون